الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخ الفصيح

طارق الطوزي

2011 / 3 / 2
كتابات ساخرة


بعنفوان نزق ويقين راسخ صلب تنبّه لكفري، قال لي بنبرة هادئة عطوفة: «قد غرّروا بك». كان شيخا جليلا أشيب تلحّف برداء الحلم والصواب. أوجز قائلا:«إليك الحقّ» واختلى إلى صمته. لم أتبيّن ممّا تلفّظ معنا، فبادرته بالسؤال حائرا. ابتسم، ثمّ قال:« لا تغترّ بلؤم الإمكان فتعتصم بخسر الجحود؛ ففي كلّ اثنين لابدّ من واحد.» أنست نفسي لحكمة هذا القول، وانتهى لساني إلى الخرس. أذلّني الشيخ. قال لي بعدها، وسط دهشتي وعجزي:«ساق النملة، برغم دقّتها، تحمل في طيّاتها عددا، أليست هي الواحد؟» هكذا حدّثني الشيخ، فأهلكني فراغ دليلي أمام إعجاز برهانه.
جلست على الحصير مواجها شيخي وانتظرت حديثه. بعد برهة، انفرجت أساريره لتنبأ ضياء، وأخبرني بوجه تملّك النور والرحمة: «في ما مضى، سافرت إلى بلاد الطاغوت، فزعم لي بعض الصادقين هناك أنّ شخصا يجتمع إليهم تلبس عراء الشكّ. قلت لهم، بلسان الحرص: أدعوه غدا إلى مجلسكم حتى أجادله في ضلاله. أقبل إلى الموعد، غير آبه لحضوري، ونطق مبشّرا بالإفك. عندها، قلت له، بحزم منصف: أليس فوقك سقف الآن؟ قال: بلى، قلت: أتدري إن كان فوقه أحد أم لا؟ قال، بتردّد: لا أعرف على وجه اليقين، قلت: فما أدراك، يقينا، خلو السماء من بهاء ربّاني؟ فخرّ الجبّار، على هدي قولي، ساجدا مصدّقا ومسلما.»
دخلت على الشيخ يوما، في غفلة منه، فوجدته قائما على هامة رأسه. كان انقلابا بهلوانيّا هائلا. تسمّرت أتأمّل بيان العجب على صراط التقوى، وأبحث، يائسا، عن آية ما تفسّر جنون تأوّل المشهد. تبيّن للشيخ حضوري، فأومأ لي حتى أجلس ثمّ قال لي، بعدها: «يا بنيّ، تقلّبي جبر لما انقطع عني من عظيم التشابه» سكت قليلا وهو يستطلع أثر كلامه على محيّاي ثمّ أردف، قائلا: «حجتي الدامغة تماثل يستلب القلوب». تهافت فضولي، فآثرت الرضا بما أنعم عليّ الشيخ من كلم حتّى ولو بدا ملغزا.
قال الشيخ: «أنا كالأتراك»* تلبستني بلادة الحيرة، فتلفظت مندفعا بالحمق، قلت بلا هدي التروّي: «كيف يستقيم هذا المذهب؟! يا شيخ، قد ركب جيش الجبّارين على عروش الأتراك ورقابهم فما ترك لهم دعوى تستظهر من فقه أسلافنا شيئا، وظهر من أرباب الريب والإلحاد بساحتهم ما يرقب نهضة الدين ويعاند في لجم الحقّ. يا شيخ، هم من حللوا الحرام حتى يدلفوا حياض الطغيان. تعبّدهم كذب وافتراء؛ لقد استظلوا بزينة الأحزاب سنين عديدة ففسقوا عن الوحي الأوحد. يا شيخ، نحن على ديدن السلف لا نحيد، إن انفض عنّا زنادقة السوء هؤلاء لن نرضى إلّا بالجهاد طريقا، نحن قوم الوهابين و آل المعروف فلم تحشرنا في ثوب المولى» ضحك الشيخ حتى استلقى وطالعني بعين اللطف، ثمّ قال بصوت أجشّ: «يا ولدي، تمعّن في رايتي سترى الأحمر والأبيض والهلال والنجمة، جميعها ترتسم على راية الأتراك أيضا، أليس بهذا تبدى لك وجه الصواب؟ أنا منهم وهم مني والشاهد تلك الراية» أُفحمت فذُهلت وطأطأت الرأس مصدقا لما بين يدي شيخي وما خلفه.

* أنبأنا البعض ممن نثق فيهم أن بلادنا التونسية قد تنزل بها داء عضال إخواني من صفته المضحكة أنهم كلّما تسمّى شيئا على وجه الاستحسان عند الغرب إلّا وتلمّسوا تشبيها ذاتيا ينتسبون به إليه، وقد ظهر لهم اليوم، فجأة، أن يتماهوا مع الحزب التركي الحاكم عسى أن يصيبهم بعضا من شيم أولائك عند الغرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس