الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
شرارة الانتفاضة تصل ليبيا والعراق
سلامة كيلة
2011 / 3 / 6مواضيع وابحاث سياسية
كما لم يكن متوقعاً حدوث كل هذا الانفجار الاجتماعي في الوطن العربي، وفي تونس ومصر كبداية لهذه المسيرة، كان التوقع نافياً لأن يحدث مثل ذلك في ليبيا والعراق وعُمان. ورغم أن الانتفاضة التونسية توسعت سريعاً إلى الجزائر، هذا البلد النفطي، فقد سارعت السلطة إلى احتواء الحراك الأولي، وبالتالي بدا أن البلدان النفطية قادرة على احتواء الأزمة الاجتماعية نتيجة تملكها لفائض مالي هائل. وإذا كانت الجزائر تعاني من مشكلات اقتصادية، وشهدت حركات احتجاج خلال السنوات السابقة، وكانت الدولة تعاني من مديونية عالية، الأمر الذي كان يفسّر إمكانية حدوث حركات احتجاج، فإن وضع ليبيا كان يوضع في سياق آخر، خصوصاً نتيجة ضخامة المدخول النفطي وقلة عدد السكان.
فعدد السكان القليل في بلد يتحصل على مدخول مالي هائل من مبيعات النفط كان يجعل التفكير في أن الوضع المعيشي لليبيين سيئاً أمراً هذيانياً. لهذا يميل الليبراليون إلى تمرير فكرة أن السبب الأساس في الانتفاضة هو الديمقراطية، وهم يحاولون مسك بلد لا يظهر الجوع والبطالة والإفقار العام كأساس في الانتفاضات من أجل اعتبار ما يجري هو استمرار لموجة الثورات البرتقالية التي تهدف إلى تحقيق الديمقراطية فقط. لكن حتى ليبيا النفطية تعاني من الإفقار والبطالة، وأن الأمر الذي دفع إلى الانتفاضة هو هذا، رغم أن الهدف يجب أن يكون أيضاً هو تأسيس دولة مدنية ديمقراطية. والفارق هنا هو الزوغان عن الأساس الذي فجّر كل هذه الثورات، ومحاولة التركيز على حل "ديمقراطي" لطبيعة السلطة مع تجاهل الأساس الذي يفجّر الثورات، أي طبيعة النمط الاقتصادي الذي تشكل خلال العقود الماضية، وأفضى إلى تمركز الثروة في قلة محدودة، هي عائلة وحاشية الحاكم.
ولاشك في أن دخول عُمان على خط الانتفاضات، وهي بلد نفطي وعدد سكانها قليل، يوضح طبيعة الأزمة. فالاحتجاجات هنا تطالب بإلغاء الضرائب وبفرص العمل. وهو الأمر الذي يوضح بأنه حتى الأموال النفطية قد نهبت، فصبّت في جيوب قلة في السلطة، ولمصلحة الشركات الاحتكارية الإمبريالية. ولاشك في أن العقدين الماضيين شهدا حركة نهب واسعة فرضتها تلك الطغم الإمبريالية، وتجاوبت معها "النخب" الحاكمة التي أصبحت تمثل نخباً مافياوية. لهذا يمكن أن نتوقع بأن تحدث انتفاضات في بلدان نفطية أخرى، خصوصاً أن الأزمة المالية العالمية قد بخّرت مبالغ فلكية من الدولارات النفطية.
والعراق بلد نفطي كذلك لكن المسألة تطرح من زاوية أخرى. فقد تشكل على أساس طائفي بعد الاحتلال الأميركي، ولقد جرى تحكيم قوى طائفية في السلطة، وجرى تعميم الوعي الطائفي، وكذلك تصعيد الصراع الطائفي إلى الحدّ الذي أشّر إلى تفكك العراق إلى دويلات طائفية. وبالتالي لم يكن متوقعاً أن ينتفض الشعب من البصرة إلى السليمانية مروراً بالأنبار والموصل، فهذا "العداء" الطائفي لا يسمح بأن يتلمس الشعب همومه الأساسية!! وأن هدف كل "شعب/ طائفة" تتمحور في محو الطائفة الأخرى أو الانشقاق عنها. لهذا كيف يمكن أن يتوحد في صراع من أجل الخبز والخدمات والعيش الكريم؟ وأصلاً كيف يمكن له أن يتلمس هذه المسائل وهو "مغطى" بالأيديولوجية الطائفية؟
هذا هو الوهم الإمبريالي الذي قام على تصعيد الصراع الطائفي وتحقيق التفكك الطائفي، والذي حكم وعي بعض "النخب" التي هي في غاية الشكلية، وبالتالي لا تستطيع أن ترى سوى الظاهر من الأمور. لكن ما جرى في العراق يشير إلى أن كل هذا "التفكك الطائفي"، وكل هذا الحشو بالأيديولوجية الطائفية لا يصمدان أمام شعور الطبقات الشعبية بعجزها عن العيش، وأن الوعي الأصولي والطائفي هو قشرة رقيقة هشة نتجت عن فراغ في الوعي السياسي، وليس أصيلاً في بنية الشعب. وأنه محدود، وهو من فعل بعض "النخب" التي تعمل على استغلال الدين من أجل النهب والإثراء السريع. فـ "النخب" التي تحكم العراق تحت سيطرة الاحتلال هي مافيات نهبت مليارات الدولارات، وهي تسهّل نهب الطغم المالية الإمبريالية، وبالتالي لم تبقِ من الفوائض النفطية شيئاً يسمح بإعادة بناء الخدمات الأساسية، أو يحسّن وضع الطبقات الشعبية.
لقد انهار في لحظة كل الحشو الطائفي، وانهارت إمكانيات الصراعات الطائفية في العراق، كما انهارت في مصر بعد انتفاضة 25 يناير. فوعي الطبقات الشعبية لمشكلاتها الأساسية يجعلها تعرف من يحارب، وكيف تخوض الصراع. هذا هو "حسها السليم".
لكن لا بد من أن نشير إلى أن التفسيرين لما يجري في ليبيا وعمان من جهة، والعراق من جهة أخرى، يعودان لنخب ليبرالية لا تريد أن تفهم صيرورة الواقع، ولقد جعلها هذا الانتفاض العربي من مخلفات الماضي.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الدبلوماسية الأمريكية: أي أمل لغزة ولبنان؟ • فرانس 24
.. هاريس - ترامب: أيهما أفضل للعالم العربي والمنطقة؟
.. تونس: ماذا وراء حبس -صنّاع محتوى- بتهم أخلاقية؟ • فرانس 24 /
.. ما أسباب توقيف طالب فرنسي في تونس بقرار من القضاء العسكري؟
.. تونس: السجن أربع سنوات ونصفا لناشطة تونسية على إنستغرام بتهم