الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب : الجغرافيا على المحك

دياري صالح مجيد

2011 / 3 / 7
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


علم الجغرافيا واحد من العلوم المهمة التي لم تجد بعد الاهتمام الكافي بها في العالم العربي والاسلامي على حد سواء , وهو تماما امر معاكس لما اصبح عليه حال هذا العلم في الجامعات العريقة والشعوب المتطورة في اوربا وامريكا بشكل خاص . حيث لازال ينظر اليها في دولنا على انها المعرفة باسماء العواصم واطوال الانهار واماكن الدول , او معرفة مساحات المدن والدول المختلفة , فمن يجيد المعرفة بمثل هذه الامور يعد جغرافي في نظر الكثير من الاشخاص بما فيهم للاسف بعض المختصين بهذا العلم , متجاهلين بان مثل هذه المعلومات هي معلومات عامة قد يعرفها الجغرافي او لا يعرفها , فهي ليست اساسا لعلم الجغرافيا , والا لما تطلب معه الامر اعداد الدراسات والبحوث المختلفة والانهماك في سنوات طويلة من البحث المضني في هذا المجال . وهي نظرة تجاوزنا بها الغرب كثيرا سواء على نطاق اكاديمي او مجتمعي , حتى بات له الباع الاطول في ترسيخ ما يعرف اليوم بفلسفة الجغرافيا واساليب البحث فيها .

في هذا الصدد نطالع اليوم واحدا من بين الكتب الجغرافية التي تسلط الضوء على تاريخ هذا العلم وتطوره بين العلوم , وكيف اكتسب له مكانة وشخصية متميزة بمرور الزمن , بعد ان لعب علماء الجغرافيا الافذاذ من كل البقاع والمشارب الفكرية دورهم الرائد في انضاج الجغرافيا والوصول بها الى هذا المستوى الذي هي عليه اليوم .

الكتاب الذي نحن بصدده يقع تحت عنوان " الجغرافيا على المحك " صدر عن دار المطبوعات للنشر والتوزيع في بيروت عام 2004 , وهو من تاليف الدكتور " معين حداد " الذي يعمل استاذا في الجامعة اللبنانية في بيروت وله العديد من المؤلفات والاصدارات في ميدان علم الجغرافيا وفروعها المختلفة ومنها على سبيل المثال الدراسات التي وضعها في تتبع الادب الجغرافي وتطوره فضلا عن الدراسات الجيوبولتيكية التي يُغرم بدراستها العديد من الباحثين اللبنانيين اليوم وبالذات منهم من تأثر بالدراسات الجغرافية الفرنسية او تخرج من الجامعات الفرنسية التي هي اليوم ايضا تعتبر واحدة من المنارات الشامخة في مجال الدراسات الجيوبولتيكية الرصينة , التي خصصت لها معهدا متميزا يحمل اسم معهد الجيوبولتيك الفرنسي في باريس .
يتالف الكتاب من تمهيد اضافة الى 12 عشر فصلا ويقع في 229 صفحة من القطع المتوسط . تتناول هذه الفصول بالنقاش دراسة الفكر الجغرافي وتطوره فضلا عن التركيز الكبير على اهم نقاط الاختلاف التي يراها المؤلف فيما بين الجغرافيا الكلاسيكية والجغرافيا المعاصرة من خلال التاكيد على اهم نقاط الضعف في دراسة الجغرافيا الكلاسيكية التي ورثناها عن جغرافيي القرن 19 الذين لا يُنكر فضلهم في علمية الجغرافيا وتطورها , لكن ذلك لا يعني بالضرورة التوقف عند مرحلة معينة في هذا الاطار واهمال ما لعوامل التكنولوجيا والتطورات المعرفية من دور مهم في تغيير الافكار والاساليب التعليمية التي اقتضت معها الضرورة العمل على تجديد الفكر الجغرافي في الدرس والبحث .

هنا لابد من الاشارة الى ان الباحث " معين حداد " يبدو متاثراً بشكل كبير بالجغرافيا الفرنسية وبدور الجغرافيين الفرنسيين في ميدان علم الجغرافيا من خلال الاسهاب في تناول انجازاتهم وافكارهم التي اثرت بشكل مهم في ميادين الجغرافيا ودراساتها المختلفة . وهو امر لا يمكن للمرء ان يقلل من شانه خاصة اذا ما عرفنا بان اول جمعية جغرافية في العالم قد انشات في باريس في العام 1821 باسم الجمعية الجغرافية الفرنسية , لتليها فيما بعد نشاة الجمعيات الجغرافية في العديد من الجامعات العريقة في اوربا كما هو الحال مع الجمعية الجغرافية الالمانية في برلين في العام 1828 والجمعية الجغرافية البريطانية في لندن في العام 1830 .

من بين القضايا المثيرة للاهتمام التي يطرحا السيد " معين حداد " في كتابه هذا هي الاشارة بشكل مكثف الى حجم التهديد الذي تتعرض له الجغرافيا اليوم , خصوصا في الجامعات العربية , في ظل وقوع العديد من اقسام الجغرافية في مصيدة الاخطاء التي حاول الجغرافيون في اوربا منذ سنوات طويلة تجاوزها وتجنب الوقوع فيها , ومنها على سبيل المثال هذا الفصل المتعمد للجغرافيا بين قسمين ممتزجيين متداخلين وهما الجغرافيا الطبيعية والبشرية , هذا فضلا عن تناوله لخطورة الوقوع في الجانب الكمي في الدراسات الجغرافية التي ضاعت معها الكثير من التفاصيل الجغرافية بفعل اغراق البحوث من هذا النوع بالمعادلات الرياضية التي عادة ما تُستخدم بعيداً عن التحليل المكاني الذي يعد , وباجماع الجغرافيين , الجوهر الاساس في الدراسات الجغرافية المعاصرة , وهو خطر تجاوز الباحثون الغربيون في اوربا اثره على الجغرافيا منذ ستينيات القرن الماضي عندما اشتد اثر التيار الكمي في الدراسات الجغرافية ووجد البعض منهم عدم جدوى الانزلاق المفرط في هذا الجانب , كما هو الحال مثلا مع المفكر الجغرافي الكبير الدكتور " ديفيد هارفي " الذي كان في بداية حياته الاكاديمية من المناصرين للتوجه الكمي في الدراسات الجغرافية .

ان هذا الكتاب هو دعوة للتجديد في فاعلية المنهج الجغرافي وفي تكثيف جدواه في التعاطي مع مشكلات الفرد والمجتمع بالطريقة التي تسمح للباحث المختص من ان يعرف ماله وما عليه في دراسته للجغرافية وفي معرفة حجم التداخل بين العلم الذي يختص به والعلوم الاخرى , لذا نرى بان من مميزات الجغرافي الناجح اليوم هي القدرة على الاحتفاظ بالهوية الجغرافية وعدم الانجرار للوقوع في شرك العلوم الاخرى , دون ان ينفي ذلك الحقيقة التي تشير بان الجغرافيا تاخذ من هذه العلوم , لكنها بالمقابل في ظل ما يبدع فيه الجغرافي من اعماله الاكاديمة ويضيف فيها , يساهم هو الاخر في اعطاء العلوم الاخرى ما يمكن لها ان تبني عليه لدراسات تخصصية عميقة في ميدانها , وهو ما سيعزز من مكانة الجغرافيا بين العلوم ويحول دون اندثارها او تراجع اهميتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة