الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أجيال الخيبة، جيل الثورة و النظام الإقليمي الجديد

بودريس درهمان

2011 / 3 / 6
السياسة والعلاقات الدولية


أجيال الخيبة هي ثلاثة: جيل عاش خيبة وعود الاشتراكية و جيل عاش خيبة وعود الثورات الإسلامية و جيل ثالث عاش خيبة الوعود اللبرالية. ثلاثة أجيال في حوض واحد تحاصرهم الأوضاع و تضطهدهم الأنظمة. أما جيل الثورة فانه يرفض أن يعيش كباقي الأجيال الأخرى التي سبقته إحساس الخيبة.
جيل الثورة لديه شعار واحد هو إسقاط النظام عن طريق تبني برنامج واضح و مقروء؛ برنامج أصبح على ضوء الثورة التونسية و الثورة المصرية أكثر وضوحا؛ وعلى ذكر هاتين الثورتين، فان من يشكك في نجاحهما فهو جد مخطئ. إنهما ثورتان رائعتان بكل ما للكلمة من معنى.
البرنامج الثوري للثوار الشباب ابتدأ بالتواصل عبر الشبكات الافتراضية الاجتماعية مثل الفايسبوك و التويتر عن طريق التواصل بأسماء حركية مستعارة، كما يقوم بذلك جميع الثوار في العالم. بعد اتساع دائرة المؤمنين بالأفكار الثورية الجديدة، اضطر هؤلاء إلى الفصح عن هوياتهم و بدؤوا يضربون مواعيد في مقرات حزبية و في أماكن عمومية. بعد أن حددوا أهدافهم بشكل جيد قرروا البدء في التظاهر و الاعتصام بساحة عمومية تتوفر على رمزية سياسية قوية و توجد على مقربة من الجهاز التنفيذي الذي تشكله الحكومة، مثل ساحة التحرير في مصر. أثناء عملية الاعتصام تتم المطالبة بشيء واحد هو رحيل الحكومة، حل البرلمان و المطالبة بدستور جديد يؤسس لمجتمع جديد. إلى حدود كتابة هذه المقالة الدول التي نجحت فيها الثورة هي دول جمهورية ذات نظام رئاسي لم تحترم فيها قيم النظام الجمهوري الرئاسي كما هو متعارف عليه دوليا. هذه الأنظمة الرئاسية الشبه جمهورية التي نجحت فيها الثورة ظهرت فيها ظاهرة غريبة هي ظاهرة التوريث السياسي. هذه الظاهرة ظهرت أول ما ظهرت في سوريا، بعد ذلك انتقلت إلى ليبيا ثم مصر فاليمن فتونس أخيرا. الغريب في الأمر الدولة الأولى التي برزت فيها ظاهرة التوريث الرئاسي هي سوريا و رغم ذلك لازالت هذه الدولة تستعصي على التغيير الثوري و كأن التوريث السياسي هو الأخر يستند إلى ثقافة سياسية أصيلة تعتمد على قوانين و أعراف؛ في حين الدول التي لم تؤصل لهذه القوانين و الأعراف تنهار بسرعة هائلة أمام شعوبها.
انهيار الأنظمة العربية الشبه جمهورية أمام شعوبها، جاء نتيجة لتبنيها لنظام التوريث السياسي الغير معترف به في كل الأنظمة السياسية الدولية التي تعتمد النظام الجمهوري كخيار سياسي لشكل الدولة. انهيار الأنظمة العربية الشبه جمهورية أمام شعوبها لا يعفي باقي الأنظمة السياسية الأخرى من ثورات شعوبها، فحتى الأنظمة الملكية العربية الحالية مقارنة بنظيرتها الأوروبية هي أنظمة شبه ملكية، مما يعني بأن كل الأنظمة السياسية التي تسود شمال إفريقيا و الشرق الأوسط هي أنظمة شبيهة و غير مكتملة الملامح، و الثورات جاءت للتدقيق في إضافة هذه الملامح حتى لا تكون هنالك تشوهات ما بين النماذج السياسية المعتمدة دوليا و النماذج الشبيهة السائدة في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط.
إذا كانت الأنظمة السياسية الجمهورية ليس من حقها ممارسة مبدأ التوريث السياسي و السلطوي على مستوى رأس هرم السلطة و حواشيه، فالأنظمة السياسية الملكية هي الأخرى ليس من حقها ممارسة مبدأ التوريث السياسي و العائلي في مناصب حكومية و في مناصب سامية عليا، لأن مبدأ التوريث السياسي يخل بقيم الكفاءة و الفعالية و يخل بالقيم الديمقراطية ككل.
لا فرق بين النظام السياسي الجمهوري و النظام السياسي الملكي إلا بمستوى احترام هذا النظام أو ذاك للحقوق السياسية و الاقتصادية و الثقافية للمواطنين. أما ما عدا هذا فالاختلاف لا يعدو أن يكون اختلافا إيديولوجيا على مستوى الارتباط بالتاريخ أو على مستوى الرغبة في الانفصال عنه.
الأنظمة الملكية العشر السائدة حاليا بداخل دول الاتحاد الأوروبي هي الأكثر تقدما و الأكثر تمايزا على مستوى مؤشر السعادة و على مستوى الدخل الفردي و مستوى الاستمتاع بالحريات الفردية و الجماعية و لا تستدعي هذه الأنظمة مواطنيها لتحفيزهم على الثورة و على تغيير النظام. الذي يحفز على الثورة ليس شكل النظام هل هو جمهوري أو ملكي و لكن طبيعته بمعنى هل يحترم القيم الديمقراطية و حقوق الإنسان أم لا.
دول شمال إفريقيا و الشرق الأوسط خلقت نماذج للسلطة في حين دول الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية و غيرها من باقي الدول خلقت نماذج للديمقراطية و لحقوق الإنسان، و قد استطاعت أن تخلق هذه النماذج بواسطة الثورة على نقسها، لهذه الأسباب لا محيد عن الثورة على الذات بداخل النماذج السلطوية؛ لأن جوهر القضية ليس في النماذج السلطوية في حد ذاتها و لكن جوهر القضية هو في النظام الإقليمي الجديد الذي هو بصدد التشكل. فبداخل النظام الإقليمي الجديد مصر ستكون لها الريادة بفضل شبابها الثائر و ستتبعها في ذلك تونس و الدول التي ستحدث الثورات على أنظمتها المتقادمة، أما الأنظمة التي ستتأخر في تثوير ما هو متقادم فيها فستعرف لا محالة عجزا عن مواكبة النظام الإقليمي الجديد بعلاقات جديدة و معاملات جديدة ناهيك عن طبيعة الثروة الجديدة المتمثلة في الرأسمال البشري و في الذكاء الإنساني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصام في حرم جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة للمطالبة بإن


.. القوات الإسرائيلية تقتحم معبر رفح البري وتوقف حركة المسافرين




.. جرافة لجيش الاحتلال تجري عمليات تجريف قرب مخيم طولكرم في الض


.. مشاهد متداولة تظهر اقتحام دبابة للجيش الإسرائيلي معبر رفح من




.. مشاهد جوية ترصد حجم الدمار الذي خلفته الفيضانات جنوب البرازي