الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب الفيس بوك

سعدون محسن ضمد

2011 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


أراقب بتفاؤل الاجتماعات واللقاءات التي تقوم بها النخب المثقفة والمنظمات المدنية بهدف مناقشة غضب الجماهير العراقية وكيفية استثماره لإصلاح العملية السياسية. لكن لماذا لا أراقب بنفس التفاؤل سعي شريحة مهمة من هذه النخب لتحويل مجاميع الفيس بوك إلى أحزاب تكون بديلاً جاهزاً عن الأحزاب التي ستحترق قريباً.. لماذا يبدو لي أن الأحزاب (الجديدة) لن تكون مواكبة للحدث الذي تسعى للتأثير عليه، ولا مستوعبة لطبيعته الجديدة؟ فما يجري داخل ـ أو بسبب ـ الفيس بوك، من تظاهرات واحتجاجات وثورات، لا يشبه ما ألفناه سابقاً من هذه الفعاليات، وهي بالتالي لا يمكن أن تخضع لمنطق الاحزاب وهياكلها التنظيمية التقليدية. لأنها فعاليات تدار من داخل عالم افتراضي، ولا يجب أن نحاول سحبها من بيئتها الحقيقية، إلى بيئة تقليدية لا نحسن الخروج منها وعليها.
تأتي التكنولوجيا الحديثة وهي تسحب خلفها ثقافتها الخاصة بها والتي تعمل على فرضها بقوة. هذا ما فعله الموبايل، الذي جاء بثقافة تختلف عن تلك التي كانت سائدة زمن الهاتف السلكي. وقد أضاف الفيس بوك ثقافته الجديدة، لأنه حقق مرونة عالية في التواصل بين الناس لم تكن ممكنة سابقاً. فالمقاهي والمنتديات (الافتراضية) التي وفرها أمام الناس أكثر مرونة من سابقاتها التقليدية بما لا يقاس، ففيها يمكن لأعداد لا متناهية من الأعضاء أو الزوار أن يشتركوا بتبادل وجهات النظر، كما أنها تبقي النقاش مفتوحاً لزمن أطول أمام شريحة أوسع، فليست هناك حدود أو حواجز تعرقل تبادل الآراء أو تمنعها. يستطيع أي مشترك ـ تقريباً ـ أن يتبادل وجهات النظر مع أي مشترك آخر، مع قطع النظر عن الفوارق الفكرية والطبقية والثقافية. الحوارات أيضاً غير مباشرة، وهي تجري بين أعضاء لا يعرفون بعضهم بشكل تفصيلي، ما يعطي المتحاورين قدرة أكبر على التطرق للمواضيع الأكثر حساسية وخطراً.
على هذا الأساس يمكن لنا أن نتوقع أو نفهم أن مجاميع الفيس بوك تتكون من أعضاء لا تجمعهم بالضرورة مشتركات كثيرة، فقد يختلفون بالايديولوجيا والدين والقومية، ولا يشتركون إلا بهاجس أو هم واحد فقط، يجتمعون من أجل تحقيقه ثم ينفضون بعد ذلك، ومن هنا تأتي قوة هذه المجاميع، وقدرتها على اختراق الحواجز الآيديولوجية والمعوقات الأثنية، لأنها مجاميع مفتوحة وغير مغلقة، والتفكير بتحويلها إلى أحزاب يعني غلقها من جديد، وإعادتها إلى داخل حضيرة الآيديولوجيا الواحدة المغلقة على أعضائها.
إذا أردنا أن نؤمن اتصالاً حقيقياً مع متظاهري الفيس بوك فيجب علينا أن نفعل ذلك من داخل مقاهيه الافتراضية وباستخدام ثقافته التواصلية المفتوحة على جميع الآراء والاتجاهات؟ والأحزاب التقليدية بهياكلها التنظيمية المألوفة غير قادرة على تحقيق هذا التواصل. نعم تشكيل الأحزاب السياسية حاجة ملحة، لكن تحويل مجاميع الفيس بوك إلى أحزاب سيقتل خصوصيتها من خلال عزلها وتحويلها لمجموعة تقليدية من الأعضاء الذين يتحدثون داخل ثقافة واحدة عن فكرة واحدة. كما أن الأحزاب التقليدية إذا أرادت أن تؤثر على ثوار الفيس بوك، فعليها أن ترتاد مقاهيهم الافتراضية وتتحدث بلغتهم وتتعلم ثقافتهم وتحترم استقلالهم.
هناك عالم جديد يبني هياكله أمامنا، وعلينا أن نتعلم كيفية دخوله باحترام يستحقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
مازن البلداوي ( 2011 / 3 / 11 - 08:40 )
العزيز سعدون
ما احبه اكثر في شخصك هو التجدد الدائم ومحاولة الأستباق وايضاح المفترض المستقبلي للأخرين،وبهذا اتطابق معك كليا،ولعله تأثير الأنثروبولوجي في دراستك على الرغم من انه يبحث فيما مضى،الا انه يضيف الكثير الى طبيعة آليات التفكير والتحليل والأستنتاج وهو علم رائع
ماطرحته هو حقيقة واقعة وصحيحة كليا،الا ان الدينصورات الأيديلوجية لاتريد ولبرما لاتستطيع المواكبة وهذه هي نقطة الضعف الرئيسية،التطور أخي العزيز هو حالة دياليكتية دائمة مستمرة لاتتوقف،لذا فهي تبتعد عن القوالب الجاهزة،ومن هنا فان من نصحتهم لن يستطيعوا المواكبة الا اذا كانت نياتهم صادقة تجاه مجتمعاتهم، فهم لايريدون الا مايعرفوه وليس مايجب ان يعرفوه
على كل حال،اشكرك لأثارة هذا الأمر وارجو ان تطلع عليه الدينصورات الفكرية، عسى ان تستطيع مواكبة الحاضر لتنجو بنفسها وترتحل للمستقبل.
خالص الشكر


2 - تحزب الفيس بوك حتمية تأريخية.....
حسين خلف حمزة ( 2011 / 3 / 21 - 16:40 )
الاستاذ العزيز سعدون،يذكرني هكذاموضوع بسقراط ذالك الثائر في شوارع روما
لاجل الاصلاح والتغير ، وكيف كان يواجه المجتمع على طبيعته ولم يبني له بروج عاجية يتكلم بلغة الفلاسفة وثم ما آل اليه من نهاية مؤسفة، وبعدها جاء افلاطون الذي بنى اكاديموس وكتب على بابها( لايدخلها الا رياضي) والخوف ان تحزب الفيس بوك ودخل في دائرة الحزب الضيقة ان يكون افلاطونيا- يختار بمزاجية مقيته اعضائه ويفقد برائته وعفويته ، ويدخل في حاشية السلطان (واعتقد بأن اليوم الذي يكون فيه الفيس بوك مقرا- لاجتماع رفاق الحزب ، وان يكون اكاديمية افلاطونية ليس ببعيد )وعذرا- ان تكون نظرتي تشائمية لكن هذا واقع الحال والحتمية التأريخية , الخوف ياصديقي من انه لسنا وحدنا عرفنا قوة الفيس بوك وسوف تحشد الحشود لآجل تحجيم خطره او جعله في خدمتهم ..تحية وسلاما- لك صديقي العزيز.....

اخر الافلام

.. تعرف على تفاصيل كمين جباليا الذي أعلنت القسام فيه عن قتل وأس


.. قراءة عسكرية.. منظمة إسرائيلية تكشف عن أن عدد جرحى الاحتلال




.. المتحدث العسكري باسم أنصار الله: العمليات حققت أهدافها وكانت


.. ماذا تعرف عن طائرة -هرميس 900- التي أعلن حزب الله إسقاطها




.. استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة محلية الصنع في مخيم بلاطة