الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يتجاوز غازي عجيل الياور نفسه

دارا كيلو

2004 / 10 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عندما استلم السيد غازي عجيل الياور رئاسة العراق, كان الحدث يدعو للتفاؤل لعدة أسباب, منها ما يتعلق بالرئاسة كمنصب رمزي ذو طابع وطني, ومنها ما يتعلق بطبيعة شخصية السيد الياور, ومنها ما يتعلق بطبيعة المرحلة التي يمر بها العراق.
فمنصب الرئاسة كموقع سياسي أول في أية دولة يفترض أن يكون صمام أمان للبلد, وأن تجتمع فيه نقاط الإجماع والاتفاق بين المواطنين, وأن يبتعد هذا المنصب عن تفاصيل الشؤون السياسية التنفيذية ذات الطابع اليومي, والتي يحتمل فيها الكثير من الصراع والخلاف, هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن خفض مستوى اتخاذ القرار السياسي والتنفيذي وتوزيع نقاط السلطة والقوة في المجتمع يقوي هامش الحرية ويعزز الممارسة الديمقراطية . وقد أصبح موقع الرئيس في العراق فعلا أقرب إلى الرمزية والإجماع الوطني, والسلطات التنفيذية هي أقرب إلى الحكومة ورئيسها.
إذا كانت هذه هي نظرتنا إلى موقع الرئاسة, فهل يمتلك الشيخ الياور,على الأقل, الحدود الدنيا لتسنمه؟ رغم عدم معرفتي القريبة بالرجل ولكن أقول نعم إنه يمتلك الحدود الدنيا وما هو أكثر من الحدود الدنيا. فهو يجمع في شخصيته الكثير من مزايا وخصائص المجتمع العراقي, فالعراق مجتمع عشائري وهو شيخ عشيرة كبيرة جدا . ورغم عشائرية المجتمع العراقي هناك جوانب انتقالية في هذا المجتمع وهو يتحدث(من الحداثة) ويمتلك فئة واسعة من المثقفين والبرجوازية المدينية والمهندس الياور يحمل شهادة الماجستير وهو رجل أعمال. المجتمع العراقي متعدد الأعراق والشيخ الياور عربي ذو علاقة وثيقة بالكرد, وهناك أخبار عن زواجه بالوزيرة الكردية نسرين برواري, وهنا واستطرادا لابد من القول بأنه وبغض النظر موقفي الشخصي المعارض بشدة لتعدد الزوجات, فإن كونه متزوجا بثلاث نساء, وبشكل معلن, يعبر عن ممارسة عراقية أصيلة. يرتدي الرجل اللباس العربي التقليدي وهذا هو لباس النسبة الغالبة من العراقيين. هذه المزايا وغيرها قد يقبلها المرء أو يرفضها, ولكن إظهارها وممارستها علنا يلقي عليها أضواء النقد الذي قد يمهد لتجاوزها بشكل صحي, بدلا من التظاهر بعدم وجود ذلك وممارسته في السر, الأمر الذي يعني ضمنا استبعاد النقد الذي يمهد للتجاوز. خلاصة ذلك أن يمثَل العراق كما هو في حقيقته لا كما يتخيله هذا التيار أو ذاك, وهذا ما نفترضه في الشيخ الياور.
بالنسبة للمرحلة التي يمر بها العراق, اعتقد أنها مرحلة شديدة الحساسية والأهمية, إنها مرحلة يتحدد فيها مصير العراق المستقبلي. بعد ثمانين عاما من الشكل السياسي الحالي للعراق, الذي بني على توازنات وتركيبات هندسها الإنكليز وامتطتها الدكتاتورية البعثية, انتهى الأمر إلى أن الانتماءات السياسية المافوق والمادون العراقية هي الأقوى, والغائب الأكبر هو العراق. تجد مجتمعا تفكك إلى مكوناته الأولية بعد فترة طويلة من تجاوز هذه المكونات شعاراتيا وتكريسها في الممارسة السياسية. هذا يعني أن العراق كإطار جامع لمكوناته يحتاج إلى إعادة بناء على أسس جديدة , أي أن العراق الوطن الموحد يحتاج إلى بناء على أسس حديثة تتطلع إلى المستقبل, وطن عماده هو إجماع مواطنيه الأحرار على العيش المشترك. وخلاف ذلك من الأحاديث والشعارات المتآكلة عن وحدة تاريخية صوانية وأخوة وغيرها لن يزيد العراق إلا تشتتا وربما تجزؤا .
ضمن إطار مجمل الصورة التي قدمتها كان يمكن التفاؤل بالسيد الياور, ولكن تصريحاته الأخيرة له أساءت إلى صورته ودوره المأمول. ففي حديث إلى قناة العربية تحدث عن الديمقراطية والحرية بكثير من الحماس, ولكن وفيما يتعلق بمسألة الانفصال, يقول ما ملخصه أن الدعوات الانفصالية تقترب من الخيانة, وأن العراق طوال تاريخه كان وحدة إدارية واحدة . وهذا الكلام فيه مغالطة تاريخية كبيرة ويحاول أن تبرر مغالطة سياسية فيها تجاوز على حق أساسي من حقوق الإنسان والشعوب. هي مغالطة تاريخية, ولا اعتقد أن السيد الياور جاهل بالتاريخ لهذه الدرجة, والمسألة مؤسفة سواء كان هناك جهل أو تجاهل, لأن التاريخ القريب يقول أن العراق الحالي, في العهد العثماني, كان موزعا بين ولايات : البصرة , بغداد, الموصل, شهرزور, وتنازعت أجزاء منه عدة إمارات شبه مستقلة. وقبل ذلك كان هناك العراق العربي والعراق العجمي, وفي تاريخ أقدم كان هناك العديد من الدول المتصارعة على هذه الرقعة الجغرافية. لم يصبح العراق الحالي وحدة إدارية واحدة إلا في العشرينات من القرن الماضي على يد الإنكليز. فعن أي عراق وأي وحدة إدارية متجاوزة للتاريخ يتحدث السيد رئيس الجمهورية؟ هذه المغالطة التاريخية بنى عليها السيد رئيس الجمهورية مغالطة سياسية حول المقارنة بين الخيانة ودعوات الانفصال. الخيانة كما يعلم كل الناس هي أن تنقض عهدا مكتوبا أو شفهيا, ضمنيا أو واضحا, بما يسئ إلى الطرف الآخر في هذا العهد ودون علمه. والسؤال هنا هو هل تتعايش مكونات العراق بناء على عهد من نوع ما أم أنها الإرادة الخارجية هي التي ألصقت هذه المكونات؟ والأمر الواضح , وكما أشرنا هو أن العراق الحالي هو تركيبة إنكليزية. إذا من يخون من ؟!! يضاف إلى ذلك أن حق تقرير المصير وحتى الانفصال هو حق مقدس لكل الشعوب بموجب الشرائع المختلفة, والذي يدهش أن يتجرأ السيد رئيس الجمهورية ويقرنه بالخيانة, في نفس الوقت الذي كان يتحدث فيه بحماس عن الديمقراطية والحرية في العراق. أي حرية وأي ديمقراطية عندما نشبه ممارسة حق أساسي من حقوق الإنسان والشعوب بالخيانة, التي تشبه التكفير, في العرف الإسلامي, الذي هو مقدمة لإقامة حد القتل . هل يجوز أن نقارن بين حق الطلاق والخيانة الزوجية , ونتحدث عن مساواة الرجل بالمرأة وحقوق المرأة ........؟
لا أعرف ما هي ظروف ومبررات السيد رئيس الجمهورية, ولكن أرى أن في تصريحاته رائحة غير مبشرة من الفكر البعثي (أو القوموي العروبي) الشمولي, وتكفيرية تصفوية, قد تتحول إلى ممارسة غير محمودة. وهذا لن يفيد في أداء الدور المأمول من السيد الياور في بناء عراق ديمقراطي فيدرالي يتطلع إلى المستقبل. والسؤال الأخير هو: أيهما هو غازي عجيل الياور, رئيس الجمهورية المعبر عن العراق كما هو متطلعا إلى المستقبل , أم السياسي ذو التفكير الأيديولوجي القومي الشمولي, وأيهما سيغلب ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر