الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طفح الكيل يا بشار، أنقذنا من العصابة..!!

بدرالدين حسن قربي

2011 / 3 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في حي دمشقي عريق اسمه سيدي عامود، كان حريق دمشق الكبير عام 1925 الذي التهم المنطقة بأكملها، ومن يومها صارت سيدي عامود تحمل اسم الحريقة. وفي يوم الخميس 17 شباط/فبراير 2011، الذي انطلقت فيه شرارة الثورة الليبية لإسقاط نظام القذافي، انطلقت أيضاً شرارة الغضب السوري عندما دخل شاب بسيارته في منطقة الحريقة يريد التوقف في مكان ما، قال له شرطي المرور بأدبه الجمّ: امش ياحمار، ورغم أن الشاب ردّ عليه بنفس اللغة، مما أغضب الشرطي فضربه بعصا المرور التي يحملها، مما دفع بالشاب إلى الترجل من سيارته لرد الإهانة للشرطي، غير أن تدخلَ اثنين من عناصر الشرطة المتواجدين في المكان ومشاركتهما في ضرب الشاب حتى إدمائه بشكل وحشي مهين، أدى إلى تجمع المارة والمتسوقين والتجار الذين أغلقوا جميعاً محلاتهم ليغدو الأمر تظاهرة عفوية قدّر عددها بأربعة آلاف، ونداؤها: الشعب السوري مابينذل.
كانت قراءة الكثير من السوريين وغيرهم على أن ماحدث في سيدي عامود السورية، يكاد يتطابق مع ماحدث في سيدي بوزيد التونسية للشاب البوعزيزي والذي كانت نهايته رحيل الرئيس التونسي إلى أبد الآبدين، وقد ردت عليه الجهات الرسمية عبر بعض صحفها بأن البعض من المغرضين حاول تسويق القصة بعيداً عن سياقها الطبيعي رغم أن ماكان ليس أكثر من شجار فردي تحول إلى شجار جماعي انتهى في حينه. ومع ذلك، لم يمض أسبوع على حادثة الشرطي والشاب حتى وقف يوم الأربعاء التالي أحد العاملين في السوق في وضح النهار وهو رجل في الخمسينات من العمر في منتصف ساحة الحريقة محتجاً ورافعاً لافتةً كَتب عليها: طفح الكيل يابشار أنقذنا من العصابة.
التواجد الكثيف لرجال الأمن في المنطقة جعل عدداً منهم يطلبون من صاحب اللوحة مرافقتهم، فأفادهم أنه يريد مقابلة الرئيس، وهو أمر يذكّرنا بمحاولة الشاب البوعزيزي التونسي لقاء رئيس بلدية مدينته والذي رفض مقابلته. ورغم أن الرجل لم يُعرف عنه انتماؤه لأي حزب مرخص أو غير مرخص أو تيار مسموح أو ممنوع أو أن له اهتمامات سياسية سابقة، وأن كل مافعله كان عملاً فردياً بحتاً، فقد بقي في ضيافة الجهات الأمنية ثلاثة أيام سوياً انتقل فيها من الأمن السياسي إلى الأمن الجنائي فسجن عدرا ليُطلق سراحه بعد مثوله أمام القضاء العسكري بتهمة كتابة عبارة تخل بالأمن العام. ومع أن الرجل الذي ناشد الرئيس مستنجداً ومستغيثاً إنقاذ الناس من العصابة الفاسدة والمفسدة من الحيتان والهوامير وسرّاق المال العام من القرابات والنافذين في السلطة، كان عمله سلمياً وديمقراطياً، ويُفترض أن بلداً حُكم أكثر من أربعين عاماً من الأب إلى ابنه وصل إلى الحد الأدنى من الحريات، يسمح بطريقة ما لمواطن واحد من عشرين مليوناً على الأقل أن يقف في مكان ما صامتاً لايتكلم، حاملاً في يده لافتة أو قطعةً ما، يَكتب فيها مطلبه واحتجاجه دون أن يُساق إلى المعتقلات والأجهزة الأمنية بجريمة الإخلال بالأمن العام أو توهين نفسية الأمة وإضعافها. غير أن حالة الطوارئ المعلنة في سورية والمعمول بها منذ قرابة خمسين عاماً متواصلة بحجة حالة الحرب مع العدو الصهيوني، جعلت حياة الناس محكومة بصلاحيات ثورية مطلقة تدار فيها الدولة بطريقة بعيدة عن القانونية المدنية والمساءلة أو المسؤولية، مما أنتج نظاماً شمولياً تنعدم فيه الحريات وتُمتهن الكرامات، وتشيع في بره وبحره منظومةٌ مفرداتها فواحش الظلم والجوع والقمع والاستبداد، أخرجت في النهاية آلافاً من الناس عن صمتهم صارخين ومردّدين في وجه القمع والإذلال: الشعب السوري مابينذل...!!، وواحداً منهم يصرخ في وجه أكابر فاسديها وناهبيها ومفسديها وسرّاقها، ومعلّقاً الجرس بصمت البلغاء والحكماء: طفح الكيل، طفح الكيل....!!!
أخيراً، لعلها مصادفة أن يُعتقل صاحب اليافطة العتيدة بفعل أحكام الطوارئ في نفس اليوم الذي رفض مجلس الشعب السوري بإجماع أعضائه اقتراحاً من أحدهم بإيقاف إعلان هذه الأحكام ولو جزئياً لكون حالة الحرب مع العدو الصهيوني مستمرة. قد يجادل البعض في صدقية مثل هذه الحجة وفائدة استمرارها، بأن لا أحد أطلق طلقة واحدة باتجاه العدو منذ قرابة أربعين عاماً، وإنما لاجدال أن استمرار الحالة قرابة نصف قرن ودون انقطاع شكّل غطاء حديدياً في عموم البلاد، لكل أنواع القمع والنهب والفساد، الذي جعل رجلاً في سيدي عامود الحريقة السورية يغامر بحياته ويحمل روحه على راحته بعد أن طفّ كيله، وينادي على الرئيس بنفسه: أنقذووونا وإلا خسرناكم وخسرتمووونا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البداية والنهاية
فيصل حرسان , السويد ( 2011 / 3 / 4 - 08:36 )
مصير كل شيئ على الارض بشكل طبيعي و هناك نهاية زمنية للاشياء ....فما بالك اذا كان الموضوع يتعلق بالظلم والاستبداد وخنق الحريات والسلب والنهب وسياسات وعلاقات قائمة على الارهاب والقتل ....ان معاملة الاكراد وبشكل خاص وعلى هذه الشاكلة المخجلة انسانيا و
سياسيا واخلاقيا وعلى المستوى الدولي ...اخي كيف تريدني ان اصفها و اشرحها...تهجيروانتزاع الهوية وحقوق المواطنة والحرمان من حق العمل والتعليم والتنقل ومصاعب الحياة اليومية في ظل هذا الجحيم الذي ليس له الا نهايتان ...المآساة والنظام


2 - البداية والنهاية
فيصل حرسان , السويد ( 2011 / 3 / 4 - 08:46 )
مصير كل شيئ على الارض بشكل طبيعي و هناك نهاية زمنية للاشياء ....فما بالك اذا كان الموضوع يتعلق بالحياة و بالظلم والاستبداد في سوريا وخنق الحريات والسلب والنهب وسياسات وعلاقات قائمة على الارهاب والقتل ....ان معاملة المواطن و الاكراد في سورياوبشكل خاص وعلى هذه الشاكلةالمخجلة انسانيا و
سياسيا واخلاقيا ...اخي كيف تريدني ان اصفها و اشرحها...تهجيروانتزاع الهوية وحقوق المواطنة والحرمان من حق العمل والتعليم والتنقل ومصاعب الحياة اليومية في ظل هذا الجحيم الذي ليس له الا نهايتان ...المآساة والنظام
تذكروا الشعب السوري ومأساته

اخر الافلام

.. معدن اليورانيوم يتفوق على الجميع


.. حل مجلس الحرب.. لماذا قرر نتنياهو فض التوافق وما التداعيات؟




.. انحسار التصعيد نسبيّاً على الجبهة اللبنانية.. في انتظار هوكش


.. مع استمرار مناسك الحج.. أين تذهب الجمرات التي يرميها الحجاج؟




.. قراءة عسكرية.. ما مدى تأثير حل مجلس الحرب الإسرائيلي على الم