الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الربيع الديمقراطي العربي وآفاق دور المرأة

عبدالله تركماني

2011 / 3 / 7
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي2011 - دور المرأة في صنع ثورات الشعوب وقراءة الواقع والمستقبل والتحديات التي تواجهها


يحتفي العالم بيوم المرأة العالمي، وكذلك العالم العربي، ولكن شتان بينهما، ففي حين يحتفي العالم من أجل تحسين أوضاع المرأة وتمكينها وتذليل المعوّقات من طريقها والقضاء على التمييز ضدها، فإنّ العالم العربي ما زال يحتفل وفق ثقافة تقليدية درج عليها عقوداً من السنين. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل سيعيد الربيع الديمقراطي العربي، بعد ثورتي تونس ومصر والحراك الشعبي في الأقطار الأخرى، لهذا اليوم معانيه وأبعاده الإنسانية ؟
في الواقع لا يحتاج الباحث في حقوق المرأة إلى الكثير من الجهد ليتعرف على الوضع المتردي الذي تعيشه المرأة العربية، فالإحصاءات الكمية والتحليلات النوعية جميعها تشير إلى تدنّي موقعها في المجتمعات العربية. إذ ما زالت في أغلب التشريعات العربية أسيرة النظرة الذكورية والثقافة التمييزية، وما زالت مكاسبها هشة. فالعنف الموجه للمرأة في تصاعد، والتشريعات ليست حازمة، فهي إما أن تبرر هذا العنف بأنه نوع من التأديب الممنوح للزوج بحق القوامة أو تبرره بالدفاع عن الشرف أو تجعله جنحة خفيفة. وما زالت المرأة ممنوعة من قيادة السيارة في بعض الدول العربية، بل ومحرومة من إدارة أملاكها، ولا رأي لها في اختيار شريك حياتها.
وبعد قرابة قرنين على بدء النهضة العربية الأولى لا تزال إشكالية المرأة الأكثر استعصاء في العالم العربي، إذ أنّ إسهاماتها في العمل السياسي والإنتاج والثقافة هي الأضأل في العالم. فعلى الرغم من التقدم الملحوظ في أوضاع المرأة العربية، فإنّ الحصيلة مخيبة لآمال النهضويين والمتنورين العرب، حيث استمرت الممارسات المجحفة والظالمة بحق المرأة على كل المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، إذ لا تزال تعاني، وبشكل فادح، من الدونية والتمييز والعنف ومصادرة الحقوق، ولم يعترف بها إلى الآن، بوصفها شريكاً أساسياً في صناعة الحياة، ونداً للرجل، لها ما له من حقوق، وعليها ما عليه من واجبات، والتعامل معها ككائن مدني وسياسي، لا انتقاص من انتمائه المواطني والمدني..
إنّ التقارير الدولية والعربية، الصادرة منذ ثمانينات القرن الماضي إلى اليوم، تشير إلى تردي حال المرأة العربية، ليس قياساً إلى الغرب فحسب، بل إلى الدول النامية كذلك. فقد رسم تقرير التنمية الإنسانية العربية عام 2005 " نحو نهوض المرأة في الوطن العربي " مقاربة علمية لمشاركة المرأة في العمل السياسي، والتشريعي، والاقتصادي، والتربوي وغيرها. وذلك من خلال أدائها في مراكز العمل والإنتاج والخدمات في المجتمعات العربية كافة. وأثير الموضوع من زاوية حق النساء في العلم، والعمل، والمساواة في الأجور، وفي تولّي المناصب في القطاعين العام والخاص، وفي التمثيل السياسي في البرلمانات، والوزارات ومؤسسات الدولة. ورأى واضعو التقرير أنّ غالبية النظم العربية القائمة تظلم المرأة وتتمسك بنظرة تقليدية متخلفة للنساء، ولا تؤمن بقدرتهن على حمل قضاياهن بأنفسهن أو بالتنسيق في ما بينهن.
وتندرج مقولات التقرير في سياق النقاش العالمي الدائر منذ أواسط القرن العشرين حول حقوق النساء وضرورة مساواتهن مع الرجال، وإفساح المجال أمامهن للمشاركة في بناء مجتمعات عصرية تقوم على فكرة المساواة في المواطنية ورفض التمييز. ودلت أبحاث التقرير على وجود نظم دينية أو مذهبية وقوانين وضعية تحمي ذلك التمييز في الدول العربية وتشكل خرقاً للنظم الدستورية المرعية الإجراء والتي تضمن، من حيث المبدأ، المساواة بين جميع الناس، كمواطنين أحرار وليس كأفراد ينتمون إلى طوائف، ومذاهب، وأعراق، وطبقات اجتماعية.
وعلى الصعيد الاقتصادي يذكر التقرير نفسه: إنّ المشاركة الاقتصادية للمرأة العربية هي الأقل في العالم إذ لم تتجاوز 33.3 %، بينما يصل المعدل العالمي إلى 55.6 %. كما أنّ مشاركة المرأة العربية، نسبة إلى مشاركة الرجل لا تتجاوز 42 %، وهي أيضاً الأقل في العالم، حيث يبلغ المعدل العالمي 69 %. ولا تزال مشاركة المرأة في الحياة السياسية العربية قاصرة ومحدودة، فالمواقع التي تحتلها المرأة هامشية، إن في المجالس النيابية والحكومات أو في الأحزاب السياسية، ودورها في صنع القرار السياسي معدوم أو يكاد، حتى أنّ الحقوق السياسية للمرأة ليست بالنسبة لكثير من الحكام العرب إلا واجهة ديمقراطية مخادعة تتستر بها أنظمتهم الاستبدادية المتخلفة.
ومع هذه الأوضاع الجائرة والظالمة للمرأة العربية لا يمكن الحديث عن ديمقراطية عربية سوية، لأنّ مجتمعاً يمارس القهر على نصف عناصره وينتقص من حقوقهم المواطنية والمدنية والإنسانية، هو مجتمع يعاني من خلل جسيم في بنيته الأساسية، ولا ينتج سوى تنمية شوهاء معوّقة، ولا يمكن أن يتقدم باتجاه حداثة حقيقية، سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو إنسانية.
على أنّ إمكانيات التغيير ليست مسدودة، خاصة وأن غالبية الأحزاب العربية والقوى السياسية والنقابية ترحب بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة. وهي مساواة تفرضها الأنظمة والدساتير العربية، وتنص عليها غالبية القوانين الوضعية في عدد من المجتمعات العربية. وذلك يعني أنّ تحرير المرأة العربية من جميع القيود التي تعيق حركتها يقع أولاً على كاهل المرأة العربية، وبمشاركة القوى الحية التي ترى بتحرير المرأة تحريراً للمجتمع العربي بأسره، والتأسيس لمجتمع مدني جديد يقوم على المواطنية لا التمييز على أساس الجنس.
ويبقى التساؤل مفتوحاً: ما هي آليات مساءلة الدول التي لا تفي بتعهداتها الأممية ؟ وكيف نعيد ثقة العالم بالشرعية الدولية وقراراتها ومواثيقها ؟ وكيف يوظف أحرار العالم قرارات الأمم المتحدة الخاصة باحترام حقوق الإنسان ؟ وكيف تستفيد النساء من قرارات الأمم المتحدة التي تنصفهن، والتي تعهدت دول العالم على تنفيذها، مثل قرار إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة ؟ وكيف يمكننا أن نطرح قضية تحقيق المساواة بين الجنسين، بوصفها قضية لا تعني النساء وحدهن، بل تعني المناضلين من أجل حرية أوطانهم، والمناضلين من أجل التغيير الديمقراطي ؟
إنّ الإصلاح الحقيقي لا يقتصر على تحسين وضع المرأة في هذا المجال أو ذاك، بل أكثر من ذلك يتعلق بالثقافة السائدة التي لا تزال بعيدة عن احتضان أفكار المساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان. وليس ما تعانيه المرأة سوى ثمرة لهذه الثقافة التي ترخي بظلالها على حياة النساء والرجال معاً. فقهر المرأة مثلاً جزء لا يتجزأ من ثقافة الاستبداد السائدة، وليس الاستبداد السياسي سوى تتمة لممارسة الاستبداد في الأسرة، وليست جدلية السيطرة والإخضاع سوى تجلٍ لسلطة أبوية لا تزال تبرر هذه الثقافة الاستبدادية.
ما هي آفاق مستقبل المرأة العربية ؟
الإجابة على هذا السؤال لا تزال مرهونة لعناصر شتى، فإذا كان لا بد من التذكير فإنّ الكثير من العناصر، التي تعتبر شروطاً ضرورية للتطور الاجتماعي، لا تزال مطالب لم تتحقق في أكثرية البلدان العربية كالتعليم والعمل. وقد يكون من المفيد التذكير أنّ مجموعة القوانين التي لا تزال تميّز ضد المرأة هي قوانين الأحوال الشخصية وبعض مواد قانون العقوبات وقانون الجنسية، ونزعم هنا أنّ تعديل هذه القوانين يقع في أساس الإصلاح المنشود لوضع المرأة، فهو برأيي سينتج اعترافاً اجتماعياً لوجودها الاجتماعي المستقل.
إنّ المطالبة بتغيير القوانين وإلغاء جميع أشكال التمييز تهدف إلى التأكيد على إنسانية المرأة وأهليتها الكاملة لاتخاذ القرارات بنفسها عن نفسها، ونحن نزعم أنّ إيجاد حدود قانونية وضعية للنساء سيساعد بالفعل على تدعيم فكرة المساواة في المجتمع، لذلك فإنّ هذه المهمة ليست ولا يجب أن تكون مهمة النساء فقط، بل هي مهمة جميع الناس الذين يؤمنون بالمساواة بين جميع المواطنين.
وباعتبار قضية المرأة قضية دستورية وقانونية نصل إلى أنّ الدستور الديمقراطي هو وحده الكفيل باحترام حقوق المرأة العربية، ولذلك فتعبئة الشعب في كل بلد عربي من أجل صياغة دساتير عربية ديمقراطية صارت مسالة أكيدة، خاصة في ظل الثورة العربية الجديدة، يجب أن تتجند لأجلها الأحزاب اليسارية والتقدمية والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني. بحيث تستحضر الدساتير الجديدة ضرورة تمتع جميع المواطنين بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية كما هي في المواثيق الدولية وكما يجب أن تسود في الواقع.
وهكذا، نخلص إلى القول: إنّ المواطنية الصحيحة في العالم العربي هي الإطار الضروري لبناء مجتمعات جديدة تقوم على مبادئ وقيم ومعايير العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان. وهي قادرة على تحقيق أكبر قدر من المساواة بين المواطنين، ومعالجة الكثير من أشكال الغبن السائدة ضد النساء، وجميع الطبقات الشعبية المهمشة والمبعدة عن صناعة القرار الوطني.
إن تغييراً حقيقياً وجذرياً في واقع المرأة العربية هو المقدمة التي لا بد منها لأية حداثة عربية حقيقية ولأي حديث عن الربيع الديمقراطي العربي. والتغيير يجب أن يذهب إلى الأصول، وأن يطال الأعراف والقيم والمفاهيم، مما يستدعي ثورة ثقافية تزلزل العقل الأبوي في العمق، وتطيح أسسه التاريخية ومنطقه المتخلف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو