الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة المصرية (١٥): أمن الدولة: هل هو المشكلة حقاً؟

عبير ياسين

2011 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



لعل السؤال الذى بات يؤرقنى مؤخرا هل القضية المصرية ذات الأولوية الآن تتعلق بحل أمن الدولة بوصفه جهاز سيئ السمعة أم بضرورة القضاء على العقلية والمناخ الذى أوجد جهاز أمن الدولة فى نسخته المصرية؟

أعتقد أن النقطة الأساسية التى يفترض أن تجمع مصر الآن هى الحديث عن الإطار العام والمنظم وليس التفاصيل الجزئية الفاسدة، وأعرف أن البعض قد يتوقف عن القراءة عند تلك اللحظة أو يصنف المقال بوصفه دفاعا عن مؤسسة فاسدة أو نظام فاسد ولكن لنناقش بشكل مختلف

أولا لا شك أن النظام السابق -والذى لم يسقط كلياً بعد- يتجاوز فى وصفه مفهوم الفساد بمراحل، ومفهوم الافساد والانتفاع بمراحل أيضا. أحاول أن أعثر على مصطلح آخر قادر على توصيف المشهد لآن مصطلح الفساد من كثر استخدامه أصبحا له سياق معين وقدرة متخيلة على الاستيعاب ولكن ما شهدته مصر وفقا لما هو متاح حتى الآن من أخبار وأفعال، وما تعنيه من وجود الكثير مما لا نعرفه بعد يعبر عن حالة خاصة من "الفساد”. سابقا عندما كان يتم الحديث عن أن مصر دولة مؤسسات كنت أعلق بأن المؤسسة الأكبر والأقوى فى مصر هى مؤسسة الفساد. ببساطة لأنها مؤسسة عابرة للمؤسسات ومتجاوزة للحدود، هى بالنسبة لمشاهداتى المتواضعة حالة من الشركة العابرة للحدود بما تعبر عنه من كيان عملاق يتجاوز الجميع، ولكنها تزيد على تلك الصورة بأنها كائن خرافى متوحش يمارس تلك القوة للقتل والقمع ليس المادى فقط ولكن المعنوى أيضا

ثانيا أن جهاز أمن الدولة كان أحد الأذرع الرئيسية والمهمة واللازمة لمنظومة مؤسسة الفساد القوية فى الحالة المصرية. جهاز تجده حولك وفى كل مكان، تجده فى مؤسساتك التعليمية، وفى جهة عملك، وفى الكثير من أوجه الحياة. تجده طبعا بشكل سلبى، تسمع عن علاقات بين أشخاص والجهاز تمكنهم من الصعود الصاروخى والتحول لأحد أذرع الأخطبوط الذى يمتد للجميع. يتبارى البعض فى توضيح الولاء للنظام كجزء من الدور فى حين يتوارى البعض الآخر أو يلعب دور المعارض والمدافع كجزء من النظام وفى الحالتين تشاهد وتتفرج عندما تأتى لحظة الحقيقة ويضطر حتى من توارى لأن يقوم بأداء خدمة ما للجهاز فيكون واضحا لماذا قام بما قام به وسط دوائر محددة فى حين أن دوائر أخرى قد لا تعرف فتبقى تلك الأذرع قادرة على العمل

ثالثا أننا جميعا لم نكن نعيش فى أبراج عاجية، ولم نكن من متعاطى حبوب هلوسة القذافى فى يوم ما وبالتالى لم يكن الحديث عن جرائم التعذيب والترويع وانتهاكات أبسط القواعد القانونية فى التحقيق واستخدام الأدلة خافيا على أحد. كانت الصرخات أحيانا مدوية وأحيانا كثيرة مقموعة لتصمت ولكن من قال أن الجدران يمكن أن تمنع الصرخات من أن تصل لكل مظلوم ومقموع. من لم يسمع هو فقط شخص أراد ألا يسمع وأدار موسيقى هادئة وحدثنا عن عالم يوتوبى متخيل، ربما ساعدته منافعه وملايينه على غسيل ضميره أو قمعه مبكراً فلم يعد يميز بين القمع وغيره

رابعا أن مشاهدات ما حدث خلال أحداث الثورة المصرية وجرائم القتل التى ارتكبت فى حق المواطنين المصريين سواء فى ذلك من شارك فى الثورة ومن لم يشارك تؤكد بدورها ليس على القتل فقط كفعل مادى ولكن على استخدام العنف والوحشية فى القتل فى بعض الأحيان -ولن أعمم للضرورة العلمية-. لست متواجدة على الأرض لأروى قصص ما حدث، ولكن صور القتلى والأماكن المستهدفة لإطلاق النار وعدد الرصاصات وظروف القتل تتجاوز فيما نشاهده مجرد أوامر صادة بتفريق المتظاهرين أو قتلهم حتى فالقتل قتل ولكن توجيه عدة رصاصات لشخص واحد، أو استهداف أماكن كالرأس بعدد من الرصاصات ليس مجرد أمر بالنسبة لى ولكنه يتجاوز الأمر إلى العقلية ومناهج التعليم والآليات التى أوجدت تلك العقلية. قضية تحتاج لإعادة نظر وتأهيل للجهاز الأمنى فى شقه الشرطى وفى كيفية إعادة تأهيله، وتتطلب ضرورة المحاسبة والكشف بشكل واضح عما حدث خلال أيام الثورة والتى قتل فيها الكثير من المواطنين بما فى ذلك من لم يشارك فى الأحداث وافترض أنه أمنا فى بيته أو شرفته فقتل بلا رحمة

والسؤال الآن: أن كان الوضع بهذا الشكل فهل يمكن أن نتجاوز طلب حل وتصفية جهاز أمن الدولة؟ والإجابة ببساطة أن حل الجهاز يعبر عن معنى رمزى وليس حقيقى فى سياق ما يحدث. والسبب لقول هذا يتمثل فى فكرة أن حل الجهاز عملية سهلة وقد لا تتجاوز قرار أو بيان يعلن عنه المجلس الاعلى للقوات المسلحة أو وزير الداخلية، ولكن هل يفترض أن الثورة تقوم لحل جهاز أم لتغيير نظام؟ وأليس جهاز أمن الدولة بدوره جزء من النظام المراد اسقاطه؟ وأليس الاولى تركيز الجهد على تغيير المناخ الذى استلزم وأوجد جهاز أمن الدولة؟

أعتقد أن القضية الأساسية تتمثل فى السعى لتحويل مصر من دولة قمعية بوليسية إلى دولة ديمقراطية. أو بمعنى آخر انقاذ مصر من مؤسسة الفساد الضخمة المسيطرة بأذرعتها المتعددة الأشكال والأحجام. هذا الانقاذ يتمثل فى تغيير المناخ من مناخ فاسد ملوث يساعد تلك الكائنات على النشأة والنمو، لمناخ ديمقراطى حر لن يكون بوسع تلك الكائنات الاستمرار فى الحياة فى ظله. فالمطلوب هو أن نجدد الهواء الراكد والفاسد لعقود ممتدة من الظلم حتى تنقرض كل الملوثات


عملية التغيير ليس سهلة وليست قصيرة ولا تتم بالرغبة ولا بإلغاء مؤسسة هنا وهناك لأن تلك التحركات الجزئية والرمزية لها العديد من الأضرار ولا يفترض أن تكون على قائمة الأولويات. ولهذا أرى أن القضية ليست حل جهاز قد يتم الإعلان عن حله بالفعل ولكن تظل الممارسات التى قام عليها الجهاز تحت مسميات أخرى، المطلوب أن يتم تدشين تحول سليم نحو الديمقراطية، وأن يتم تحديد خطوات التحرك الواضحة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معركة رفح.. إسرائيل تتحدث عن خيارات بديلة لهزيمة حماس | #غرف


.. العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران.. عقبات -لوجستية- و-سياس




.. قصص ومعاناة يرويها أهالي منطقتي خزاعة وعبسان الكبيرة بسبب تو


.. شهداء غزة من الأطفال يفوقون نظراءهم الذين قضوا في حروب العال




.. نتنياهو: قمت بكل ما في وسعي لإضعاف قوة حماس العسكرية وقضينا