الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر-العربية- وزلزال الدولة الصهيونية

سلام السعدي

2011 / 3 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة زلزال يدهم العالم العربي.. ولا نعرف مآل هذه الأحداث»، بهذا القدر من الوضوح والإبهام جاءت كلمات رئيس وزراء الدولة الصهيونية تعقيباً على الثورة الديمقراطية في مصر، والتي أطاحت بالحليف الأهم لهم في المنطقة.
هو زلزال بكل معنى الكلمة، بسبب الدور البارز على مر تاريخ الوطن العربي لـ "أم الدنيا"، ومن ثم فإن ما سيعقبه من "هزات ارتدادية" في أرجاء هذا الوطن المتعب والمنهوب والمستعد للانفجار، سيجعل مآل الأحداث غير معروف على حد تعبير نيتنياهو، فلقد فتحت الثورة الديمقراطية المنتصرة في تونس و مصر، والثورات قيد الانتصار في عدد كبير من الدول العربية أبرزها ليبيا واليمن، فتحت الباب واسعاً أمام المشروع القومي الديمقراطي العربي لأول مرة في التاريخ العربي الحديث، ومصدر رعب نيتنياهو ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية، هو أن هذا المشروع الديمقراطي العربي يشكل النقيض الموضوعي للدولة الصهيونية، وبالتالي لاستمرار الهيمنة الامبريالية الأمريكية على العالم.
لقد ورثت الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع القرن العشرين كل شيء عن أوروبا، ورثت موقعها الاقتصادي كقوة أولى في العالم، وورثت الشمس البريطانية التي لا تغرب ابدأ، من خلال المستعمرات المنتشرة في كل بقعة من بقاع الأرض، وورثت كذلك الرعب الذي كان يقض مضاجع أوروبا من إمكانية بناء دولة عربية موحدة وحديثة في جانبها الجنوبي، وهو المشروع الذي حلم به محمد علي وتم تدميره وسحقه بشراسة مذهلة لا تقل أبدا عن شراسة الولايات المتحدة الأمريكية في حروبها العدوانية التدميرية على العراق وأفغانستان.
فلقد حاول محمد علي إقامة دولة صناعية حديثة، عن طريق انتهاج السياسات الصناعية الحمائية، فقام باحتكار كافة الصناعات، ومع بداية 1830 أصبحت معامله تنتج منتوجات قطنية وصوفية وحريرية بالإضافة إلى الورق والزجاج والسكر والمصنوعات الجلدية وبعض المواد الكيماوية، كما أرسل حوالي 300 مبعوث إلى أوروبا، وأدخل أضعاف هذا العدد إلى المدارس الحديثة التي أنشأها لدراسة الطب والهندسة والكيمياء.
لكن مشروعه انهار تحت وطأة الضغط الأوروبي والبريطاني بشكل خاص، حيث رأت بريطانيا في هذا المشروع تهديداً حقيقياً للرأسمالية الانجليزية ولسيطرتها على الأسواق عبر البحار، من هنا فقد تمكنت بريطانيا بالاتفاق مع الباب العالي العثماني من فرض اتفاقية (يالتا- ليمان) عام 1838، والتي بموجبها فرض على مصر سياسة حرية التجارة وتخفيض الضرائب على الواردات في حدود دنيا (5% فقط)، وبذلك تعرضت المنتجات المصرية لرياح قاتلة من المنافسة الأجنبية، ثم ما لبثت أن دمرت تماماً بتوجيه ضربة عسكرية إلى مصر واحتلالها، ومن ثم بالغزو الوحشي الذي مارسته رؤوس الأموال الأجنبية لتسيطر على ثروات ومقدرات البلاد.
لكن سياسة "الوأد الصناعي" هذه (حسب تعبير الاقتصادي بول باران)، لم تطمئن بريطانيا تماماً، فالموقف العدائي والعدواني لأوروبا من كل محاولات التحديث في مصر لم يكن يستند فقط إلى أسباب جيوسياسية- اقتصادية، أي السوق المصري الواسع، وموقع مصر على طريق الهند بالأمس وبقرب النفط اليوم، لكن أيضا لأسباب تاريخية إستراتيجية مرتبطة بالخوف الكبير والهلع الأوروبي من احتمالات ولادة دولة عربية موحدة وحديثة، في حين ارتبطت هذه الولادة على الدوام بمصر، حيث لا يمكن توقع قيام أي دولة عربية موحدة دون أن تكون مصر قاعدتها التأسيسية، وربما دون أن تبادر هي تحديداً بذلك (وجاء جمال عبد الناصر بعد أكثر من قرن ليؤكد صحة المخاوف الأوروبية)، وهكذا لم يكن من باب المصادفة، ولا من باب حل المسألة اليهودية، أن اخترعت الدبلوماسية الانجليزية عام 1839، مشروع قيام دولة "إسرائيل"، على ارض فلسطين وفي قلب الوطن العربي، وبجوار مصر ليتم وضعها تحت المراقبة الدائمة وعزلها عن المشرق العربي- كما كتبت جريدة الغلوب اللندنية- (ذكر ذلك الدكتور سمير أمين في كتابه إمبراطورية الفوضى)، والتدقيق في تاريخ طرح فكرة قيام الدولة الصهيونية من قبل بريطانيا والذي يعود الى عام 1839، هو هام للغاية من ناحية انه في هذا العام بالتحديد انتصرت جيوش محمد علي على السلطان العثماني وباتت تشكل خطر حقيقي على الإمبراطورية البريطانية ومصالحها، والاهم أن هذا حدث قبل نحو 60 عام على إطلاق الصهيونية السياسية (1897).
وهكذا أنشئت الدولة الصهيونية كأداة في خدمة السيطرة الرأسمالية الأوروبية على العالم، فقامت بشكل أساسي لمنع أي ثورة شعبية عربية، والعدوان الخارجي ضد كل محاولات التجديد العربية، وورثت الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأداة مع انتقال مركز قيادة الامبريالية لأمريكا.
وعلى مدار النصف الثاني من القرن العشرين، أي بعد نشوء الدولة الصهيونية وحتى اليوم، عملت هذه الدولة كمركز إقليمي مضاد لحركة الشعوب العربية، فكانت أشبه بثكنة عسكرية ضخمة جداً منها لدولة، واحتوت هذه الثكنة على أعداد هائلة من الجنود، ولعل ملاحظة المفكر الياس مرقص في مكانها، عندما أشار إلى انه ولأول مرة في التاريخ يكون عدد الجنود المحتلين (المستوطنين هنا) أكثر من عدد شعب البلاد التي جرى احتلالها، وفي هذا تأكيد على طبيعة الدور الذي تلعبه هذه الدولة، من حيث هو دور موجه ضد كل الوطن العربي وليس ضد الفلسطينين فقط.
عقود طويلة مرت على إنشاء الدولة الصهيونية، ونحو قرن على المواجهة مع المشروع الصهيوني، فيما النظام الرسمي العربي يتابع إخفاقاته في التصدي لهذا المشروع، ويمكننا القول بأن هذا النظام العربي بشكله الرث والبائس الذي قام واستمر عليه، هو الوجه الآخر، والمتمم الطبيعي لقيام الدولة الصهيونية ضمن إستراتيجية تأبيد الهيمنة الامبريالية على الوطن العربي، وبالتالي لم يكن هذا النظام على الإطلاق هو الشكل التنظيمي المناسب للمواجهة مع المشروع الصهيوني، إنما كان النقيض للشكل التنظيمي الضروري لخوض الصراع، أي المشروع القومي الديمقراطي العربي، المنبثق من هواجس وأحلام وطموحات الطبقات الشعبية، وليس من طموحات وأوهام بعض رجالات الجيش "الوطني".
وهذا هو مصدر حرص الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والدولة الصهيونية على بقاء هذه الأنظمة، ودعمها –على المستوى الأمني فقط- بمليارات الدولارات، هذه الدولارات المخصصة لقمع الحريات التي تتغنى بها الدول الرأسمالية، و لتعزيز الأنظمة الكمبرادورية الدكتاتورية الحاكمة، وبالتالي لإنهاء أي إمكانية لقيام المشروع القومي الديمقراطي العربي.
وإذا كان تشابه الظروف الاقتصادية- الاجتماعية البائسة التي تعيشها الطبقات الشعبية في الوطن العربي، يشكل السبب الرئيسي لانتقال الثورة اليوم من بلد عربي إلى آخر، ففي هذا تعبير واضح أيضا عن تشابه وتماثل ظروف وأسباب نشوء الدول العربية القطرية بهذا الشكل الأمني الفج، الذي يشكل ركناً أساسيا من أركان منظومة السيطرة الامبريالية على الوطن العربي.
إن الزلزال الذي يتخوف منه نيتنياهو، هو بالتحديد "الديمقراطية"، وليست أي ديمقراطية، إنها ديمقراطية الطبقات الشعبية الفقيرة، واليوم في ظل الهجوم الامبريالي المتصاعد على الوطن العربي، فإن كل ديمقراطية ستولد عندنا ستكون ديمقراطية الطبقات الشعبية (بعكس ديمقراطية المحاصصة الطائفية المقززة في لبنان والعراق)، وهذه الديمقراطية الشعبية ستكون قادرة على تلمس مستقبلها وطريق تطورها، لترفع من وتيرة الصراع الطبقي، وتحوله من شكله الاقتصادي الذي ساد عقوداً طويلة، إلى شكله الأرقى أي الشكل السياسي، ثم لتحدد أمنها القومي العربي، ولتجده متناقض بشكل لا يقبل التسوية مع الدولة الصهيونية، وإذا كانت بعض النخب والأحزاب اليسارية(خارج الشيوعية التقليدية) ومنذ زمن بعيد، قد وقعت على هذا التحديد لدور الدولة الصهيونية كجزء من منظومة امبريالية عالمية لاحتجاز تطور الوطن العربي، وبالتالي رفضت أوهام التسوية معها، فإنها فشلت على الدوام في إنشاء الجهاز التنظيمي المناسب للتصدي لهذه الدولة، وكان النظام الرسمي العربي يلعب دوراً حاسماً في هذا الفشل المتكرر.
لقد جاء انتصار الثورة الديمقراطية في مصر وقبلها في تونس، ثم انتشارها في "محافظات" الوطن العربي الأخرى، لتعبد الطريق "الرئيسي" المقطوع نحو المستقبل، وفي هذا يكمن "زلزال" رئيس حكومة الدولة الصهيونية نتينياهو، فقطاع الطرق اليوم باتوا ناشطين وفاعلين على مستوى عالمي، وكل الدول الامبريالية ساهمت وستساهم في قطع هذا الطريق وتدميره وإزالته من على الخارطة، كما من وعي الطبقات الشعبية والنخب الممثلة لها، نحن نعيش حالة ثورية فريدة وغير مسبوقة من النهوض العربي، فالزلزال ليس بالعالم العربي يا سيد نيتنياهو، انه عندكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس