الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الازمة العراقية مطالب خيالية في افق مغلق

خالد صبيح

2002 / 8 / 11
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


اذا كان لشخصية الحاكم اثر واضح على القرار السياسي في البلدان الديمقراطية ، القائمة على تعدد عناصر التاثير في قراراتها، فان هذا الاثر يتضاعف لحدود واسعة جدا في البلدان الدكتاتورية، ويتضاعف اكثر في انظمة الحكم الاستبدادية الشمولية، فتصير ارادة ورأي وعقل الحاكم هي دوائر القرار وتخومه . وتتضاعف لحدود غير معقولة حين يكون الحاكم انسانا مهووسا في السلطة والقوة، وبخلفيات مثيرة مثل الرئيس العراقي الذي كانت شخصيته وماتزال تحفز على اكثر من نوع دراسة ستخرج بنتائج غريبة في ابسط وصف لها.
 واذ لايمكن لاي تحليل سياسي يتناول الشان العراقي ان يغفل طبيعة تلك الشخصية ،فقد بدا من الغريب صدور بعض الآراء التي تدعو الى تحكيم العقل < المغيب تماما> وتطالب الرئيس العراقي، لاجل ابطال الذرائع الاميركية للتدخل، للقبول بالتنحي الطوعي عن السلطة تمهيدا لتحول سياسي يعتمد التعددية، مما يعني منح المعارضة دورا في الحياة السياسية ، وهذا مالايطيقه النظام بشكل خاص .
تتلخص هذه الاراء <المقترحات>، التي  تميل بعض المعارضة الوطنية للقبول بها كمدخل للانقاذ، وربما لاحراج النظام، وابراء  للذمة ايضا، تتلخص في : فتح صفحة جديدة في العلاقة بين النظام والمعارضة بمبادرة النظام لذلك وبالتمهيد له باطلاق سراح سجناء الراي وعودة المهجرين قسرا وتعويضهم ،وتقديم اعتذار للشعب وتعهد بعدم تكرار ماحدث، وتشكيل لجنة منبثقة عن مؤتمر وطني يضم كل الاطراف السياسية لاقرار صيغة للدستور القادم وتهيئة الاجواء لانتخابات عامة، وكل ذلك تحت مراقبة دولية واشراف لهيئات دولية لحقوق الانسان والجامعة العربية.. اكيدا ان ذلك هو حل جيد جدا، لكن الايبدو وكأن من يطرحه يتحدث عن اوضاع افتراضية وعالم وهمي ؟
اقتراحات الحلول المطروحة بعمومها هي تصب في صالح النظام ، فالاقتراح المشار لعناصره الرئيسية هنا يؤدي الى تحول سلمي للسلطة، من المحتم ، اذا وقع ، ان يكون ثمنه كمقابل( لتنازل) النظام الطوعي عن السلطة، هو حماية حياة اركان النظام  وضمان سلامتهم وعدم مسائلتهم قانونيا على الجرائم التي ارتكبوها طيلة فترة حكمهم، وهي جرائم كثيرة وكبيرة ، وهذا ثمن مغر. في حين ، وهنا نحن نبعد تماما اي تاثير ودور لاميركا في الشان العراقي، وهو افتراض صعب،ان شكل الحل الاخر المفترض وفق هذه الرؤى سيصب اكثر في صالح النظام ولاتاتي ثماره مناسبة للمعارضة الوطنية العراقية التي هدفها الاساس هو اعادة البناء والتعددية السياسية. فبافتراض ان هذا المقترح هو مطالب للمعارضة، سيكون اساسا للحوار والمصالحة الوطنية ، وهي مطالب، على منطقيتها، تشكل حدا اعلى، على اعتبار ان الصراع السياسي، للنظام على اقل تقدير، هو السلطة والحكم ، وهذا الحد الاعلى في المطالب لايمكن في اي مفاوضات ان يُقبل كله الا في شروط الاستسلام الكامل للنظام، الامر الذي لم يشترطه المقترح، لذا فان تلك المطالب ستخضع للنقاش والمساومة مما سيدفع بالاطراف، كمآل طبيعي للتفاوض،  للقبول بالالتقاء في منتصف الطريق ، وفي الاغلب سيكون هذا الحل الوسط هو القبول كحد اقصى بتنحي الرئيس العراقي وتنازله للحكم لابنه الثاني كاجراء اولي لتبدا بعد ذلك مرحلة انتقالية طويلة، ربما لاتنتهي، سيعاود فيها اركان النظام ، وفي ظل شروط دولية انسب، لمعاودة احتكار السلطة بتوظيفهم لخبراتهم وامكاناتهم التي بنوها وورثوها من المرحلة السابقة.
 هكذا حل سيجعل من قبول  المعارضة للمصالحة، مقابل وجود هش وشرعية مرهونة بارادة النظام، وسيلة يتخلص عبرها النظام من مازقه الحالي الذي يبدو ان ثمنه كبير جدا له وللبلاد وللشعب..
 مهما يكن الثمن السياسي لهذا الحل على المستوى الداخلي، الا انه الارحم والانسب لتجنيب البلاد كارثة محتملة سيجلبها التدخل الاميركي، الذي ابعدنا دوره تماما بافتراض ان تحقق المقترح على ارض الواقع سيمنع هذا التدخل..لكن، وهنا هي المعضلة التي لم ينتبه اليها مقدموا الاقتراح ، وهي الطبيعة الشخصية للرئيس العراقي . فهذا الرجل ومن خلفه نظام حكمه الذي انطبعت بصماته الشخصية عليه بقوة جعلتها خاصية ملاصقة له، قد ادمنوا السلطة لحدود لاشفاء منها ، فهم رجال سلطة اكثر مما هم رجال حكم وسياسة.  وشواهد الاحداث والادوار التي عاشها العراق في ظل هذا الحكم تدلل على ذلك وهي تفسر الى حد كبير الاخفاق الغير معقول في ادارة الازمات السياسية التي لايحلها بغير العنف.. العنف تلك الخاصية التي صارت من المكونات الجوهرية لهذا النظام..
لم يعرف حاكم بغداد السياسة الا من خلال السلطة وعنفها، بالاضافة لاوهامه المريضة وشعوره المتضخم بالعظمة الذي كرس لاجل خلقه كل اجهزة الدولة وثرواتها لتحقيق مجده الموهوم.  وماضي النظام، ورئيسه شخصيا، ملئ بردود الفعل العنيفة  والمفتقدة لاي منطق او مراعات لحرمة ما ،ازاء اي شكل للمعارضة ولا حتى الاعتراض. فقد نكل باقرب الناس اليه لخروجهم عن طاعته. كما انه لايحتمل اي مستوى من الحوار معه حتى على المستوى الفردي البسيط ، ولم يعرف عنه حفظا للعهود، ولايرتكن لوعوده.
  من المعروف انه حين تقع الشدائد، يتطلب تجاوزها فيما يتطلبه، حكمة وعقل سياسي متوازنين ، وتلك عناصر مفقودة بشكل ملحوظ في مؤسسات الحكم في العراق، لسبب اساس هو طبيعة حاكم بغداد التي منعت بسبب من شغفها المهووس بالحكم، وميلها الفطري للعنف، من فتح المجال لدوائر الحكم العراقي على انتاج كفاءات سياسية قادرة على  لعب دور ما.
وفي استرجاع بسيط للتاريخ المعاصر نلاحظ ان عبدالناصر، بعد هزيمة حزيران، اقدم على الاستقالة ، الواقعة التي تعكس عقلية وروحية رجل السياسة المسؤول، في حين ماشهدناه، بعد هزيمة حرب الخليج الثانية، وهي هزيمة اكبر ببعض المقاييس من هزيمة حزيران، ان حاكم بغداد، وبدلا من انتحاره او حتى استقالته، قد قاتل وبشراسة من اجل السلطة المهددة،  التهديد الذي اورثه  شعور بحقد على الشعب لايدارى.  الحقد الذي نبع  من عدم تصديقه ان الشعب يرفضه ويريد قلعه.  لم يصدق ذلك لانه ومداحوه اطلقوا اكذوبة القائد الضرورة وصدقوها..
فهل هكذا شخص مهووس بعظمته وسلطته، وبقبضته كل القرارات ، قادر على ان يتنحى عن السلطة  لمعارضة لايريد ان يكون لها اي ذكر او وجود حتى في كوكب آخر، ولانقاذ شعب يرفضه.. الا يبدو ان طرح  مقترحات بتحكيم العقل وتغليب مصلحة الشعب والوطن والتنحي الطوعي عن الحكم لرئيس هذا وضعه، نوع من الخيال السوريالي  والرياضة الفكرية لااكثر؟
 

خالد صبيح
السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله يهدد باستهداف مواقع جديدة داخل إسرائيل ردا على مقتل


.. المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي يبحث اليوم رد حماس بشأن الت




.. مصادر فلسطينية: ارتفاع عدد القتلى في غزة إلى 38011 | #رادار


.. الناخبون البريطانيون يواصلون الإدلاء بأصواتهم لاختيار الحكوم




.. فرنسا.. استمرار الحملات الانتخابية للجولة الثانية للانتخابات