الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاهد مسرحية على أبواب دمشق

فراس المصري

2011 / 3 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


المسرحية التي قام بأدائها الرئيس السوري وأعوانه بمناسبة المولد النبوي على أعتاب الجامع الأموي وفي شوارع دمشق هي بمشاهدها تبدو مكرورة ومعادة، وإن أجري عليها بعض الرتوش التحسينية في الإخراج لتواكب المرحلة التي تعصف فيها رياح الثورة على حكم الفرد المطلق. ظهر الرئيس محاطاً بحشد من رجال المخابرات وشيوخ السلطان,، ورأينا سيل المدائح من ألسنة تتلوى كالثعبان لتبهر الناس وتشتري بآيات الله ثمناً قليلاً. وحتى يكتمل المشهد كان لابد من تجميع أعداد غفيرة من الجماهير لتهتف له "بالروح بالدم نفديك..."، تلكم الجماهير وغالبيتها العظمى من الشباب أتي بها كالعادة جبراً طلاباً من المدارس والجامعات لتحمل دلالات للعالم في أجواء الثورات الشبابية في دول عربية متعددة. ويضاف إلى ذلك حركات استعراضية بدرت من الرئيس في محاولة ليظهر قربه من العامة ويسحر البسطاء منهم. ثم تنضم إلى هذه المسرحية جوقة من الفنانين والإعلاميين لتتغنى بالمنجزات شبه الأسطورية للقائد الذي لا نظير له ولا بديل عنه.
مثل هذا المشهد المسرحي قد يطالعنا في أي إمارة أو سلطنة في زمان أو مكان ما من الماضي البائد، ولكن مع اختلاف في وسائل العصر وفي ثياب أشخاص المسرحية والديكور. و قد أبدع الشاعر أحمد شوقي في مسرحية "مصرع كليوبترا" في تصوير مثل هذا المشهد بقوله:
اسمع الشعب دُيُونُ كيف يوحون إليه- ملأ الجو هتافا بحياتىّ قاتليه- أثر البهتان فيه وانطلى الزور عليه- ياله من ببغاء عقله فى أذنيه
فهذه الأبيات تصف عودة كليوبترا وعشيقها وحليفها انطونيوس مهزومين من قبل الأسطول الروماني، ولكنهم خدعوا الشعب وأوحوا لهم أنهم هم المنتصرون فهتف لهم بالمجد والحياة. ولما وصل أسطول القائد المنتصر أوكتافيوس وعلم الشعب أن كليوبترا وانطونيوس كانا من الكاذبين، انقلب الشعب عليهما وصار يهتف بالنصر والمجد لأوكتافيوس وباللعنة على كليوبترا وانطونيوس.
نعم ما أقسى وأصعب أن يهتف الشعب ويمجد قاتليه وجلاديه ، وقد يخدع أويضطر إلى مثل هذه المواقف التي يدفعه إليها النظام دفعاً، ولكن لحظة التحول والانقلاب قد تأتي بسرعة قياسية لتقلب ظهر المجن ويصبح الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد في أسفل السافلين.
وفي مكان غير بعيد عن الجامع الأُموي وتحديداً في الحريقة وبعد يومين من مسرحية الرئيس انطلقت مشاهد مسرحية واقعية عفوية لانتفاضة شبابية شارك فيها المئات من الشباب الغاضب الذي ثار في وجه المعاملة الوحشية التي تلقاها أحد الشباب على أيدي الشرطة الفاسدة. وماذا نظن بشباب سوريا فاعلين وهم لا يجدون أمامهم إلا حريةً مسلوبة وكرامة منهوبة ؟. هل الجدار الذي حاول النظام بناءه داخل عقولهم لحجبهم عن رؤية واقع مجتمعهم هو أقوى من جدار برلين الذي انهار أمام ثورة شباب ألمانيا الشيوعية الذين تلقوا نفس التأطير والقولبة من خلال منظمات الحزب الواحد بمبادئه المتكلسة ولغته الخشبية التي تتنافى مع الواقع وحركة التاريخ؟.
وضمن هذه المسرحية السورية تجدنا إزاء مشاهد مؤلمة ومأساوية من خيانة الفكر وانتكاس الثقافة وضياع الرسالة عند مجموعة من الصامتين والمطبلين والمزمرين من الفنانين والكتاب والإعلاميين والمثقفين اللذين رضو بالفتات على مائدة السلطان و بحياة الدعة والتسول على الوقوف مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان, ألا يظن أولئك أنهم مجموعون ليوم عظيم، يوم يحاسبهم الشعب أجمعين؟، أم أنهم يظنون أنهم قادرون على التلون وتبديل جلودهم وألسنتهم حين ترجح كفة الميزان لصالح الحرية وينهار نظام الاستبداد والظلم والفساد؟. بل ربما يظنون حقاً أن لهم في كل عرسٍ قرص.
وقد يمضي بنا الخيال المسرحي وحق له ذلك لنتصور المشهد الأخير من المسرحية، حيث يتقلب السلطان على فراشه على خشبة المسرح، تقض مضجعه الكوابيس المرعبة والأصوات الرهيبة ثم يستيقظ فزعاً وجلاً ويدعو من استطاع من مستشاريه وثقاته الذين يبذلون جهدهم في طمئنته والتهدئة من روعه. ولكنهم لا يلبثون إلا قليلاً ليسمعوا الأصوات تتعالى وتملأ الفضاء ويرون الجماهير أفواجاً قادمة نحوهم كأنهم من الأجداث سراعاً يخرجون، وقُطع دابر الذين ظلموا، ثم يسدل الستار عن المشهد الأخير.
د. فراس المصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث