الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخلاقٌ أنقذتها الثورة

نسرين طرابلسي

2011 / 3 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


لا نستطيع أن ننكر أن فكرة الديمقراطية المستوردة كادت أن تشوه مفهوم المصطلح ومعناه، منذ الاجتياح الأمريكي للعراق. فأصبحت الكلمة التي لاكتها ألسن المسؤولين الغربيين شبه منبوذة بفكر المواطن العربي وأقرب إلى التهكم والسخرية بشكلها المرتبط بالواقع الأفغاني والعراقي بكل ما في مشهده اليومي من مآسي وأحزان. أطماع المعارضين الأثرياء في السلطة، الصراع الطائفي والقبلي، الأقليات القومية ورغبة الانسلاخ، التطرف الإسلامي الذي سيخنقكم ويبرقعكم ويكسر فنونكم وأوابد التاريخ مثلما فعل الطالبان. صار ثمن الديمقراطية مواجهة البعبع الذي نخافه قبل أن ننام، عوضا عن أن يكون الأمل حلم الصاحي في وضح النهار.
نحن مصابون برهاب التغيير فثقافتنا قائمة على التكريس طويل الأمد والدليل أننا شعوباً وحكومات على حدٍّ سواء نندهش وننصدم ونفاجأ دوماً من كل المتغيرات مهما سبقتها إنذارات أو حتّم حدوثها السياق المنطقي. وأبسط مثال أننا حين تذكرنا دولة اسمها (ليبيا) عندما قامت الثورة فيها لم نجد من أدبياتها في ذاكرتنا سوى عمر المختار المجاهد الكبير وبدأنا نبحث عن أقواله وصوره وكأن ليبيا ومنذ ذلك الحين كانت بلداً في غيبوبة لا تنتج فناً أو ثقافة. بلداً وقع تحت وطأة حصار مزدوج، عقوبات دولية وعناد زعيم، الشعب تحمل العقوبة وجنى الزعيم ثمن التنازل.
وتحت الصدمة دخل مصطلح (المزيد) على الخطابات. وكأن الناس تُقبِل على الرصاص بصدورها من أجل مزيدٍ من الديمقراطية أو مزيدٍ من الحرية، من أجل فتاتٍ كما جرت العادة، لا من أجل كلٍّ كاملٍ غير منقوص.
أعجبتني عبارة قالها د. عزمي بشارة: "لا يمكن مقاومة سحر الشعوب".
أجل لا يمكنك أبداً أن تتخذ موقفاً مضاداً من شعبٍ ثائر. لا يمكن بأي حال أن ترفض أخلاقاً تحييها ثورةٌ تعزز روح الجماعة وتمحو الفوارق الطبقية وتعلي الإيثار وثقافة العطاء والتبرع وتجعل كل رجل في الشارع مسؤولاً. الثورات فعلٌ عاطفيٌ يرفع نسبة الأدرنالين والاندروفين في الدم فيزداد الإنسان شجاعة وسعادة. يشعر بأنه عملاق كبير عندما يُحشر بين إخوته وأقرانه، فيرصّ المسلمون والمسيحيون صفوف الصلاة تحت سماء الله في ميدان التحرير، ويخرج الطوارق على خيولهم من واحاتهم الضائعة بمشهد أسطوري، وتطل وجوهٌ غُيبت لم نرها من قبل لمثقفين عراقيين لينتزعوا -من أنياب ديمقراطيةٍ- ديمقراطيةً أصيلة. ويدق لبنانيون مظلاتٍ ملونة تحت المطر ضدّ الطائفية. ويرفع فلسطينيون لافتاتٍ خجولة بأنَّ "الشعب يريد إنهاء الانقسام" ويبدو أهلُ كلِّ مكّة أخيراً أدرى بشعابها، ومَن أيضاً ومَن أيضاً...؟؟
تحت نافذة مطبخي يلعب أطفالٌ كل مساء لعبة (إرحل) ويصيحون يصيحون، فأفتح النافذة وأتفرج على الجيل الجديد الذي أنقذته الثورة من لعبة العسكر والحرامية. أنقذته من هبوط الذائقة الفنية والأخلاقية، من هيفا وأخواتها إلى قناة البراعم، ونقلته بشهرٍ واحد من مقاعد الببغاوات إلى صفوف المظاهرات..
ولأول مرة تفور القهوة ولا ألعن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟