الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكرة القومية-1-

عمر أبو رصاع

2004 / 10 / 14
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


كثيرا ما تطالعنا الأقلام الكاتبة ومنها ما نحترم في موقعنا هذا الذي نعتز به و في غيره ، تصب جام غضبها و لعنتها على القومية العربية والقوميين العرب ، فما هي هذه القومية العربية التي تستحق كل ذلك ؟ وما هي الحدود الفاصلة بين القومية العربية وغيرها مما في الغالب الأعم يمثل مدخلا لإدانة القومية من خلاله ؟
هل القومية عقيدة وإيديولوجيا أم فكرة ؟
أهي غاية أم وسيلة لتحقيق غايات ؟
بادئ ذي بدء ظهرت القومية في أوربا عصر النهضة حاضنة مفهوم حق الأمة ذات الخصائص المشتركة أن تتوحد في دولة واحدة ، وظهرت كذلك كشكل من أشكال الرغبة في الأنفصال عن الهيمنة الأقطاعية الكنسية ، و كفكرة تقدمية منسجمة مع السعي الحثيث للرأسمالية القومية الناشئة في التغلب على الرجعية الإقطاعية .
ماركسيا وبوضوح تحليلي أوسع بونا يمكننا القول أن قيام الدولة القومية في أوربا جاء كنتيجة لتطور التاجر المصنع إلى صناعي و بالتالي ظهور الإنتاج الصناعي والمدينة الصناعية و النطاق التجاري الموسع ، وهكذا قادت الطبقة الرأسمالية تحديدا والتي حسب الدور التاريخي كانت آن ذاك تمارس دورا تقدميا المجتمع متبنية الفكرة القومية و دافعة باتجاهها ، تحقيقا لمصالحها الطبقية وللمصلحة المجتمعية الكامنة بالإندفاع في إتجاه الحتمية التاريخية نحو مواقع أكثر تقدما ، فالدولة القومية تتيح أمكانية توحيد عناصر الإنتاج على مد الرقعة الجغرافية القومية وكذلك وحدة أسواقها وقوة الدولة المركزية الضرورية لكي تقوم الدولة القومية مبدئيا بحماية الرأسمالية الوطنية ومن ثم الإنتقال إلى الدولة الإستعمارية مما يتيح تواصل تراكم رأس المال و الدخول إلى مرحلة الإنتاج الضخم (Large Scale Mass Production ) ذي النطاق الواسع والإفادة من إقتصاديات الحجم ، ولكن قبل ذلك إنطلقت الدولة القومية مرتبطة عضويا بالاقتصاد والنمو الاقتصادي والتقدم وفق رؤية موقفية برغماتية فكان علم الإقتصاد الميركانتالي (Mercantilism) و الذي ظهر و شاع في القرنين السابع و الثامن عشر إبان قيام الدولة القومية الاوربية الحديثة ، ويعرف علم الاقتصاد الميركانتالي بأنه : " محاولة الكشف عن السياسات الاقتصادية التي تلائم حاجات الدولة الصاعدة" ولذلك وصفها الاقتصادي الألماني شمولر بأنها : " اقتصاديات بناء الدولة" ، فكانت مفاهيم الميركانتيلية تركز على الربط بين ثروة الأمة وما لديها من المعادن الثمينة ، وتحقيق الميزان التجاري الموافق ، وضرورة تدخل الدولة حمائيا في الاقتصاد و ترتيب أوجه النشاط الاقتصادي ، وصولا عبر كل ذلك إلى قوة دولة الأمة وعظمتها .
أما فلسفيا فقد كان فلاسفة الثورة الفرنسية كانوا أفضل من عبر عن الفكرة القومية – طبعا منسجمة مع المعطيات التاريخية – أو مفهوم الدولة-الأمة ، فأسماها منتسكيو بأنها روح الأمة الواحدة ، أما روسو فقد صاغ عقده الاجتماعي مؤسسا لمفهوم الدولة الأمة و هو الفهم القانوني الدستوري الذي لا زال سائدا في الفكر القانوني إلى اليوم .
نخلص إذا من كل ما سبق إلى أن الفكرة القومية ولدت في أوربا النهضة و أرتبطت بداية بالمصالح التقدمية للطبقة الرأسمالية ومن ثم بعد قيامها بالمذهب التجاري الاقتصادي ثم برأسمالية الدولة الاحتكارية ثم برأسمالية الدولة الأمبريالية ، للتتجاوزها الرأسمالية لاحقا بأتجاه ما بعد الدولة الأمة والاقتصاد المعولم .
على ذلك فإن الفكرة القومية تمظهرت في غير ذلك من الصيغ السياسية ، و ارتبطت باشكال متباينة من الفكر السيواجتماعي و السيواقتصادي ، فبنظرنا الاشتراكية في بلد واحد التي تبناها ستالين ضدا على فكرة الثورة الدائمة التي كان يطرحها تروتسكي كانت نزوعا قوميا روسيا وكذلك الماوية الصينية التي ارتبطت فافكار التاوية وغيرها من التراث الفلسفي الصيني .
إذن القومية ليست إيديولوجيا أو عقيدة سياسية في حد ذاتها ، إنما هي فكرة توحيد أمة في إطار جيوسياسي واحد على أن الشرط الرئيس لنجاحها هو ارتباطها بالفكر أو الأفكار التي تتبنى وفق التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية السائدة موقفا تقدميا على سلم التطور وهنا تماما يكمن مقتل القومية العربية الحقيقي ، ذلك أنه لم يتسنى منذ ولادة مفهومها في أواخر القرن التاسع عشر أوائل القرن العشرين أن ترتبط بطليعة تتمكن من تحقيق المفهوم ، فهي ولدت أولا ردا على القمع التركي بكل ما عنته ممارسات الاحتلال التركي بصيغته العثمانية من قهر وقمع وظلم للعرب وغيرهم ، ثم استغل الانجليز الفكرة القومية الناشئة للوصول إلى طرد الأتراك من المنطقة العربية فدعموا مشروع الحسين الأول الرامي لإنشاء مملكة عربية في المنطقة العربية من أسيا مرتبطا بمصالح ارستقراطية عربية طامحة ثم تكشف كذب الانجليز بعد أن كشفت الثورة البلشفية عن وعد بلفور والذي أدى رفض الحسين الأول له إلى نفيه المذل إلى قبرص حيث قضى – أنظر مراسلات الحسين مكمهون – بعد أن دفعوا بآل سعود للإستيلاء على عرشه في الحجاز وهزم الفرنسيون إبنه فيصل في ميسلون في سوريا لينتهي حلم المملكة العربية الكبرى وتتراجع الأسرة الهاشمية العونية إلى مواقف متماشية مع السياسة الانجليزية تحت وطأة هزائمها السابقة و رغبتها في التوصل إلى كيان جغرافي تحكمه .
ثم أعيد بعث المفهوم على يد مشيل عفلق وصلاح البيطار وزكي الأرسوزي ، وكان عفلق والبيطار أساسا قد تأثرا بالقومية الفرنسية و الاشتراكية الوطنية ، ورغم النجاح الواسع الذي جناه البعثيون في كسب الرأي العام إلى أنهم غرقوا في اشكالية المفاهيم وغياب الرؤية الواضحة وآليات الحزب السلبية التي سمحت بهيمنة العسكرتاريا على الحزب ، وهكذا سقط الحزب أخيرا بيد تيار طائفي غنوصي بصيغته السورية و قبلي شوفيني بصيغته العراقية ، فوئدة على يديهما الفكرة القومية وليس أبلغ من وصف تلك الحالة من عبارة ساخرة لأنور السادات : " الأسد وخدامه والبكر وصدامه والبعث العلوي والبعث التكريتي و اتلم المتعوس على خايب الرجاء "
أما الحالة الناصرية فقد أرتبطت فيها الفكرة القومية بالشخصية الكرزمية للرئيس عبد الناصر ، والذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري وببرنامج ورؤية تقدمية تطمح للحد من القهر الطبقي الاجتماعي و الاقتصادي ذي الطابع الارستقراطي الاقطاعي ، انحاز ناصر أولا لمصر للمصريين وللطبقة الوسطى والكادحة ضدا على الارستقراطية الملوثة ، إذا نبع ناصر من مجموعة من الافكار التقدمية رغم جنينية فهمه لها . –يتبع-يتبع-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟