الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركة الإحتجاجية بالريف/الحسيمة بالمغرب بين الماضي و الحاضر

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2004 / 10 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


عرف الريف المغربي( المنطقة الشمالية) عبر تاريخه الطويل حركة اجتماعية متميزة نظرا لموقعه الجيو- سياسي ، فمنذ الغزو الروماني لشمال أفريقيا و المنطقة تعرف تفاعلات سياسية و عسكرية حولتها إلى موقع ذو مظاهر سوسيو- ثقافية ذات أبعاد ثورية ، و مع غزو القوتين العسكريتين الكولونياليتين الفرنسية و الإسبانية لشمال المغرب في العقد الثاني من القرن العشرين و المنطقة تقاوم ، و تعتبر ملحمة " أنوال " بقيادة الشهيد محمد بن عبد الكريم الخطابي أروع ما أنجزته الريف / الحسيمة من بطولات تاريخية ، أبهرت الدارسين لتاريخ مقاومة الشعوب للإحتلال العسكري الإستعماري و أصبحت من بين التجارب الإستراتيجية العالمية في مجال حركة التحرر الوطنية ، و هي التي ركزت بعد المقاومة الشعبية ضد اضطهاد الدولة بالمغرب مع تأسيس " جيش التحرير " بالشمال بقيادة الشهيد عباس المساعدي ، و الذي لعب دورا أساسيا في مقاومة الإستعمار المباشر الفرنسي والإسباني للمغرب ، و لم تقف ثورة الريف / الحسيمة عند هذا الحد بل لها امتدادات حتى في مرحلة الإستقلال الشكلي مع الإنتفاضة ضد استبداد النظام المخزني في 1959 و التي تم قمعها بالحديد و النار ، و هكذا نهج النظام المخزني سياسة التهميش ضد الريف / الحسيمة التي يعرف أن لها دورها في استقرار و زعزعة الأوضاع السياسية بالبلاد.
إن الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية المزرية لأهل الريف / الحسيمة ما هي إلا نتيجة للسياسة المخزنية المتبعة ضد امتدادات حركة التحرر الوطني بالمغرب ، هذه السياسة التي حولت المنطقة إلى بؤرة لترويج المخدرات و السلع المهربة من أوربا و تصدير اليد العاملة الرخيصة إلى دول أوربا الغربية ، و التي نشرت الفقر و الأمية في صفوف الريفيين الذين بدورهم يقاومون هذه السياسة بالصمود في وجهها بالتشبث بالخصوصيات الإثنو- ثقافية ، التي تعتبر الأمازيغية الركيزة الأساسية لها و التي تعطي لموقف المقاومة بعدا تاريخيا يتحدى هجوم النظام المخزني و تهميشه للمنطقة ، إن الصراع التاريخي بين الريف/ الحسيمة و النظام المخزني بالمغرب لا يمكن تحليله بمعزل عن الصراع التاريخي للريفيين ضد التدخل الأجنبي و من أجل التحرر و تقرير المصير ، و سيبقى صراعا مفتوحا ما دامت مظاهر التدخل الأجنبي قائمة و لن يهدأ إلا عند نفي هذه المظاهر التي أصبحت عائقا أمام استقرار الأوضاع بالمنطقة .
إن الأوضاع المزرية التي تعيشها الريف / الحسيمة بعد كارثة الزلزال ما هي إلا وجه آخر من الأوجه المظلمة للنظام المخزني بالمغرب ، و الذي يعبر عن استمرار السياسات المتبعة اتجاه الحركات الاجتماعية و الاحتجاجية للريفيين منذ أمد بعيد ، ففي الوقت الذي يحاول فيه النظام المخزني الظهور بمظهر المعني بالأوضاع الريفية يجد فيه نفسه بعيدا كل البعد عن هموم الريفيين و تطلعات ، و وجد نفسه خجولا أمام مطالب السكان التي فاقت المنظور المخزني الضيق لكارثة الزلزال التي حاول استغلالها لفتح باب " التصالح " مع الآخر / النقيض التاريخي ، و كعادته حيث يحاول النظام المخزني استغلال جميع الأحداث في الأفراح و الأطراح لإبراز وجهه بحثا عن الشرعية التاريخية التي افتقدها في سنوات القمع الأسود ، حاول فاشلا استغلال مأساة " زلزل الحسيمة " للظهور بمظهر البريء متجاهلا بصمات الماضي الأليم التي لم مازالت موشومة في وجه الريف / الحسيمة معقل ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي .
إن أرض الثورة لا يمكن أن تبقى عاقرا حيث الخصوبة لا تنقع خاصة في ظل التشبث التاريخي بالخصوصيات الإثنو ـ ثقافية في لبعادها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ذات الشرعية التاريخية ، و كانت الكارثة الأليمة لزلزال الحسيمة مناسبة لتعرية وجه النظام المخزني مرة أخرى حيث وجد أمامه حركة مجتمعية متقدمة تجاوزت أساليبه المعهودة ، فكانت حركة المجتمع المدني بالحسيمة أروع ما أنجبته الريف في الآلفية الثالثة و التي تعتبر الإستمرارية التاريخية للثورة الريفية ، لكن إرادة النظام المخزني في الهيمنة على الأوضاع بقوة السيادة المهيمنة وضعته في صراع مع القوى البشرية بالريف / الحسيمة التي لم يستطع احتواءها ، و التي لها المبادرة في الحركة و التدخل ليس فقط أثناء كارثة الزلزال بل كل المناسبات التي يتم فيها تهديد كيان الريفيين ، و تراجع النظام المخزني أمام دينامية حركة المجتمع المدني بالريف / الحسيمة محاولا الحفاظ على ماء الوجه في نفس الوقت الذي يضرب فيه ألف حساب و حساب لمواجهة الموقف .
و بقت الأوضاع على ما هي عليه دون أن يصل النظام المخزني إلى هدفه في احتواء حركة المجتمع المدني التي فاقت تطلعاتها ما يطمح إليه من هيمنة ، فكان لابد من الاصطدام و كعادته تدخل بكل عنف أمام المطالب المشروعة لحركة مجتمعية حضارية أمام كارثتين الطبيعية و المخزنية ، و في ظل صمت ما يسمى بالمجتمع السياسي الذي لا يستطيع الخروج من دائرة الطاعة المخزنية في وقت يتم فيه محاولة تمرير قانونين خطيرين ، الأول قانون الأحزاب الذي يسعى إلى تحويل هذه الكائنات إلى منافسين حول التفوق في تنفيذ برامج النظام المخزني ، و الثاني قانون منع الإضراب الذي يكبل أيادي الطبقة العاملة و يصادر منها آلية من آليات الدفاع الذاتي المشروعة التي تم تحقيقها عبر نضالات تاريخية مريرة تم فيها إراقة دماء العاملات و العمال ، و كان لابد للنظام المخزني التدخل بالقمع المعهود ضد حركة المجتمع المدني بالريف / الحسيمة و اعتقال المناضلين وإقامة محاكمات صورية له
لتجسيد كيانه كنظام تناحري .
تارودانت في : 12 أكتوبر 2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يؤيد قصف منشآت إيران النووية: أليس هذا ما يفترض أن يُض


.. عاجل | المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: هذا ما سنفعله مع إيران




.. عاجل | نتنياهو: لم نستكمل تدمير حزب الله وهذا ما سنقوم به ضد


.. قصف مدفعي إسرائيلي وإطلاق للصواريخ أثناء مداخلة مراسلة الجزي




.. نائب عن حزب الله للجزيرة: الأولوية لدينا حاليا هي لوقف إطلاق