الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة المصرية (١٠): المواطن المصرى وفوائد الكشف عن قضايا الفساد

عبير ياسين

2011 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


أصبحت قضايا الفساد واستغلال النفوذ هى الخبر الأساسى الذى يتحدث عنه الجميع، فخلال الأيام الماضية بدأت تتكشف العديد من الملفات التى ظلت حبيسة الجدران لعقود طويلة. وبعد أن كان الحديث سابقا يتم على سبيل التندر فيما يخص استغلال النفوذ وعلى سبيل التشكك فيما يخص الفساد، أصبح الوقت ضيقا للغاية لمتابعة حجم الفساد المعلن عنه حتى الآن، وأصبحت متابعة أرقام الأموال فقط مصدر للغضب ومبرر للثورة

وسابقا كان المواطن المصرى قادرا على التعايش مع أحساسه بوجود محسوبية واستغلال للنفوذ والعلاقات لحصول البعض على أشياء لا تحق لهم، ولعدم حصول من يستحق على تلك الأشياء. وارتضى جزء كبير من الشعب المصرى طوال تلك العقود بأن هناك تقسيما يتجاوزه ولا يستطيع غير الخضوع له، هو خضوع تم تفسيره بعدة طرق ساعد عليها أحيانا قراءة معينة للموروث الدينى والثقافى ساعد عليها خطاب السلطة المباشر وغير المباشر عبر منابرها وصورها المختلفة خاصة فى المجال الفنى والإعلامى

وارتبط التفسير المباشر لدى البعض بالتبرير باسم الدين والإيمان. وفى هذا الإطار كان يكفى أن يقول الفرد لنفسه وللآخرين بأن ما يحدث هو نصيب ومكتوب مستخدما الكثير من المقولات التى تحمل رغبة فى إرضاء الذات وتقليل الأحساس بألم الظلم والقدرة على التعايش معه بشكل يقنع الخاضع للظلم بأنه قدر وأنه لا يملك له ردا، مستبعدا شعوريا أو لا شعوريا لأى حديث أخر عن رفض الظلم والتفكير فى الانعكاسات السلبية المترتبة عليه. واستكمالا لصورة الرضا بالقدر تم ربط تلك التفسيرات بالحديث عن القلب كآلية تغيير بوصفه أضعف الايمان، فليس عليه أن يسعى إلى تغيير حقيقى ومباشر، ولكن إلى مزيد من ترسيخ الرضا والقبول عبر استخدام قلبه لأن لا أحد يعرف ما فيه غير الخالق وبالتالى لا أحد يملك أن يحاسبه عليه، فهى مساحة تبقى خارج قدرة النظم وأجهزتها الأمنية على الرصد

تلك الصورة التى تناقلتها أجيال من المصريين ساهمت فى ترسيخ الأستبداد بدورها، وأوجدت خطاب يبدو سلبيا رغم ثوريته، فهو خطاب ثائر صامت لا يغير إلا بالقلب، ويتعامل مع كل الصور الفاسدة حوله بوصفها محل للشك وبوصفها نوع من المعطى والمسلم به فى الدنيا

ساهم خطاب ممارس أيضا لعقود إعلاميا على تكرار مقولات من قبل أن الفقراء يدخلون الجنة، وأن حياتهم أفضل مقارنة بالأغنياء. وبنظرة للدراما المصرية عبر عقود طويلة سنجد التقسيم واضحا بين فقير يظهر سعيدا ولديه أبناء محل للفخر من جانب، وغنى مريض ويشعر بالمعاناة وربما الخوف والقلق ولديه أبناء محل للحزن بدورهم. صورة تؤكد على أن الثروة مفسدة، وأنها لا ترتبط إلا بالشرور، مقابل الفقر والنوم قرير العين رغم الحاجة والجوع

ولكن خلال السنوات الماضية بدأت ظاهرة مختلفة ساعدت بدورها فى زيادة الشعور بالغضب، فمن جانب ظهرت العديد من الأفلام التى تقع فى إطار ما يعرف بسينما الواقع، سينما تكسر هذا التابوه الذى ترسخ لفترة طويلة لتؤكد أن الفقر ليس طريقا للجنة فى كل الأحوال، فالفقر أيضا له شروره وله مخاطره على النفس البشرية. وبدأ واضحا تصاعد نبرة السخرية من واقعية أن يعيش البسطاء فقراء مقابل أن يعيش من يتحدث إليهم عن فضيلة الفقر فى واقع مختلف كليا وملئ بمظاهر البذخ

ظهر أيضا من جانب أخر أفلام ومسلسلات تعلن الوجه الآخر للحياة، تتحدث عن القصور والمنتجعات، وعن مشاكل من نوع آخر عن تلك التى يعانئ منها أغلب الشعب المصرى فهناك من يعانئ للاختيار بين أماكن المصيف أو شهر العسل أو طريقة الاحتفال بعيد الميلاد، اختيارات لا تتوقف عند الإسكندرية والساحل الشمالى وشرم الشيخ التى بدأ المواطن يسمع عنها كثيرا حتى ولو لم يراها فى حياته ولا يتخيل أن يراها، اختيارات تتحدث عن جزر ودول لا يعرف أين هى على خريطة العالم ولا يتخيل حجم الأموال التى تتكلفها وهو لازال معنى بتوفير قوت يومه

ظهر أن هناك عالم آخر، يعيش فيه جزء من الشعب المصرى ولكنه عالم مغلف أو ظل مغلفا لفترة طويلة وظهر فجأة على السطح فكان بدوره مثيرا للغضب. والغضب هنا تعبير هو الأقرب وليس الحقد الطبقى، فلم يخرج الفقراء ثائريين على الأغنياء، ولم تتوجه جموع من المهمشين كما أطلق عليهم للأعتداء على تلك المناطق المعلبة التى ظلت عالم مغلق على سكانها. فقط أكدت الصورة أن هناك حياة أخرى، وأن من يتحدث لهم فى أعماله عن الفقر كشرف، والفقراء كمواطنين للجنة لا يعيش تلك الحياة بالضرورة وظهرت تساؤلات مصرية ساخرة كالعادة حول تلك المواقف

ويضاف لما سبق أن تزايد الفضائيات والصحف الورقية والإلكترونية ومواقع الإنترنت المختلفة ساعد على نقل صور لتلك الحياة المعلبه. حيث ركزت نسبة كبيرة من الأخبار على الحديث عن المجتمعات وما تشهده حفلات المشاهير، والحرص على تناول حياتهم واحتفالاتهم وغيرها من الأخبار. ساهمت تلك الصور مع الوقت فى إثارة الضيق أحيانا والغضب فى معظم الأحيان

تراكم الغضب بالطبع، وظهرت أصوات تتحدث عن الفقر بوصفه نتاج للفساد، وعن القهر بوصفه نتاج لتغول السلطة، وعن المواطن الفرد بوصفه المسئول الأول عن هذا بصمته. وظهرت مجموعة من الأعمال الفنية المهمة بالفعل فى أثارة تلك التساؤلات سواء فيما يتعلق بقبح الفقر أو قبح السلطة بمفهومها القمعى وليس بمفهومها السياسى. بدأ واضحا أن هناك محاولة لخلخلة الصور القديمة، وساعد عليها ما تناقلته الأخبار حول حياة أفراد السلطة ورموزهم وأن ظلت قليلة وعلى سبيل التسريبات والإشاعات

وهنا كان من الطبيعى أن تنضم أعداد أكبر من المصريين للثورة، وأن يكون المهمشون الممثلون للكتلة الصامتة هم وقود الثورة الحقيقى ليس فقط لوجودهم فى ميادين وشوارع مصر والتى مكنت من تحول المشهد إلى ثورة ولكن بوجودهم فى منازلهم. فرغم المعاناة المتخيلة لعدد غير قليل من الشعب المصرى، خاصة وأن جزء منهم تحت خط الفقر ويعملون أعمال قد لا توفر لهم إلا قوت يومهم فأن هؤلاء بصمتهم وعدم خروجهم للثورة على الثوار أصبحوا بالفعل مؤيدين للثورة ومطالبين بالتغيير

وبالانتقال للمشهد الحالى مرة أخرى حيث أخبار الفساد تسيطر على الأحداث ومن المؤكد أنها تسيطر على خطاب معظم الشعب المصرى خاصة فى ظل الأرقام المعلنة فأن الكشف عن تلك الجرائم بدورها وحجم الفساد الذى شهدته مصر من شأنه أن يمثل وقود مهم لمرحلة التغيير والإصلاح، وضعية أن تم الاستفادة منها ستكون وسيلة لدعم المحاسبة والشفافية كضرورة فى المجتمع على كافة الأصعدة وفى كل قطاعاته

لا يمكن تخيل أن يرجع المواطن المصرى لوضعية ما قبل ٢٥ يناير، ولا أن يتقبل التسريبات غير المؤكدة عن الفساد مرة أخرى، ولا أن يستمع لمن يتحدث له عن الفقر دون أن يعانيه. الكشف عن الفساد يؤكد أن هناك موارد ضخمة مهدرة من أصول الوطن وحقوق مواطنيه، ولعل مراجعة سريعة للمقارنات التى تعقد بين حجم تلك الأموال وطبيعة المشاكل التى كان يمكن أن تحلها أو عدد فرص العمل التى كانت ستوفرها أو غيرها من المقارنات السريعة تؤكد على إدراك المواطن لوجود حقوق كثيرة وأن هناك ما هو أفضل مما كان يتخيل أنه الممكن الوحيد

المواطن المصرى أدرك بعد ٢٥ يناير أن السلطة ووحشيتها ليست إلا نتاج لصمته، ومع الإعلان عن قضايا الفساد وحجم الثروات المهدرة يدرك أن هناك حقوق عليه أن يحاسب من يتولى أداراتها وهو ما يؤكد على ضرورة ترسيخ آليات المحاسبة والشفافية لكل من يتولى منصب فى الدولة بكافة أجهزتها وقطاعاتها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 5.4 مليار دولار تكلفة السيطرة العسكرية الإسرائيلية على غزة


.. تصاعد الانقسامات السياسية.. حرب غزة لم تنجح في توحيد الصف ال




.. طفلان يختبئان داخل تنورة والدتهما من البرد في غزة


.. كتائب القسام تعلن أن مقاتليها قطعوا إمداد قوات الاحتلال شرق




.. الترجي التونسي يستضيف الأهلي المصري في ذهاب الدور النهائي|#ه