الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع الاشتراكي وقانون التطور المتوازن للاقتصاد الوطني

حسقيل قوجمان

2011 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


المجتمع الاشتراكي وقانون التطور المتوازن للاقتصاد الوطني
في المجتمع الاشتراكي كما هو الحال في كل المجتمعات السابقة تنشأ قوانين موضوعية تتحكم في المجتمع بالاستقلال عن ارادة الانسان. احد هذه القوانين قانون التطور المتوازن للاقتصاد الوطني او قانون التطور النسبي للاقتصاد الوطني. هذا القانون يحل محل قانون فوضى الانتاج والمنافسة في النظام الراسمالي.
يتطلب هذا القانون انتظام تطوير الانتاج الاجتماعي بحيث تخصص لكل فرع من الانتاج الكميات النسبية اللازمة لتطوير الانتاج الاجتماعي كله بصورة تؤدي الى تقدم الانتاج الاجتماعي في المجتمع الاشتراكي تقدما سريعا ودائما لا وجود للازمات فيه. وكما في القوانين الطبيعية الاخرى يستطيع الانسان ان يكتشفه وان يستفيد من مزاياه ويتحاشى الاخلال به.
كان لوعي دكتاتورية البروليتاريا في الاتحاد السوفييتي لهذا القانون ومحاولة تطوير الانتاج الاجتماعي بموجبه اكبر الاثر في التقدم الهائل الذي احرزه الاتحاد السوفييتي في فترة تعد فترة زمنية قصيرة تافهة بالقياس الى القرون التي استغرقها التقدم في النظام الراسمالي. ففي ثلاثة برامج خمسية اصبح المجتمع السوفييتي دولة صناعية وزراعية كبرى بعد ان كان افقر دولة في اوروبا واكثرها تاخرا صناعيا وزراعيا وهو امر لم يتحقق في النظام الراسمالي الا خلال عدة قرون.
كان واضعو برمجة الاقتصاد الاشتراكي واعين لهذا القانون ويحاولون وضع برامج التطور الاقتصادي باقرب ما يمكن الى مستلزمات هذا القانون. وقد كان نجاح هذه البرامج دليلا على عظم ادراك واضعي البرامج لمتطلبات هذا القانون.
يعني هذا القانون ان الثروات الاجتماعية كلها تكون ملك المجتمع المنتج لها تديره حكومة اشتراكية هي بالضرورة دكتاتورية البروليتاريا. وهذه الادارة عليها ان تقوم بتوزيع الانتاج الاجتماعي بصورة متوازنة بين كل مشاريع الانتاج بحيث يكون انتاج جميع المشاريع الاقتصادية متوازنا ولا يكون فيه تخصيص اجزاء لاحد المشاريع اكثر او اقل من المقدار الذي يحتاجه. فما يخصص لانتاج وسائل الانتاج مثلا يكون كافيا لتلبية حاجة كافة المشاريع الاخرى القديمة والجديدة من ادوات الانتاج اللازمة لمواصلة انتاجها وتطويره بدون ان تواجه اية مشاكل تعيق عملية انتاجها لعدم كفاية ادوات الانتاج المخصصة لها. ومن الناحية الثانية لا تكون ادوات الانتاج الموجهة لبعض هذه المشاريع اكثر من حاجتها بحيث يبقى جزء من هذه الادوات عاطلا وغير قابل للاستعمال.
لو فرضنا مثلا ان ادارة المجتمع ارادت ان تطور انتاج الملابس. فان تحقيق هذا المشروع يتطلب مثلا توسيع المعامل المنتجة للملابس وبناء معامل جديدة. ويجب ان يضمن تحقيق متطلبات مثل هذا المشروع من ادوات الانتاج والبنايات اللازمة لتحقيقه، كذلك يجب ضمان تطوير المنتجات الحيوانية والزراعية لتوفير المواد الخام اللازمة لتحقيق ذلك كزيادة زراعة القطن والكتان وانتاج الصوف والحرير وكل ما يتطلبه تطوير انتاج النسيج. كذلك ينبغي ضمان تطوير المواصلات بحيث يمكن نقل جميع هذه المواد من موضع انتاجها الى موضع انتاج النسيج والملابس. كذلك يجب توفير مواد الوقود اللازمة لتحقيق هذا التوسع في الانتاج. لذلك على واضعي برامج التطوير الاقتصادي ان يوفروا جميع هذه المتطلبات وبكميات صحيحة تضمن التطور المناسب المطلوب تحقيقه. وقد نجحت دكتاتورية البروليتاريا في الاتحاد السوفييتي بان تضع البرامج باقرب ما يمكن الى متطلبات قانون التطور المتوازن او النسبي للاقتصاد الوطني. وهذا القانون يتطلب بالضرورة ان تكون للانتاج الاجتماعي ادارة واحدة اي ان يكون الانتاج الاجتماعي مبرمجا اذ لا يمكن تحقيق الانتاج المبرمج اذا تعددت ادارات الانتاج وجرت المنافسة او الخلافات بينها. الانتاح المبرمج يتطلب بالضرورة ان يكون الانتاج الاجتماعي كله ملكا للشعب ومدارا بادارة واحدة.
ادى نشوء هذا القانون الاقتصادي الى تغير مفهوم الربح في المجتمع الاشتراكي. في النظام الراسمالي يعني مفهوم الربح الربح الناجم عن كل مشروع راسمالي على حدة. فاذا كان بين هذه المشاريع مشروع غير مربح او قليل الربح بالقياس للمشاريع الاخرى يجري تركه وتغييره الى مشروع مربح. اما في المجتمع الاشتراكي فلا يعني مفهوم الربح ان يكون كل مشروع انتاجي مشروعا مربحا بالضرورة. ان مفهوم الربح في المجتمع الاشتراكي هو ربحية الانتاج الاجتماعي ككل. فتقدم الانتاج الاجتماعي وتطوره تطورا دائما وعدم تعرض الانتاج الى الازمات كما هو الحال في النظام الراسمالي هو الربح في المجتمع الاشتراكي.
ان مفهوم الربح في المجتمع الراسمالي يعني ان قانون القيمة هو المسيطر على الانتاج الراسمالي. اما في الانتاج الاشتراكي فلا يشكل قانون القيمة قوة مسيطرة. من الضروري من اجل حساب الربح الاشتراكي ان يدرس انتاج كل مشروع حسابيا لمعرفة اضافته الى ربحية الانتاج الاجتماعي او عدم اضافته الى ربحيته وهذا هو دور قانون القيمة في المجتمع الاشتراكي. ولكن هذا الوضع هو وضع حسابي فقط لا علاقة له بالحساب العام لربحية المجتمع الاشتراكي. وهذا ادى الى ظاهرة تعتبر شذوذا بالمفهوم الراسمالي ولكنها ظاهرة طبيعية واقعية لازمة في الانتاج الاشتراكي، ظاهرة وجود مشاريع غير مربحة او حتى خاسرة بموجب حسابات قانون القيمة ولكنها ضرورية وطبيعية وفقا لحسابات الربح الاشتراكي. فان التخلي عن مثل هذا المشروع يؤدي الى الاخلال بمتطلبات قانون التطور المتوازن للاقتصاد الوطني. وكانت مثل هذه المشاريع قائمة في الاتحاد السوفييتي وواصلت انتاجها لان وجودها وانتاجها كان ضروريا لتحقيق الربح بالمفهوم الاشتراكي اي تقدم الاقتصاد الاشتراكي تقدما سريعا ومتواصلا. ان مثل هذا التطور لا يمكن حتى التفكير به في نظام غير اشتراكي.
ما اكثر الانتقادات التي وجهت الى المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي في السابق وتوجه اليه حتى بعد انهياره الان؟ كان اكبر هذه الانتقادات هو تركيز ستالين على الصناعة الثقيلة واهمال الصناعات الاخرى كانتاج المواد الاستهلاكية. لم يكن ستالين هو الذي طور الاتحاد السوفييتي بل شعوب الاتحاد السوفييتي هي التي قامت بهذا التطور ودور ستالين كان دور القائد. فلم يكن ستالين هو الذي يضع برامج تطوير الانتاج وتخصيص توزيع ادوات الانتاج لشتى فروعه. ولم يكن ستالين هو المنفذ لهذه البرامج بل كانت شعوب الاتحاد السوفييتي هي المنفذة. واتهام ستالين بالقيام بكل هذه المهام هو اضفاء طاقات هائلة ليس بمقدور الانسان ان يحوزها حتى لو كان ستالين. شعوب الاتحاد السوفييتي بكل قومياتها هم الذين انتجوا وحققوا هذا التطور الهائل الذي احرزه الاتحاد السوفييتي بهذه الفترة القصيرة في عمر التاريخ.
كان واجب التركيز على صناعة ادوات الانتاج، الصناعة الثقيلة، العامل الاساسي في نجاح تنظيم الانتاج وبرمجته، الظاهرة التي لا تتحقق الا عن طريق المنافسة وعن تنقل الراسمال من انتاج الى اخر وفقا لربحية المشاريع وليس وفقا لحاجة المجتمع في اي نظام لا اشتراكي. وقد زاد من اهمية هذه الصناعات الثقيلة وضرورة التركيز عليها موضوع الدفاع عن الوطن الاشتراكي. ان الخطر المحدق بالمجتمع الاشتراكي جراء الاحاطة الامبريالية وخطر الهجوم على هذا المجتمع لتدميره وسياسة الحصار والمقاطعة الاقتصادية المدمر لهذا المجتمع وضعت على عاتق الشعوب السوفييتية ان تبذل جزءا كبيرا من طاقاتها الانتاجية لتحقيق مستلزمات هذا الدفاع وشكل هذا عبئا ثقيلا وعاملا معيقا في طريق تطوره السريع. وكانت الصناعة الثقيلة المشروع الاساسي في انجاز مهام الدفاع ومستلزماته. وقد ظهر هذا باشد الوضوح عند حاجة الاتحاد السوفييتي الى الدفاع عن نفسه امام الاجتياح النازي وقهر اكبر قوة تدميرية في التاريخ لحد ذلك الحين.
كان التركيز على الصناعة الثقيلة فرضا على شعوب الاتحاد السوفييتي وليس خيارا ولم يكن بامكانها ان تقلل من الاهتمام به لصالح انتاج المواد الاستهلاكية التي ينتقدون الاتحاد السوفييتي لعدم توفيرها او يتهمونه بالتقاعس في هذا القطاع من الانتاج الاجتماعي. ولكن شعوب الاتحاد السوفييتي تحت قيادة ستالين الحكيمة نجحت في انجاز هذه المهمة نجاحا منقطع النظير لا يمكن ان يحرزه اي نظام لا اشتراكي.
ان ميزة اي مجتمع اشتراكي في المستقبل وهو المستقبل الحتمي للانسانية اذا لم تشأ افناء الحياة البشرية على الكرة الارضية هي دراسة منجزات شعوب الاتحاد السوفييتي الهائلة دراسة حقيقية والاستفادة منها في وضع برامجها وفقا لظروف المجتمع الذي يضعون برامج تطوره. وان التقاعس عن مثل هذه الدراسة يجعل تنظيم انتاج المجتمع الاشتراكي القادم اكثر صعوبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سؤال
يعقوب ابراهامي ( 2011 / 3 / 5 - 15:28 )
اي قانون اقتصادي، مستقل عن ارادة الأنسان، يتحكم في تطور المجتمع في كوريا الشمالية الديمقراطية الشعبية التي يحكمها الحزب الشيوعي الكوري؟
هل يمكننا القول ان القوانين الأقتصادية التي تتحكم في تطور المجتمع الأشتراكي هي التي خلقت المجتمع السعيد الذي يعيشه الشعب في كوريا الشمالية، وان كل القصص عن مجاعات تنتابه بين حين وآخر ما هي إلا دعايات امبريالية رأسمالية رجعية (وربما صهيونية) لأن هذه القصص تخالف القانون الأقتصادي الذي يتحكم في تطور المجتمع الأشتراكي؟


2 - مقال جيد
أديب خان ( 2011 / 3 / 6 - 04:16 )
مقال جيد و ناضج ، شكرا للكاتب و نرجو المزيد من التحليلات من هذا النوع

اخر الافلام

.. نشرة خاصة على فرانس24 حول نتائج الجولة الأولى من الانتخابات


.. فيضانات تضرب بلدة نواسكا الإيطالية وتتسبب بانهيارات ارضية




.. اتفاقية جنيف: لا يجوز استغلال وجود الأسير لجعل بعض المواقع أ


.. نتائج الانتخابات الأولية: فوز المرشح الغزواني في انتخابات ال




.. صورة لـ-بوتين مع قلب أحمر-.. تقطع خطاب زعيم حزب الإصلاح البر