الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محروس بسور سليمان من عين كل العوجان

فيصل لعيبي صاحي

2011 / 3 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كانت صحيفة ( إتحاد الشعب ) ، قد ظهرت للعلن ، بعد ثورة 14 تموز عام 1958، ولكن بعد بفترة طويلة، بسبب مماطلة وزير الداخلية عبد السلام عارف آنذاك والذي حاول بشتى الطرق منع صدورها، لكنها صدرت بدعم من جماهير الشعب، الذي يعرف ويقدر مواقف الحزب الشيوعي ونضالاته في سبيل حريته وسعادته.
ومن خلال تواقيع مئات الآلاف من المواطنين العراقيين، في عريضة طويلة الى الزعيم عبد الكريم قاسم، وهكذا كان، حيث لم تصدر بمنة من أحد ولا برغبة وزير أو حاكم كما فعل عبد السلام عارف عندما إستولى على صحيفة الحرية ومطبعتها وأصدر جريدة ( الجمهورية )، لتكون صوته وصوت اعداء الثورة. إذن فصحيفة إتحاد الشعب ، قد صدرت بتصويت وضغط شعبيين، و لم تتشرف صحيفة قبلها ولا بعدها، بمثل هذا الشرف، لكنها لم تكن محصنة من إستفزازات القوى الرجعية ولا عناصر الردة في حكومة الثورة، ولهذا إغلقت بعد فترة، فحوصلت القوى المستبدة، والفكر الضيق والوحيد الإتجاه، لايحتمل ما هو مخالف له ولأمانيه وأحلامه الجهنمية.

كنت وقت صدور هذه الصحيفة أستنسخ بعض مواضيعها حسب درجة فهمي وأوزعها على بعض الطلبة، وكنت أكتب في هذه النسخة ما يحلوا ليافع مثلي من أماني على قدر وعيي وثقافتي البسيطة. لكن الأمر لم يمر بسلام، فقد كان أستاذنا في اللغة العربية ، البعثي( غالب الناهي )، الذي يمتدح عبد السلام علناً ويشتم عبد الكريم علناً، قد أكتشف بعض نسخ إتحاد الشعب حينها، لكنه لم يعرف من هو الناسخ، فوقف في أحد المرات، ليكيل للشيوعين الشتائم وأقذر النعوت، وهو مكفهر الوجه ومصفر اللون والزبد يتطاير من فمه. كنا نضحك في سرّنا ، الصديق حسين حسن السعودي – أين انت الآن ياصديقي ؟ - وهو شريكي في الإستنساخ وأنا ، لأننا كنا نجلس في الصف الذي يلقي فيه هذا المربي شتائمه علينا. لم نكرر التجربة، وكنا نستغرب من هذا المدرس الذي يشتم الزعيم، دون ان يحاسبه احد! لكنني ، وبعد فترة ، شاهدته في سوق محلّة الجمهورية بمدينة البصرة التي أسكنها، وهو مرفوع من قبل مجموعة من الناس وقد حمل البعض منهم حبالاً ، ليعلقوه في مكان ما من الأماكن المرتفعة في السوق، وهو يصرخ ويستغيث بكل ما اوتي من قوة وينادي على السهلاني، احد رجال الدين المعروفين في المحلة ، ليخلصه من الجمهور الغاضب، الذي يبدو انه تلفظ امامهم بشي ضد الزعيم أو الثورة، فهجموا عليه وأرادوا سحله ، حسب عادة تلك الأيام في معاقبة أعداء الثورة، في ذلك الوضع المنفلت والفوضى العارمة، ولم يخلصه منهم لا السهلاني الذي آثر ان يخفي رأسه ولا غيره، لكن شباب من مقر الشبيبة وقتها تصدى لهؤلاء وأوقف هذه الممارسات وسلم المدرس غالب ا لناهي الى مركز شرطة الجمهورية، وانتهت حكاية هذا المدرس الى هذا الحد. حتى ظهوره البارز مرة أخرى، بعد إنقلاب شباط الدامي.

كانت الحوادث تتعاقبت بسرعة، وسقطت حكومة الزعيم، في الإنقلاب الفاشي في 8 شباط الأسود عام 1963، وكانت حكومته في آخر أيامها، لا تلقى من الدعم ما يجعلها حكومة شعبية حقاً، رغم علمنا بوطنية الزعيم، حيث منع الأحزاب وحارب الشعب الكردي وورط العراق بقضايا غير مستعد لها ، والذي إستلم الإنقلابيون منه آلاف السجناء السياسيين والمعتقلين من الديموقراطيين والشيوعيين ووغيرهم،من الذين كانوا يرزحون في سجونه ومعتقلاته فكانوا صيداً ثميناً ولقمة سائغة ، لم يبخل العثيون والقوميون ، في تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم ، قبل الإنقلاب، خاصة أحكام الإعدام، حيث تم تنفيذ الحكم فيهم مباشرة، دون تأخير. وقد أصابنا ما أصاب معظم العراقيين من عسف وإضطهاد،وللأمانة لم اكن وقتها شيوعياً ، كما أني لم أدخل معتقلاً ولا سجناً حتى هذه اللحظة ، ما عدا فترة توقيف لمدة ثلاثة أيام بسبب مشاجرتي مع ضابط تجنيد البصرة، وضربي له، لسوء معاملته وضربه للمراجعين.

بعد هذا الإنقلاب الدموي، أخذت تصلنا صحيفة الحزب مكتوبة باليد، وكان على أخي علي أن يستنسخها أيضاً ليوزعها بعد ذلك الى من يتصل بهم، كنت أراقب هذه العملية وأقرأ تلك الصحيفة، المكتوبة بخط اليد، و الجميل فيها، أنها تأتي في كل مرة بخط مختلف، بسبب الإستنساخ.
مرت دواليب الأيام وأخذت الصحيفة إسماً آخر ، هو( طريق الشعب )، وأخذت تطبع في حجم أصغر من صحيفة إتحاد الشعب العلنية وأصبح ورقها أسمراً وتغيرت ملامحها كذلك، فاللغة صارت مباشرة ، بدون لف او دوران والعدو واضح ومكشوف. إستمر الحال على هذا المنوال، حتى مجيء ( الحلفاء ) ! في عام 1968مجدداً، وبدأت الحوارات من أجل الجبهة ، فظهرت (الفكر الجديد )، ثم ( الثقافة الجديدة ) وبعدها ( طريق الشعب ) العلنية.

لكنها لم تكن في مأمن من حبائل الحلفاء، ففي كل كل مرة تتعدى الصحيفة الخط الأحمر ، يصلها إنذار، بعدها، أصبحت مشكلة الورق ثم بعد ذلك ، مخالفتها للأعراف الدبلوماسية، في نقد هذا النظام او ذاك والذي ترتبط به " حكومة الثورة " ( ! ) بأقوى الروابط،، ومع كل المحاولات التي كانت هيئة تحرير الطريق تقوم بها ، لتجنب كل ما يثير حساسية الحلفاء ، كانت الإنذارات تأتي الى طريق الشعب، وهي إنذارات واضحة و كما يقول المثل : الحليم تكفيه الإشارة .
في النهاية لم يتحمل الحلفاء ، ليس الصحيفة فقط بل الحزب كله، فكشفوا عن أقنعتهم المزيفة، فبدأ هجومهم العلني ، بعد ان كان خفياً ومتفرقاً ، ودخل آلاف الشيوعيين مجدداً معتقلات البعث المحسنة وذات الأجهزة المتطورة تكنولوجياً .بعد أن تراجعنا اكثر مما ينبغي ولم يعد امامنا غير البحث عن طرق للإنسحاب الغير منظم، الذي كبدنا خسائر كبيرة.

بعد الإحتلال و سقوط النظام، كانت ( طريق الشعب ) اول صحيفة تطبع في بغداد و يتلقفها الناس، مبشرة بأيام من الحرية والعمل على بناء العراق المهدم بسبب سياسة النظام السابق وحروبه من جهة وبسبب ضربات القوى الغربية للبنى التحتية لبلادنا وتقويض ما يمكن الإعتماد عليه في هذه المرحلة، من جهة أخرى، وكعادة الشيوعيين، لم تكن العملية سهلة، فقدموا برنامجهم للخلاص من تركة النظام ونتائج الحرب، لكنهم كما العادة أيضاً، محاطون بمجموعة من القوى التي تختزن جبالاً من الحقد والكراهية للشيوعية وحزبها المقدام، فكان الإجراء الأهم لها، هو إستبعاد الحزب من كل ما له صلة بصنع القرار.
واليوم تأتي التعليمات من مقر القائد العام لغلق مقر الحزب والجريدة الى جانب مقر حزب الأمة وتحت أعذار أقبح من الأفعال و على نفس النهج الذي تعود عليه الديموقراطيون منذ أيام العهد المباد الأول والثاني والثالث وهذا كما يبدو سيكون العهد المباد الرابع.

لاضير في ذلك، فالشيوعيون والديموقراطيون ، كما كتب العديد من الشرفاء، من مختلف المشارب، لايحتاجون’ لاموافقة ولارخصة أوإجازة في ممارسة نضالهم الممتد منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن.
المهم في الأمر ، هو ان الأنظمة الإستبدادية كشفت لنا في أنها لاتتعلم الدرس، مع وجود تجربة تونس ومصر وليبيا واليمن، امامها ، ناهيك عن تجربة البعث مع الشيوعيين والديموقراطيين والوطنيين التي لا تزال شواهدها قائمة، فكلها تكرر نفس الأخطاء، وتنتهي الى نفس المصير. لكن الأهم في هذه القضية، هي هل تعلمنا نحن الدرس من حكومة المحاصصة الطائفية و أستوعبنا دروس حكومة الشراكة والوحدة الوطنية ؟؟؟
تحية للحزب الشيوعي العراقي وتحية لحزب الأمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية