الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماكنة الديمقراطية

سلمان النقاش

2011 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


اثبتت الاحداث الاخيرة في المحيط الاقليمي حول العراق .. حسب ما ارى على الاقل، التأثير الكبير الذي كانت تمارسه الانظمة الحاكمة وماكناتها المخابراتية والاعلامية في الداخل العراقي منذ نيسان عام 2003 وحتى مطلع عام 2011 تلك الفترة التي اتصفت بابشع الاحداث الدموية والانتهاكات الحقوقية التي طالت كل الفئات الاجتماعية العراقية ،هذا كما اكدته إحصائية لـCNN أظهرت فيه أن عدد الضحايا الذين قتلوا في العراق، من مدنيين وعناصر أمنية، خلال العام الماضي فاق قتلى العام 2009، وفق أرقام مستندة على بيانات من وزارات الدفاع والداخلية والصحة العراقية.
وقتل ما مجموعه 3605 عراقياً عام 2010، مقارنة بـ3479 قتلوا خلال عام 2009 السابق.
وتشهد الساحة العراقية اليوم انحسارا ملحوظا لعمليات ارهابية كانت لا تترك فراغا زمنيا دون التأكيد على وجودها المتواصل والمعيق لبناء الدولة العراقية بالشكل المختلف تماما لطبيعة الانظمة السياسية المحيطة بها .. لابل اسهمت هذه العمليات وبشكل فاعل في تحديد النشاط السياسي العراقي وتحوله من نشاط لادارة شؤون الدولة الى منافسة محمومة نحو التمكن من السلطة والحصول على اكبر مساحة ضمنها بين الكتل المتصارعة عليها .. حتى تحولت السلطة الى هدف بحد ذاتها لما توفره من امتيازات اولها المال السياسي واخرها القدرة على المناورة والاستمرار ضمن المجال السلطوي والدفاع عن مكاسبها وتحول المشاريع السياسية الى مجرد شعارات تكاد ان تكون فارغة من مضامينها اذا تؤكد الفترة السابقة على ان البرنامج السياسي لمختلف السطات التنفيذية لم يكن متفقا عليه من الناحية العملية لانه يواجه تناقضات التنفيذ على الارض كلما ارتفع سقف الخلافات بين الكتل المنضوية في التشكيل الحكومي والمدعومة من قبل كتلها في البرلمان والذي ادى تماما الى تاخر برامج التنمية واختصار المدة المقررة لاعادة هيكلة البنى التحتية الضرورية لانطلاق مشاريع اعادة البناء والاعمار والذي خلق هوة كبيرة بين المواطن والسياسي الذي تمكن من السلطة حتى وصلت الحال الى ارتخاء نسيج الثقة بين الطرفين..
اليوم تؤكد شعوب المنطقة بعد ان اثبتت تماما ان ارادة انظمتها لا تمثل ارادتها من خلال التاثير الذي احدثته في الشارع العراقي في رسالة واضحة ومعبرة بشكل حقيقي تذكر فيها ان استقرار الاوضاع في اي بلد من دول المنطقة لا يعني اتفاقا متبادلا بين الشعب والسلطة انما ذلك يعود بالدرجة الاولى الى تمكن هذه الانظمة من السيطرة على شعوبها بواسطة قواها الامنية وتمسكها بتراث ايديولوجي كلاسيكي تتوهم الانظمة قبل شعوبها بان شرعية وجودها مستمدة من هذا التراث .. حتى اذا بدت عورات هذه الانظمة تتكشف من خلال مستويات الفساد في اجهزتها والتخلف الكبير الذي وجدت هذه الشعوب حالها فيه ، ادركت اخيرا بان الامر لا بد له من حراك ثوري وان بمفهوم يستوحي ثوريته من مباديء حقوق الانسان التي روجت له ماكنة التصدير الديمقراطي .
لا اعتقد ان ما حدث في نيسان عام 2003 يرتقى الى مستوى الانتفاضة او الاحتجاج او ربما الثورة ، رغم انه ادى تماما الى اسقاط النظام القائم انذاك مع نسف كل اسسه وادوات حكمه بدءا بايديولوجيته وانتهاءا باجهزته القمعية لكنه ابقى على بعض السلوكيات والقيم الراسخة في بنية النفسية العراقية ذات الجذور البدوية والقبلية حسب الدكتور علي الوردي بدءا بالمفاهيم الاخلاقية او حتى النظرة اتجاه الواقع والحياة وجدواها بصورة عامة .. الامر هنا يتعدى اتصافه بالحراك التلقائي او العفوي الاجتماعي المنطوي على الفعاليات والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية حتى يصل الى ارادة انسانية ذات ابعاد تحمل تراكمات التطور العالمي للوجود الانساني ككل احتكت بواقع مهيأ تماما لتقبلها .. انها مراحل التطور المجتمعي التي لا تقف عند حدود البلدان او ابتعاد الشعوب عن تأثيراتها مهما كانت درجة تخلفها او مهما حاولت انظمتها ان تبعد هذا التاثير عنها .. واظن ان اتفاق انظمة الحكم هنا على اعاقة وسائل الاتصال الحديثة من الوصول الى شعوبها خير دليل على ذلك اذ نتذكر كيف كان النظام في العراق حريصا على عدم اتاحة الموبايل والانترنيت والقنوات الفضائية للمواطن العراقي اضافة الى ما نشهده اليوم من تسارع الانظمة المهددة من قبل شعوبها لقطع كل هذه الوسائل في حالات التظاهر والاعتصامات .. ويبدو ايضا ان ادارة الشأن الانساني اليوم ياخذ مسارا عالميا تتحدد قوانينه وفقا للتطور المضطرد دون هوادة في وسائل الاتصال والنقل وتصدير التكنلوجيا .. فحياة الشعوب لم تعد شأنا داخليا قط تفرضه النظم السياسية الحاكمة بدعوى خصوصية مجتماعتها .. اليوم اصبح الانسان ثروة تتطلع لها برامج الاستثمار .. انه هدف تركز عليه اعلى اهتمامات الرسم الاستراتيجي لكافة المشاريع وان الذي يشكل الاعاقة الكبرى في الوصول الى طاقاته الابداعية او الاستهلاكية وانماطها انما هي الانظمة الديكتاتورية التي اتفق على انها المولدة الحقيقية للارهاب في العالم ..وقد لا يتفق التراث الثوري الرومانسي او يتناقض مع دعوات الديمقراطية التي تبثها اليوم من كانت في الامس امهات الامم الاستعمارية بعد الحرب العالمية الاولى.. لكن الثورية نفسها اليوم قد تبدلت سماتها ولم تعد الارض بجغرافيتها المحدودة تمثل الانتماء الوطني ، اليوم تتطلع الشعوب فعلا نحو الحرية وهي تقترب من الادراك الواعي لحركة تطور الانسان وامكانية تأثره بالمعطى التراكمي التاريخي الجمعي لوجود الانسان اينما حل .
وربما نكون اليوم الافضل حالا بين دول المنطقة رغم كل المأساة التي عشناها ونعيشها الان .. وتأتي هذه الافضلية اذا ما قورنت الاحداث والاحتجاجات المطالبة بتقويم العملية السياسية واصلاحها مع ما تواجهه الشعوب المنتفضة بوجه انظمتها المدججة باجهزة القمع اللامحدودة البطش ..فلو افترضنا مجازا اننا تحت مظلة الحكم الصدامي وركبنا موجة التمرد والاحتجاج بتأثير ما حدث في تونس ومصر ماذا يمكن ان يحل بنا .. ربما الف قذافي وسيفه سوف لا يتمكن من منافسته بما سيفعل .. اليوم تنفتح الافاق للمراجعة واعادة الحسابات في عملية تنظيم البيت العراقي بعد ان بدأ الشعب وخصوصا الفئات المثقفة منه بالحراك الواعي والمنتج للتنبيه والتأشير على الاخطاء الجسيمة التي وقفت دون الاقتراب من التطلعات حتى في مستوياتها الادنى المتمثلة بالعدالة الاجتماعية وتحسين الخدمات .. ولكي لا تضيع هذه الفرصة ويكون ما قدمناه خلال هذه السنوات تضحية لحياة نستحقها علينا ان نقترب من الحلول التي لا تكون متاحة الا اذا اقدمنا وبشجاعة نحو التنازلات بشكلها الذي تبدو به وكانها تضحيات حقيقية لنتجاوز هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مسيرة هذا البلد الذي عانى شعبه ويلات وويلات .. ولكي يلمس المتطلعون لحياة افضل جدية هذه التنازلات .. لابد من ان نضع مشاكلنا على طاولة عريضة ونشرحها ونبحث فيها عن اسباب البؤس .
ربما يكون الكل مقتنعا ان تقليص مجلس الوزراء إلى ما لا يزيد على 20 وزارة امرا سيزيد من رصيد القناعة لدى الناس في جدوى العملية السياسية الجارية .. وان هذه القناعة مسلم بها في ذهنية السياسي و بين اصحاب القرار انفسهم والخلاص منها وتجاوزها تستلزم حالة من الجرأة والثورية لنستعيد حقيقة العلاقة التي اتقدت في السابع من اذار في العام الماضي و نتأكد حينها ان هذه الوزارات انما وجدت من اجل تنظيم المجتمع لا لاجل ترضية هذا او ذاك وفق مبدأ المحاصصة الذي يتفق الجميع سواء من كانو في مجال الحكم او من عامة الشعب انها مجرد صراع على امتيازات ومواقع وفرص لبلوغ المجد الشخصي.. والغريب في الامر ان من يصر على التعامل بها هم السياسيون انفسهم وهذه مسلمة اخرى ترسخت في ذهنية المواطن البسيط مصحوبة بنوع من الحنق ربما في تراكمه يولد حالة من الرفض قد تؤدي الى استعداد للتحرك بما لا يلائم من نجح في الوصول الى قمة هرم السلطة وربما تتجسد اذا ما تحولت الى اتفاق جمعي لمواجهة من نوع ما !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة