الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في خندق الجماهير وضد قمع مظاهراتها واحتجاجاتها

سامي المالح

2011 / 3 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يتحول التحرك الجماهيري، بعد انتصار ثورة الشباب في تونس ومصر، الى اعصار هادر بوجه الدكتاتوريات والانظمة الشمولية والفاسدة الجاثمة على صدور شعوبها بالحديد والنار. فالجماهير المسحوقة والمهمشة والفقيرة والمهانة والمغيبة والمحرومة من الحرية وحياة لائقة كريمة ومقومات التطور، حطمت حاجز الخوف والرعب، وتواصل اندفاعها، سلميا، في مواجهة تسلط الحكام والاجهزة القمعية وماكنة الارهاب التي تحميهم.
فالشباب، وهم يبادرون ويقودون المظاهرات والاحتجاجات، ليس لديهم ما يخسرونه. ففي ظل انظمة دكتاتورية مستبدة وقمعية وفاسدة، يعيش الملايين من الشباب محرومين من التعليم والدراسة والحصول على فرص للعمل وبناء المستقبل بحرية وكرامة، وفي عصر التواصل والمعلوماتية لايسمح لهم بالتعبير عن ارائهم وافكارهم وتنظيم صفوفهم، ناهيكم عن حق الانتقاد والنشروامتلاك اعلام حر يجسد صوتهم و يعكس الواقع المروالمعاناة المتراكمة التي يعيشونها وليشكل فسحة للحوار ولطرح الرؤى والبدائل ومشاريع للتطوير والمستقبل.
اما الحكام المهوسين بالسلطة والتحكم بمصائر الناس، لايفقهون شيئا، ولايزال اغلبهم يعيش تاثيرات الصدمة ولايريد استيعاب مايجري على الارض وما تحقق فعليا. فان اغلبهم خطط وهيأ للبقاء رئيسا وحاكما مطلقا الى يوم مماته، كما انهم ضمنوا توريث الكرسي لابنائهم من بعدهم. ولم يكن للناس، للجماهير المسحوقة، للشعب مكانة في خططهم وحساباتهم. لقد كانوا مطمأنين من انهم قد قلعوا كل جذور المعارضة من مجتمعاتهم، ولقد اشتروا بالمال الموالين وبنوا الاحزاب الحاكمة والجيوش الخاصة والاجهزة الامنية والمخابراتية القمعية التي ارهبت و دجنت الناس وسيطرت عليها وعلى كل تحركاتها.
ان ما لايفكر به هؤلاء الحكام المنفصلين كليا عن واقع شعوبهم والغارقين في نشوة ملذات السيطرة والتسلط وامتلاك الملياردات، ان ثمة حد للتحمل وتجرع المرارات والعذابات، وان كسر حاجز الخوف هي عملية لاتحتاج الا الى اشعال الفتيل واطلاق الصرخة الاولى، لتتحول بعدها وبسرعة مذهلة الى هشيم وهديرعاصفة لايمكن لاي نظام ظالم مقاومتها. وفعلا لم يتسنى لرؤساء مثل بن علي ومبارك فهم ما حدث واستيعابه والتقاط الانفاس، فالجماهير المسالمة خرجت للشوارع بشجاعة مصممة على انهاء مأساتها مطالبة باسقاط هذه الانظمة ورؤوسها، ولم تتراجع، رغم التضحيات والقرابين التي قدمتها في مواجهة القمع والارهاب والمناورات والاكاذيب والوعود، حتى تحقق كل اهدافها.

الوضع في العراق - الشباب ينهض

وفي العراق الجديد الذي كرست فيه الطائفية عن طريق تقسيم السلطات والثروات والمحاصصة والتوافق ومن خلال عملية "ديمقراطية مثالية"، يعيش الشعب العراقي حياة لاتشبه حياة البشر، فالارهاب والحرب الطائفية وصراع الاحزاب والقوى السياسية جعلت الحياة اليومية للمواطن جحيما حقيقيا لايطاق، ولقد ادى نهب ثروات البلد والفشل الذريع في بناء مؤسسات دولة تدير شؤون البلاد وتعيد بنائه وتخدم المواطن العراقي الذي عانى لعقود قاسية من القمع والحرمان والحروب والاذلال، أدى الى المزيد من الدماء والضحايا والالام والمعاناة والحرمان. ففي بلد تبلغ ميزانيته المعلنة بعد النهب اكثر من ثمانين مليارات دولار، وهي ميزانية ضخمة جدا مقارنة بميزانية بلدان شقيقة وجارة مع العراق، يعيش اغلب ابناء الشعب من دون مياه صالحة للشرب، وبنقص حاد في الكهرباء، وفي ازمة سكن خانقة، وبخدمات صحية رديئة وبدائية، وبنظام تعليمي متخلف لايلبي حاجات البناء والاعمار والتطور ولايوفر فرصة التعليم لملايين من الاطفال في المدن والارياف وينتج المزيد من الامية والتخلف، وبخدمات بلدية سيئة ومخجلة، وبتعميق وتشديد تراجيديا الملايين من الارامل والايتام والمعوقين والمهجرين. كل هذا اضافة الى التجاوز على الحريات العامة واستهداف الاقليات وتهجيرها والتستر على الفساد وسرقة المال العام وتدهور القيم ومحاربة وخنق الثقافة والعلم والمعرفة.
هذا هو وضع الشعب العراقي، هذا هو حال اطفال وشباب العراق التي تبلغ نسبتهم ما يزيد على 60% من سكان البلد. هذا هو حال العراق بعد تحريره من اعتى دكتاتورية وتولى "الوطنيون والثوار" وعن طريق "الديمقراطية" زمام الامور. والسؤال هو: اين تختفي كل هذه الثروات والاموال؟ وماذا يفعل قادة البلد وما ذا ينجزون وماذا يبنون وماذا يغيرون؟ لماذا يستولون، بقوانين يبدعون في تشريعها، على ثروات هائلة تقدر مجموعها بما يزيد على ما يكلف البلد ليبني نظام تعليمي وتربوي معاصر جديد يضمن مقعدا دراسيا في مدرسة متطورة لكل طفل في العراق من شماله الى جنوبه؟ والسؤال المحير الاخير هو كيف باستطاعة من يحكم ويشارك في السلطة ان ينام مرتاح البال والضمير وهو يسمع انين الايتام ويرى الهلع والقلق والالام المتراكمة في عيون الارامل ويعرف ان نصف ابناء شعبه يعيش فقيرا محروما من ابسط مستلزمات الحياة؟

في العراق، يمكن تشبيه السلطات، والتي هي مقسمة بعدالة بين الطوائف والقوميات الرئيسية، وما يرتبط بها من احزاب ومؤسسات وميليشيات، بالثقب السوداء. فهي كما الثقب السوداء، تبلع وتجذب كل شيء ليختفي في جوفها. فالملياردات تختفي في وضح النهار من دون ان يعلم بها احدا، ليس هناك من هو مسؤول عن ذلك، ليس هناك من يهتم بذلك، ولكن الكل يصيح نفاقا انه الفساد، من دون تسمية من هم الفاسدين. والسلطات العراقية ترتضي في ان يكون العراق بقيادتها، من اكثر بلدان كوكبنا فسادا، وتجاوزا على حقوق الانسان، وفقرا، وتخلفا.
كم يمكن للشعب العراقي ان يتحمل؟ الى متى يمكن للشباب في العراق قبول هذا الواقع المزري واللاانساني؟ الى متى يمكن للناس ان تعيش بدون امل وبدون حلم وبدون مستقبل؟
والجواب ياتي من ساحة التحرير في بغداد، وساحات الحرية الاخرى في كل محافظات البلاد. فالشباب في العراق بدأ بالتحرك، سلميا وبشكل حضاري، بدأ برفض الواقع ورفع رأسه وصوته ليقول: لا ..لا .. لالهذه الحياة التي لاتشبه الحياة بشيْ. لا للحرمان والفقر والجهل والتخلف، لا للفساد ونهب ثروات البلد، لا لخنق الحريات وتسميم الثقافة وتضييق الحريات الشخصية، ولا للطائفية والتوافق والمحاصصة على حساب مشروع وطني ينهض بالوطن والمواطن ويفتح الافاق للبناء والتغيير والتطور.
ونحن الملايين، في داخل العراق وخارجه، اذ نقف في خندق الجماهير المتظاهرة سلميا وحضاريا، نضيف ونصرخ، لا لقمع المظاهرات السلمية، لالعنف السلطة ضد الشعب الاعزل، لا لكل الاجراءات التي تحد من حرية وحركة وتنظيم صفوف الجماهير. ونعلن ادانتنا وشجبنا واستنكارنا لجرائم قتل الابرياء وهم يمارسون حقهم في التعبير عن رايهم والمطالبة السلمية بحقوقهم ويتطلعون للمساهمة في اصلاح البلد ونظامه السياسي. كما نناشد كل الشرفاء والغيورين على العراق ومصلحة شعبه، افراد ومؤسسات ورجال دين ومرجعيات، الوقوف مع الجماهير ومساندتها والاحتجاج والتظاهر معها، ونناشد الراي العام العراقي والعالمي بالتضامن ومراقبة الاحداث ومطالبة السلطات العراقية بالكف عن صد الجماهير ومواجهة مظاهراتها السلمية بالقتل والعنف ومنع التجول وسد الطرق وارهاب الناس بمختلف الاشكال.
على السلطات في العراق احترام ارادة الناس، والتعامل الحضاري مع مظاهراتها ومطاليبها المشروعة، والتفاعل معها والاستجابة اليها، واعتبار هذا التحرك الجماهيري هو تحرك واعي وايجابي وخلاق يهدف الى وقف التدهور والمزيد من الانحطاط والفساد والكساد، وانه يجسدهو القوة الحقيقية والمخلصة والشجاعة للبناء والاصلاح وتحسين الامور واخراج البلد من ازماته المستفحلة. على السلطات الكف عن استخدام العنف ونعت المتظاهرين بالبعثيين والصداميين والمشاغبين، عليها ان تفهم الحقيقة التي هي ابسط من كل محاولاتها لتشويهها، وهي ان الناس لم تعد تطيق وان واقعها المر هو الذي يدفعها لتقول كلمتها وهي كانت ضحية لنظام البعث كما هي ضحية لنظام المحاصصة والطائفية والفساد اليوم. على السلطات بدلا من ذلك، توفير الحماية اللازمة للمتظاهرين والتعامل معهم كمواطنين مسالمين يعبرون عن رأيهم يريدون ايصال رسالتهم ويحملون مشروعهم للمستقبل. على السلطات تحمل مسؤولية كل قطرة دم تجري وكل ضحية تسقط في هذه المظاهرات والاحتجاجات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا


.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا




.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين شرقي وغربي مدينة رفح


.. كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض بايدن لمقترح وقف حر




.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا