الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حيادية الدولة المنقذ للإصلاح السياسي

التهامي صفاح

2011 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


يقول الناس البسطاء عندنا يجب على القاضي أو رئيس المحكمة أن يحكم بالحق أو العدل.و المقصود بالحق هو أن لا ينحاز لأي طرف من الأطراف المتنازِعة في قضية ما حتى لو كان أحد الأطراف هو رئيس الدولة مثلا أو أحد الأغنياء ... ويطبق القانون دون خوف من عقاب .الحكم بالعدل هنا أوالنزاهة يعني الحياد في دراسة القضية المعروضة على المحكمة .الحياد شرط ضروري لتحقيق العدالة والإنصاف (النسبيين طبعا) و إرجاع الحقوق لأصحابها .الحكم العادل المحايد يريح النفوس و يعطي شرعية للمحكمة و يؤدي للسلام الإجتماعي و الدولي.الحياد كمبدأ عام هو في صالح جميع الناس والقضايا والمنازعات حتى لو كانت سياسية أو إدارية و يمكن تطبيقه في هياكل الدولة الواحدة أو في المنازعات بين الدول.( المقصود بالدولة رقعة جغرافية لها حدود ومسؤولين و حكومة و رئيس دولة تطبق سياسة خاصة تهم مواطني هذه الرقعة الجغرافية فقط و ليست لها سيادة على مواطني رقعة جغرافية أخرى.)
و بطبيعة الحال حين نتحدث عن القضاء و عن تطبيق القانون بحياد تام فنحن نتحدث عن الفصل في منازعات بين الناس في عالم الدنيا وليس في عالم الآخرة .و عليه فحيادية القضاء تعني التجرد من أية أهواء أو أديان أو ميول عند معالجة قضية ما وتطبيق ما ينص عليه القانون الذي يجب أن يعيد حقوق المظلومين.أما الأهواء والميول والأديان فتبقى أمورا شخصية محترمة إذا لم تكن تدعو للحرب أو العنف أو العنصرية.
و إذا كانت للحيادية أهميتها القصوى في القضاء فيمكن الحديث عن حيادية هياكل الدولة و عن حيادية الدولة نفسها طالما أن الدولة كمؤسسات تبقى. أما الأشخاص فيموتون .و بالتالي لا يجب أن تبقى الدولة رهينة أشخاص (شخصنة الدولة) بل رهينة كفاءات وقيم أخلاقية و مساواة.و بما أن الدولة هي الخادم لجميع المواطنين على إختلاف أديانهم و ألوانهم و قبائلهم و سلالاتهم ، فلايجب أن يكون للدولة لون أو دين أو قبيلة أو سلالة...الدولة هنا تسمى محايدة و تحقق مساواة الجميع أمام القانون .و حيادية الدولة لا تنزع اللون أو الدين أو الإنتماء لأي قبيلة أو سلالة بل فقط تنزع التكلم بإسم هذه الإنتماءات الشخصية عند ممارسة الحكم أو أي وظيفة في الدولة .بعبارة أخرى تنزع ممارسة العنصرية أو إدعاء التفوق على الآخرين بإسم اللون أو الدين أو القبيلة أو السلالة .
في الدولة المحايدة سنجد اليهودي والمسيحي والمسلم و اللاديني وغيرهم و العربي والأمازيغي و الأبيض و الأشقر و الأسمر ..و الريفي والصحراوي .الخ .يعملون ويعيشون جنبا إلى جنب بسلام و بمساوة تامة أمام القانون لأنهم مواطنين يتمتعون بجميع الحقوق .الدولة تعطي الكهرباء للمسجد والكنيسة والبيعة (معبد اليهود) و غيرها و تأخذ مستحقاتها منهم في آخر الشهر. لكنها لا تتدخل في شؤونهم الداخلية .قد يذهب بعض الأشخاص دينيا لزيارة أماكن مقدسة بالنسبة لهم مثلا في السعودية أو إسرائيل.و تساعدهم الدولة على ذلك بحكم أنهم أحرار..لكن الدولة لا تذهب دينيا لا لإسرائيل ولا للسعودية .و قد تذهب سياسيا أو إقتصاديا لمصلحة المواطنين .
حيادية الدولة تفصل بين إنتماءات الشخص الفردية لتلحقه بخدمة شخصية معنوية هي شخصية الشعب المتعدد السلالات و الأديان و هي إعتراف بالإختلاف .
هذا لا يعني منع الدين عن الأفراد .بل فقط يعني منع التحدث بإسم النصوص الدينية المختلفة الطبيعة و التفسير والتأويل في الفصل في قضايا دنيوية تهم بالأساس أناس مختلفين لزوما من الناحية البيولوجية يجبرهم القانون على المساواة أمامه بحكم سيادة القانون .بعبارة أخرى لا يحق لمسؤول أن يتكلم بمصطلحات دينية تخصه هو في السياسة أو الإدارة .الخطاب و المصطلحات يجب أن تكون كلها قانونية .
حيادية الدولة بهذا المعنى لا تعني العلمانية لأن العلمانية تهتم فقط بفصل الدين عن السياسة .في حين أن حيادية الدولة هي معنى أشمل .إنها تعني فصل الدين عن السياسة و فصل الإنتماء لسلالة ما عن ممارسة الحكم أي المساواة (لأن البعض يريد أن يرسخ في الأذهان أن الإنتماء لسلالة أو قبيلة ما يعطيه تفوقا على الآخرين و إمتيازات وهذا علميا باطل إذ الجميع من تراب و سيعودون للتراب ) و تعني العدالة في معناها الشامل أي التوزيع العادل للثروة الوطنية .لذلك أعطيت في بداية هذا المقال مثال القضاء الذي يجب أن يكون محايدا أي مستقلا حتى تتحقق العدالة . و هذا هو مفهوم العدل أو القسطاس الذي يقصده الذين يرفعون شعار العدل .وبالتالي نفهم أن مبدأ المساواة أساسي في بناء حيادية الدولة العصرية.
حيادية الدولة تعني ، من ناحية الإعتقاد الديني، حرية الإعتقاد و إحترام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في هذا الشأن و الميثاق العالمي لحقوق الإنسان .و تعني أيضا حيادية الإدارة و عدم شخصنة المناصب الإدارية أو السياسية إذ هناك قانون يمتثل له الجميع كيفما كان موقعه داخل المجتمع .و بالتالي يظهر أن لجميع المواطنين نفس القيمة الإنسانية و نفس المستوى .لا أحد فوق القانون و لا أحد لا قيمة له .نفس الفرص متاحة للجميع .ما يتيح التفوق هو العمل والكفاءة و نفع الناس لا غير.لكن لا أحد تحت الصفر معدم و لا تهتم به الدولة المحايدة.و القوانين واضحة تماما ليس هناك نصوص قانونية فضفاضة تعطي حرية لأحد ما بالتصرف تجاه المواطنين حسب المزاج و حسب هواه متى شاء وتتيح له الإستبداد.
و دول الشرق الأوسط و شمال إفريقيا التي بدأت تعمل بالقانون منذ مدة، ليست بعيدة عن هذه الرؤية و لا قوانينها غيرقابلة للتكييف مع القيمة الكاملة لحيادية الدولة أي النفع التام من فضائل الحيادية .بل فقط هناك ظروف سياسية قديمة البعد التاريخي لم تحل مشاكلها في الوقت المناسب فتراكمت و أنتجت حركات مطالبة بالمساواة في الثروة و الحق في المشاركة في الحكم كنتيجة طبيعية و متوقعة لذلك بعد الأزمة الإقتصادية العالمية التي أثرت سلبيا على حياة الناس. فأظهرت أن للسياسة و للقائمين عليها في هذه البلدان علاقة بالإقتصاد و بالأسعار في السوق وبالتالي لهم علاقة بما يعانون منه من حيف ومظالم. و الزلازل السياسية في المنطقة الآن خير دليل على ذلك.
إن حيادية الدولة تعتبر في نظري قيمة إنسانية خالدة تؤدي لإستمرارية الدولة بدونها لا تبقى هناك دولة .و هي ضرورة ملحة الآن للإصلاح السياسي .وإذا كانت هناك رغبة حقيقية في تحقيقها و يجب أن تكون هذه الرغبة لأنه ليس هناك إختيار آخر سوى الإرتماء للمجهول ، فستُحيل حتما مصطلح " الحكم" الذي يعني إخضاع الناس بالقهر والقوة العسكرية للسكوت وليس لإحترام وجهة نظر "القائد" الفرد المستبد الذي يفعل ما يشاء و لا يُسأل و هم يسألون إلى مصطلح قديم في وقتنا الحالي يجب التخلي عنه فورا و إستبداله بمصطلح "إدارة" شؤون الناس فقط حتى لو سمي الوزراء مجتمعين بإسم حكومة .
يمكن تسمية كاتب الدولة في الخارجية مثلا و المقصود وزيرالخارجية و قس على ذلك. أما الكاتب العام فهو مساعد الوزير .ليس هناك ديوان للوزير.هناك فقط مكتب الدولة في الخارجية على رأسه موظف حكومي مساعد لوزيرالخارجية أي كاتب الدولة في الخارجية و هلم جرا ..
و حيادية الدولة المفضية لتغيير المصطلحات اللغوية كتغيير في آلية إدارة البلدان ستؤدي إلى الإمتناع عن إلقاء كل ثقل المسؤولية المستحيل واقعيا على شخص "الحاكم" الفرد الصمد الذي تعود له كل الإختصاصات و القضايا بدعوى عدم الثقة في الآخرين و بالتالي تحيله إلى مستبد رغما عنه ، بل تلقي بالمسؤولية على كل من يتحمل مسؤولية في الدولة من موقعه المحترم للقانون في منطقة نشاطه وخدمته .و من هنا نمر لللا مركزية و الجهوية في الإدارة والقرار لحل مشاكل الناس بمسؤولية تامة أمام آليات المراقبة القانونية الملزمة بنفس القدر لجميع الفاعلين سواء في الحقل السياسي أو الإداري أو الإقتصادي و ذلك بتكوين مجالس تمثيلية كالبرلمانات على صعيد المحافظات والولايات مسؤولة أمام المواطنين .و هذا يعطي حرية أكبر لجميع الفاعلين .و لن يستطيع أحد بعد ذلك أن ينعت أحدا بأنه حاكم مستبد .
في هذه العجالة ورغم التعب والمرض فإن حديثي عن الحيادية ،هذه القيمة الإنسانية الخالدة ، كان ضرورة ملحة أملاها ضغط الأحداث الجارية في المنطقة لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاده في هذا الظرف العصيب بما نستطيع وما نعتقد أنه الصواب والحق ، تقتضي ممن يهمهم الأمر في المنطقة إذا كانوا لم يفعلوا بعد ،النزول فورا وبكل تواضع من أبراجهم العاجية للشارع و التعبير عن تضامنهم مع الشعوب وعن فهمهم لرسالتها و فتح حوار حقيقي حول مطالبها العادلة للتكفير عن الذنب الذي وجدوا أنفسهم يتحملون مسؤوليته بحكم ولادتهم في أسر حاكمة لم يختاروها أو بحكم قربهم من حكام إنقلبوا عليهم و أمسكوا بزمام الأمور لظروف معينة .أما التموقع في الجهة الأخرى المضادة لرغبات الشعوب وعدم منع قمع المظاهرات و الإعتقالات غير المبررة بسبب الرأي أو المشاركة في التظاهرات السلمية والتضييق على حرية التعبير فسيأتي بنتائج عكسية بل كارثية تحيلهم إلى مسؤولين حقيقيين عما عرفته هذه البلدان تاريخيا من مظالم رغم براءة هؤلاء الحكام منها و تزيد في ضخامة ملفاتهم أمام المحاكم لاحقا .و هذا للأسف ما حدث لزين العابدين بنعلي و مبارك و القذافي و اللائحة مرشحة للطول .الوقت يضيق و ليس هناك مجال للتأخير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد مصرع رئيسي.. هذه تحديات كبرى تواجه إيران ! | الأخبار


.. سر من أسرار محمود وبيسان.. كيف تطورت علاقتهم؟ ????




.. انتخابات مبكرة وإدارة انتقال مضطرب.. امتحان عسير ينتظر إيران


.. جنوب لبنان.. حزب الله ينعى 4 من عناصره ويهاجم مواقع إسرائيلي




.. إعصار الجنائية الدولية يعصف في إسرائيل | #التاسعة