الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر: من هم أصحاب الثورة؟

يعقوب بن افرات

2011 / 3 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



تكفي مشاهدة التلفزيون المصري الرسمي (الحكومي) لإدراك عمق الثورة التي مرّت بها مصر. نفس المذيعين الذين قرأوا في الماضي بوجوه عابسة الأخبار الرسمية التي تضمّنت صور مبارك، تبنّوا اليوم ثورة 25 يناير وصاروا حماتها الأشاوس. إلاّ أنّ مسألة واحدة ووحيدة بقيت خارج الخطاب الجماهيري العامّ- انتقاد المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة، الذي يتمتّع بنوع معيّن من الإجماع الشعبي.

هزّت الثورة المصرية أركان السلطة وأوجدت حيّزًا جماهيريًا جديدًا للتعبير لطيف واسع من الآراء والمواقف. المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة بنفسه ينشر بياناته في الفيسبوك، ويتبنّى السلاح الفتّاك الذي كان سبب سقوط النظام. يحوز الاحتجاج الجماهيري على تغطية مؤيّدة في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، الأمر الذي يوحي بالمحافظة على إنجازات الثورة. ليس في الجزيرة فحسب، وإنّما في الاستوديوهات الرسمية تدور نقاشات حول مواضيع "ثورية" مثل "الخطر الذي يكمن في الثورة المضادّة".

وهنا بالطبع يُطرح السؤال من يُقصَد بالتعبير "الثورة المضادّة"؟ تتعلّق الإجابة بهوية الذين يوجَّه السؤال إليهم. بالنسبة للشباب الذين احتلّوا ميدان التحرير وما زالوا ينادون بمظاهرات مليونية كلّ يوم جمعة، الحكومة الحالية برئاسة الفريق أحمد شفيق هي التي تمثّل الثورة المضادة. حسب رأي هؤلاء الشباب، لم تحقّق الثورة بعد أيًّا من غاياتها، باستثناء إسقاط الطاغية. لو سألتم أحدًا من صفوف الذين خدموا النظام البائد، الذين يسارعون اليوم إلى تبنّي الثورة، فإنّ الثورة المضادة تتمثّل في الوزراء ورجال الأعمال ومقرّبي مبارك الذين تمّ اعتقالهم ومصادرة ممتلكاتهم في موجة التطهير الأولى.

في الصراع الدائر في الوقت الراهن بين المتظاهرين والجيش، يُطالَب الأخير بالقيام بتنازلات معيّنة، وإجراء تغييرات في تركيبة الحكومة لإرضاء الشعب وتطلّعاته ولو قليلاً. إلاّ أنّ أحمد شفيق ذاته، الذي عيّنه مبارك رئيسًا للحكومة المؤقّتة، يواصل إدارة شؤون الدولة رغم أنف الشباب. كما أنّه في الوقت الذي يطالب فيه المتظاهرون بإقامة لجنة لوضع دستور جديد، يعيّن الجيش لجنة تكتفي بتعديل الدستور القائم. صحيح أنّ هذه اللجنة ستتيح إجراء انتخابات شفّافة وديمقراطية، لكنّها لن تغيّر في الدستور بندين إشكاليين: الأوّل يتعلّق بكون الشريعة الإسلامية هي مرجعية الدستور المصري؛ والثاني يتعلّق بصلاحيات الرئيس شبه المطلقة.

لتهدئة المخاوف من انقلاب عسكري، أعلن الجيش عن نيّته إجراء انتخابات عامّة في غضون ستّة أشهر. جاء هذا الإعلان لتهدئة الأمريكيين أيضًا، ولإثبات أنّ الجيش لا ينوي إدارة الدولة. لكنّ تحديد موعد الانتخابات في توقيت قريب إلى هذا الحدّ، يثير تخوّفًا في صفوف الشباب الذين أشعلوا الثورة، بألاّ يتمكّنوا من الاستعداد كما يجب لهذه المرحلة المصيرية. غياب آلية منظّمة، على هيئة حزب أو حركة متبلورة، يترك الحلبة مفتوحة للمتنافسَيْن القويَّيْن- الإخوان المسلمين من جهة، ومَن تبقّى من حزب مبارك من جهة أخرى. وحزب مبارك يستعد للخروج بحلة جديدة، كما فعلت وسائل الإعلام الرسمية. بل وأكثر من ذلك، هناك من يتوقّع بأن يكون الاسم الجديد للحزب "25 يناير"!

رغم ذلك، ليس من المؤكّد بأن تتحلّى الانتخابات المرتقبة بالمنافسة الحرّة الشريفة. أعلن الإخوان المسلمون بأنّهم لا ينوون ترشيح مرشّح للرئاسة من طرفهم، ولا نيّة لديهم بالسيطرة على البرلمان (مجلسَي الشعب والشورى). رغم ماضي هذه الحركة الذي يثير الشكّ في صحّة إعلاناتها، إلاّ أنّ موقفهم هذا ينطوي على منطق. فالإخوان المسلمون يعلمون جيّدًا مدى المعارضة الداخلية والخارجية الشديدة التي سيسبّبها تسلّمهم السلطة في مصر.

من جهة أخرى، لا شيء يمنع سيطرة الإخوان المسلمين على مصر بطريقة غير مباشرة، من خلال دعمهم لمرشَّح مفضَّل، حتّى ولو كان مقبول على الجيش، بشرط أن يضمن لهم مكانتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. التكافل القائم بين الحركات الإسلامية من جهة وبين الأنظمة الصديقة للولايات المتّحدة من جهة أخرى ليس أمرًا جديدًا، فهذا التكافل يعمل جيّدًا في باكستان وفي اليمن.

كما أنّ الظهور العدواني للشيخ يوسف القرضاوي أمام المتظاهرين لا يغيّر في الأمر شيئًا. تضمّنت خطابات الشيخ العائد من المنفى بعد طول سنين، عنصرين جاءا لتهدئة مضيفيه. من جهة أثنى الشيخ على موقف الجيش المصري؛ ومن جهة أخرى نادى العمّال والموظّفين الحكوميين والصحافيين وسائر المحتجّين والمضربين، إلى العودة لأماكن عملهم، بحجة الحفاظ على إنجازات الثورة. هذا التحالف غير المقدّس بين أصحاب رؤوس الأموال والجيش والإخوان المسلمين، يتنامى تحت غطاء ثورة 25 يناير العريض والذي لا يميّز بين عدوّ وصديق.

في نفس الوقت، يتفاقم الصراع على وجه مصر المستقبلي. فالجيش من جانبه يرغب في مواصلة الحفاظ على مصالحه الاقتصادية، التي تشكّل عشرة بالمئة من الاقتصاد المصري. ومن جهة أخرى، هناك الذين يرغبون في مواصلة عملية الخصخصة، ولكن بشفافية وبدون محسوبيات وتفضيل الأقرباء. وتقف أمامهم طبقة من المفكّرين الذين يطالبون بدولة رفاه يقوم فيها قطاع عامّ إلى جانب القطاع الخاصّ. يدور جدل آخر حول طابع النظام- هل يكون ديمقراطيًا برلمانيًا، كما يريد الليبراليون، أم نظامًا رئاسيًا. هل ينبغي تعديل الدستور القائم؟ ومن سيجني ثمار الثورة في نهاية الأمر؟

ثمّة إجماع واسع على أمر واحد بين جميع الأطراف- الإسلاميين والعلمانيين والمفكّرين وأصحاب رؤوس الأموال- لا مكان للحركة العمّالية ولمطالبها. هذه المطالب في رأيهم ستؤدّي إلى فوضى اقتصادية مما يزيد من نفوذ المجلس العسكري ويصرف النظر عن نقاش الأسئلة المبدئية.

إلاّ أنّ الحركة العمّالية في مصر هي المحرّك الذي وقف وراء الثورة ودفعها إلى الأمام. الإضرابات في مدينة المحلّة الكبرى- مدينة مصانع الغزل والنسيج- سنة 2008 كانت البشرى الأولى بحلول ربيع الشعوب في أرض النيل. رفع هؤلاء العمّال شعار "العدالة الاجتماعية"، وطرحوا آلام الشعب المصري الحقيقية. العمّال المصريون والمعلّمون وموظّفو البنوك والمواصلات العامّة وسائر العمّال، لن يوقفوا إضراباتهم طالما لم تتحقّق مطالبتهم بشروط عمل كريمة: أجر أدنى يبلغ 1200 جنيه مصري، التثبيت في مكان العمل، وإقالة المديرين الفاسدين الذين سبّبوا الخسائر الفادحة في قطاع البنوك والقطاع العامّ.

بغض النظر عن تركيبة الحكومة التي ستُنتخَب بعد ستّة أشهر، وأيّ نوع ديمقراطية سيكون في مصر، الأمر المؤكّد هو أنّ النضال من أجل العدالة الاجتماعية في مصر لن يتوقّف. الفساد والمحسوبيات وتفضيل الأقرباء وبقايا النظام البائد لن تختفي بفضل الجيش أو الإخوان المسلمين أو أصحاب رؤوس الأموال الذين يتنافسون على السلطة، وإنّما بفضل ملايين العمّال الذين يُلقى بهم من مكان عمل إلى آخر والذين يتظاهرون ويضربون من أجل طرد فوري للمديرين ومقرّبيهم، واستبدالهم بأشخاص مخلصين للشعب. في حين تواصل الحكومة المؤقّتة إدارة المرحلة الانتقالية، يواصل العمّال تطهير النظام من القاعدة، وخلق الحيّز الديمقراطي الذي يضمن لهم حقوقهم.

في ولاية ويسكونسين في الولايات المتّحدة، يخرج العمّال في هذه الأيّام إلى الشوارع للاحتجاج ضدّ حاكم الولاية الجمهوري الساعي للقضاء على النقابات التي تنظم العاملين في القطاع العامّ. في احدى المظاهرات حمل أحد العاملين لافتة فيها صورة لحاكم الولاية وإلى جانبها صورة مبارك، وتربط بين الصورتين كلمة "دكتاتور". وقد كُتب تحت صورة مبارك "هذا سقط" وتحت صورة الحاكم- "وهذا سيسقط". باستطاعة كلّ عامل في كلّ مكان في العالم أن يتبنّى هذه اللافتة، لأنّ لكلّ واحد منهم دكتاتوره المحلّي الذي يمنع العمّال من حقهم في تنظيم انفسهم نقابيا، ويفعل كلّ ما باستطاعته للقضاء على العمل المنظّم. نقترح رفع لافتة أخرى إلى جانب لافتة "الدكتاتور"، وهي اللافتة التي تقول: "لا ديمقراطية بدون عدالة اجتماعية!".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أطفال يضطرون للعمل في قطاع غزة لمساعدة عائلاتهم | الأخبار


.. زيارة بوتين إلى كوريا الشمالية : تقارب يثير قلق الغرب؟ • فرا




.. خطة إسرائيلية -سرية- بشأن توزيع المساعدات في غزة


.. تهديد باغتيال نصرالله.. وحزب الله يرد على التهديد! | #التاسع




.. طلاب جامعة كاليفورنيا يدينون استثمارات الإدارة مع الاحتلال