الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القذافي وصدام حسين والثورة في التفكير العربي

منعم زيدان صويص

2011 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


هناك العديد من أوجه الشبه بين نظام صدام حسين ونظام القذافي. وأعتقد انه لو كان نظام صدام حسين لا يزال في العراق لتعرض لثورة شعبية عارمة -- وناجحة هذه المرة -- لأن أفكار الشعوب العربية قد طرأ عليها تغيير واضح. فكلا الرجلين كان مصابا بجنون العظمة فصدام كان يتشبه بالقائد الآشوري نبوخد نصر وقد اجبر رجال الدين العراقيين علي أن يشهدوا ويعلنوا على الملأ أنه من نسل الحسين ابن علي ابن أبي طالب. وكان يخطب -- شفهيا طبعا -- في أي اجتماع، رسمي أو غير رسمي، ويتكلم بطريقة مزعجه عن كل المواضيع، ناهيك عن السياسة. كان يجتمع بالأطباء، والمهندسين، والجراحين، والاقتصاديين والفنانين وغيرهم -- ويعطي النصائح للمجتمعين وكأنهم تلاميذ مدارس. أما القذافي فكان يلقب نفسه بملك ملوك إفريقيا وقال إن أجداده طردوا المستعمرين الطليان. صدام حسين كان له أولاد يتحكمون بشؤون البلد، والقذافي له مثلهم. صدام حسين ضيع أموال النفط على الحروب والمغامرات والقذافي فعل الشيء نفسه في ليبيا. صدام حسين ألف كتبا سخيفة والقذافي ألف كتبا أسخف. لقد كان صدام حسين يرشي الكتاب والسياسيين العرب لكي يدافعوا عنه في الصحف والإذاعات ومحطات التلفزيون وكذلك فعل القذافي. أما بالنسبة للبطش والظلم وتقتيل المعارضة فلا يستطيع القذافي أن ينافس صدام حسين من ناحية المقابر الجماعية واستعماله للأسلحة الكيماوية ضد المواطنين العراقيين ولا من الناحية التدميرية، فالقذافي دمر بلده ولكن صدام حسين دمر بلده وبلدانا أخرى معها. كلاهما لا يخجل من تقليد الغربيين، شكلا وتصرفا، فيظهران أحيانا بلباس مضحك. صدام أنشأ جمعية لحقوق الإنسان بعدما انتقد الغربُ وضع حقوق الإنسان في العراق، وفي خطاب له قبل يومين دعا القذافي إلى أنشأ ما سماه بمعارضه في ليبيا. كلا الرجلين عنيف وصدامي ولكن هذه الصداميه جلبت المصائب وضاعفت من عدد ضحاياهما.

غير أن الوضع العربي ومزاج الشعوب العربية كان مختلفا تماما في عام 2003، وحتى قبل أشهر قليلة، عما هو عليه الآن، وهذا الاختلاف ظهر بوضوح خلال الثورتين التونسية والمصرية وكأنما تفتحت أدمغة الناس ولم يعودوا يخافون من الفزٌاعات التي كان يرفعها حكامهم بوجه مواطنيهم، وأعني بذلك الفزٌاعه التي كان يرفعها الحكام العرب المحافظون متمثلة بالحركات الإسلامية -- وهي الفزٌاعة التي يستعمله القذافي إلى الآن -- والفزٌاعه التي كان يرفعها الحكام الثورجيون -- او الذين يتظاهرون بأنهم كذلك -- وأعني بهذه فزٌاعه المؤامرات الأمريكية. أما الإسلاميون فلم يشتركوا في الاحتجاجات في تونس ومصر وليبيا وغيرها إلا بأدنى مستوى، وأما الأمريكان فدعموا هذه الاحتجاجات منذ البداية وأقنعوا الناس بأنهم يفضلون الأنظمة الديمقراطية لدرجة أن بعض المحتجين لاموا الأمريكان لأنهم لم يتدخلوا بما فيه الكفاية وأنهم كانوا يتفرجون في بدايات الانتفاضات في تونس ومصر وليبيا. وهذه الدعوات، لو صدرت قبل أشهر قليلة، كانت ستدمغ كل من يصدرها بوصمة عار لا يمكن أن تزول، وأعني بذلك ماسمي "العمالة" لأمريكا.

فكما نرى الآن لم يرفع أي من المتظاهرين في هذه الانتفاضات أي شعارات -- كما كانت العادة من قبل -- تلوم الأمريكان او أي دولة أخرى لتدخلهم. فدول "الممانعة" -- سوريا وإيران وحزب الله وحماس، ولا تقل لي أن حزب الله وحماس ليسا دولتين -- تلوذ بصمت مريب، فهذه الأنظمة لا تستطيع أن تؤيد بوضوح الانتفاضات الشعبية العربية بينما سوريا وإيران تبطش بالمعارضة. والحقيقة أن هذه الدول بررت التأييد الضعيف الذي عبرت عنه لهذه الشعوب بالتمسك بالمسوغ القديم السهل: إن هذه الدول تحدث فيها الانتفاضات لأن حكامها عملاء لأمريكا. وبعد التأييد الأمريكي والغربي الواضح للاحتجاجات سكتت هذه الدول وركزت انتباهها على شعوبها، التي بدأت تتململ، لكي تتمكن من قتل أي احتجاج شعبي في المهد.

والآن يتهم معمر القذافي أمريكا والغرب بأنهم يتآمرون عليه، وأما علي عبد الله صالح فلم يجد من يلوم على الغليان في بلاده سوى أمريكا وإسرائيل، وهذا ادعاء مضحك لأن أمريكا حتى وقت قريب كانت تتعاون معه إلى أبعد الحدود في محاربة القاعدة في اليمن. وكثيرون من العرب الآن يلومون أمريكا لأنها لم تتدخل لإيقاف المذابح التي يرتكبها القذافي ضد شعبه. ويتساءل هؤلاء لماذا كانت أمريكا تصادق الدكتاتوريين العرب. هم يقصدون أن أمريكا كان يجب أن تتدخل في الدول العربية لقلب أنظمة الحكم. هل يوافقون الآن أن تتدخل أمريكا لقلب النظام السوري؟ كيف كان يمكن لأمريكا أن تتدخل أو تدعو شعبا عربيا للثورة على نظامه دون أن يُظهر هذا الشعب أي مقاومه لهذا النظام كما يحصل في كثير من الدول العربية وإيران الآن؟

ولوم أمريكا والغرب لأي شيء يحدث في المنطقة كان "موضة" وشيء معتاد. فلا ترى في المنطقة أي سياسي أو قائد رأي يمارس النقد الذاتي ولا يلوم الغرباء على أخطائه. وإذا لم يزيٌن الكتاب والخطباء مقالاتهم وخطبهم بجملتين أو ثلاث ينتقدون ويسبٌون الولايات المتحدة والغرب يفقدون شعبيتهم ولن تتصل بهم الفضائيات لتستمزج رأيهم وتدعوهم للمشاركة في برامجها. وهذا أيضا ينطبق على الكتاب والباحثين العرب في الغرب فتراهم يستغلون الحرية والتسامح في بلدان الغرب ليهاجموا البلدان التي تأويهم وليظهروا للشارع العربي أنهم وطنيون رغم أنهم يعيشون في الغرب في بحبوحة، مرفهين ومطمئنين. ولا يسال هؤلاء أنفسهم لماذا تؤيد الولايات المتحدة مثلا إسرائيل ولا يشرحون لمشاهديهم وقرائهم الحقائق. إن هناك سبعة ملايين يهودي في أمريكا. وهم جزء هام من الشعب الأمريكي وليسوا مثل العرب والمسلمين الأمريكان الذين يعزلون أنفسهم عن الأغلبية هناك ويتحدثون عن "الصورة النمطية" في عقول الغربيين للعرب والمسلمين هناك ولا يتحدثون عن الصورة النمطية في عقلهم عن الغرب. واليهود يسيطرون على المال والاقتصاد والجامعات ومراكز الأبحاث ووظائف حكومية عديدة وإعدادا كبيره -- إذا قيست بعددهم -- من مقاعد مجلس الشيوخ ومجلس النواب وإذا لم يحصل المرشح لهذين المجلسين على تأييد اليهود فليس له حظ في الانتخابات البرلمانية وهذا يفسر حماس بعضهم المفرط لإسرائيل. ولا تكاد تجد محاميا ناجحا في الولايات المتحدة غير يهودي، وحتى المحامي الذي يدافع عن الشيخ عمر عبد الرحمن المسجون في أمريكا هو أيضا يهودي. فكيف يمكن لنا أن نتوقع أن تؤيد الحكومة الأمريكية رغبة العرب -- وهي فقط رغبة لأنهم لا يستطيعون فعل أي شيء عملي في هذا الاتجاه -- في إضعاف إسرائيل أو هزيمتها أو "إزالتها من الخارطة" كما يقترح أحمدي نجاد وحسن نصر الله؟

لا شك أن الولايات المتحدة تريد أن يكون لها موطئ قدم أو عدة مواطئ قدم في المنطقة لأنها تعتمد على النفط والعرب يريدون أن يبيعوا هذا النفط بأعلى سعر يستطيعون الحصول عليه لأن كل دول الخليج لن تستطيع العيش شهرا واحدا بدون عوائد النفط ولن تحارب إسرائيل أبدا. فتأييد إسرائيل له أسبابه ويجب على الشعوب العربية أن تفهم هذه الأسباب قبل أن تطلب من أمريكا التخلي عن إسرائيل.، والعرب أيضا يحتاجون أمريكا كما تحتاجهم هي. وإذا استطاع العرب أن يضعوا أنفسهم في موضع أمريكا فإنهم سيفهمون السياسة الأمريكية لأن العلاقات بين الدول علاقات مصالح. ثم إن الولايات المتحدة، في حربها ضد ما تسميه الإرهاب، لا تريد المنطقة أن تتحول إلى تربة خصبة للقاعدة والمنظمات المشابهة لها.

لو كانت أمزجة وأفكار الشعوب العربية في عام 2003 كما هي الآن لما غزا الأمريكان العراق. كان من الممكن، والحالة هذه، أن يثور الشباب العراقي على نظام صدام حسين بعد كل المصائب التي انزلها على رؤوس العراقيين وبعد 12 سنه من العقوبات الاقتصادية، التي قصمت ظهر الشعب العراقي، ولكان من الممكن أن يجد هؤلاء الشباب دعما من كل دول العالم. ولكن كما قلنا تغير مزاج الشعوب الآن نتيجة لتجاربهم وعذاباتهم المستمرة وبسبب التقدم العلمي في مجال الاتصالات الذي وسٌع من مداركهم واطلاعهم على الحقائق وعلى ما يجري في العالم وأصبحوا يقدرون معنى تحررهم من الأنظمة الفاسدة. وها نحن نشهد تغيرا هائلا في تصرف الإعلام العربي، فالفضائيات هي ليست الفضائيات التي عرفناها قبل أشهر قليلة. لم يعد أي شي سري وانكشف كل شيء للشعوب وخصوصا قادتهم وحكوماتهم. هل يجرؤ احد الآن أن يدافع عن صدام حسين؟ لو كان هذا المزاج تغير قبل سنوات قليلة لما تقاطر المحامون العرب إلى بغداد للدفاع عن صدام حسين وجلاوزته عند محاكمتهم ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احفاد الرسول
ح. العلوي ( 2011 / 3 / 4 - 16:51 )
تقول بان صدام اجبر رجال الدين ان يشهدوا له بانه من سلالة علي بن ابي طالب. بعض المساجد في ليبيا ادعت كذلك ان القدافي من سلالة الرسول. ملك المغرب والاردن اسطاعوا اقناع شعوبهم بانهم من احفاد علي بن ابي طالب. قبل وصول الاسرة الحاكمة في المغربة الى السلطة كانت هناك ملكية اخرى ادعت كذلك انها من سلال علي بن ابي طالب. كل سفاح يصل الى الحكم يقول انه من سلالة علي بن ابي طالب.

اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا