الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعم لتعديل/تغيير الدستور ولكن،

محمد باليزيد

2011 / 3 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


... لنتكلم خبزا.
في المغرب، لم يكن مطلب "تغيير الدستور" مطلبا جديدا. وقد نادت بهذا المعارضة، حتى الشكلية منها، منذ وقت طويل. إلى درجة أنه في بعض الأحيان كان يروج أن المعارضة، التي صارت شكلية بعد تجربة التناوب، لا تثير هذه المسألة إلا بإشارة من القصر. وكان إخراج هذا المطلب، كملتمس إلى القصر، من دون أية قوة ضاغطة ومن دون ربطه بحياة الناس وكذا مصداقية تلك المعارضة التي اهتزت لدى الجماهير، كان كل هذا إلى جانب ما يتعلق بتلك الظرفية عاملا جعل المطلب "قليل المدلول"، على الأقل لدى الجماهير.
إذا قالت الماركسية بأن تأثير البنية التحتية، على الفوقية، أكبر بكثير من التأثير العكسي، فإن هذا لا يعني، بأي حال من الأحوال، أن نهمل تأثير البنية الفوقية على التحتية، كما علينا أن لا نأمل من الخطوة الملكية المعلنة، تعديل الدستور بما يقرب الملكية المغربية أكثر من ملكية دستورية، أن لا نأمل من هذه الخطوة أكثر مما في إمكانياتها. لقد أعلن في الخطاب الملكي بأن صلاحيات الوزير الأول (~ رئيس الوزراء) ستُوسع كما ستوسع صلاحيات الجهات وتقلص سلطات العمال (ممثلي الداخلية) لصالح المنتخَبين الجهويين. لكن لم يُقل شيء عن تعيين السفراء ومدراء المؤسسات الكبرى وخلق المجالس، التي تكلف من حين لحين بمسائل هامة مثل المجلس الأعلى للتعليم والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، لم يُقَل شيء عن الميزانية الهائلة للقصر التي لا تناقش. لقد دشن الملك الحالي عهده بتلميحات بأن "المظهر التقليدي" للملكية سوف يتغير ورُوجت شائعات مثل أن جل المستخدمين في القصور الملكية المنتشرة في البلاد (هؤلاء المستخدمين الذين لا يستخدمون إلا نادرا ومع ذلك هم في أماكنهم وتؤدى أجورهم) سرحوا.
نعم، إن الاقتراب، دستوريا وقانونيا، من الملكية الدستورية شيء جيد ومطلوب. شيء جيد أن نرى القرارات الهامة، في السياسة الداخلية كما الخارجية، تتخذ من طرف شخص/جهاز أعطته صناديق الاقتراع الصلاحية بأن يتخذ تلك القرارات وليس من طرف شخص بايعه المغاربة، منذ الأزل وإلى الأبد، بأن يحَل محلهم كما يحَل شخص راشد وصيا على شخص غير راشد أو معاق. لكننا نرى أن الإصلاح الدستوري سيبقى مجرد حبر على ورق ما لم تصاحبه ميكانيزمات أخرى كفيلة بأن "تنشط" محتواه وتخرجه من الأوراق إلى الواقع. ولنوضح الأمر بما يكفي يجب أن نقول بأن آلية الانتخابات في المغرب، على المستوى القانوني والتشريعي، لا ينقصها شيء أو على الأقل لا ينقصها الشيء الكثير، لكن على مستوى الواقع فإن الانتخابات المغربية لا تنتج إلا المهزلة. مهزلة جعلت الناس يتخلون عن ذلك الميكانيزم الذي بفضله سيصل الشخص المسؤول والمؤهل إلى مستوى الوزير الأول الذي يطمح ملك المغرب بأن يضع تحت مسؤوليته القرارات الهامة. والانتخابات بحد ذاتها ليست سوى جزء من "البنية الفوقية" التي لن تصلح ما لم تصلح البنية التحتية. إن عيش الناس في بلد ديمقراطي 100% (إذا كان بالإمكان 100% ) وفي نفس الوقت في بلد 20% منه تحت عتبة الفقر (1) و5% تستحوذ على 80% من ثروة البلاد و10% من شبابه القادر عن العمل يعاني البطالة و60% من تلاميذ المدرسة (من الإجمالي الملتحق بالسنة الأولى ابتدائي) لا يتجاوزون عتبة البكالوريا...و....و. إن بلدا كهذا تكون فيه الديمقراطية مجرد لعبة بين الطبقة العليا تلعبها لكي تلهي الجائعين بها وتوهمهم عند اقتراب كل مرحلة انتخابية بأن "الأوضاع ستتغير" كما تلهي هي نفسها تماما مثلما تلتهي بالكولف أو التنس. (2)
إن المغرب يحتاج، كما يحتاج فعلا إلى الديمقراطية الدستورية والقانونية أو قبلها، إلى النظر في أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية ككل. لنبدأ من مسألة واضحة وبسيطة: المغرب بلد فلاحي(3) والمفترض في البلد الفلاحي أن يؤمن غذاءه أولا. لكن سياسات كالتي قادها أمثال مبارك في الوطن العربي جعلت الشعوب العربية تعتمد على القمح الأمريكي، وبالتالي، تعاني من النقص في الغذاء. سيقول قائل بأن الدقيق في السوق المغربي معروض بما يكفي، صحيح، لكن الكثير من الناس ليست لهم القدرة الشرائية لمواجهة ثمن الدقيق. فالمسألة ليست في تكديس البضائع أمام المحلات التجارية(4) وإنما في مدى قدرة المواطن على التبضع منها. إن المسألة الزراعية ليست فقط جزء من المشكلة، إنها الواجهة التي تتضح فيها المشكلة/مشكلة التبعية بشكل واضح. إن عدم كفاية الغذاء في البلدان النامية، والتي جلها بلدان ذات إمكانات فلاحية، ليس نتيجة نقص في الإمكانات الفلاحية بقدر ما هو نتيجة سياسة البرجوازية التي لا يهمها سوى إنتاج ما يطلبه الزبون في الدول المتقدمة، المنتوجات الكفيلة بإغداق العملة الصعبة عليها، لا لبناء اقتصاد البلاد بها ولكن لاقتناء كمالياتها، ولا يهمها في شيء إن "بات الفقراء بلا عشاء". هذه السياسة، قبل صلاحيات الوزير الأول، هي ما يجب على العاهل المغربي أن يتمعن في نتائجها ويقرر استمرارها أولا. وحين نتكلم عن سياسة التبعية، فإننا سنجد أنفسنا بالطبع أمام مشاكل في مجالات عدة غير الفلاحة. والعنوان الملخص لكل ذلك هو التنمية. لكن سؤال التنمية بدوره، إذا لم يحدد، سيبقى عاما وغير ذي معنى. التحديد من أية زاوية؟ لهذا سنطرح السؤال: تنمية ماذا؟ تنمية الصناعة المغربية، الفلاحة المغربية، الاقتصاد المغربي؟ يمكن أن تحصل تنمية ينتج عنها ازدياد الناتج الداخلي الخام (PIB) ومع ذلك تبقى النسبة التي أشرنا إليها، 20% تحت عتبة الفقر، مثلا لم تتغير. إن التنمية المقصودة الآن في كل الدوائر المهتمة هي التنمية المركزة على الموارد البشرية وعلى التقليص من الفقر، لكن هذا للأسف ما لا تهتم به الدول النامية كالمغرب إلا نادرا. على المغرب إذن أن يهتم باقتصاده/مواطنيه وأن يتخلى عن طاعة المؤسسات الدولية التي "تخطط للعالم أجمع"، مؤسسات اجتمعت فيها نخبة النخبة من برجوازية العالم، هذه البرجوازية التي اغتنت على فقر مواطنيها، اجتمعت في تلك المؤسسات كي "تنظر في خير البشرية جمعاء". على المغرب أن يتخلى عن ما شابه ذلك مثل "المبادئ العالمية" للتجارة (منظمة التجارة العالمية) ويهتم بمواطنيه بدل أن يهتم بمدى حرية تاجر أمريكي في السوق الصينية أو البنغالية. على المغرب أن ينمي صناعته، التي لا نحلم حاليا ولا على المدى القريب بأن تنافس أوربا، بدل من أن "يهتم" بالصناعة التقليدية في أفق جعل المغرب "متحفا" عالميا يمتع فيه السائح الأوربي أو الأمريكي نفسه وهو يرى بأم عينيه، في القرن الواحد والعشرين، كيف كان أجداده هو يصنعون أواني الفخار أو ينسجون الزرابي.
لكن التخلف مركب. ومن أهم مقومات هذا الوباء، الفساد. الفساد الذي تصطدم به أحيانا حتى بعض السلط الحسنة النية التي تريد إصلاح الأمور قليلا أو كثيرا. الفساد الذي يشكل إلى حد ما آلية من آليات إعادة إنتاج التخلف. وإذا كانت السلط العليا، سواء المؤسسات التشريعية أو التنفيذية أو غيرها، مسؤولة في هذا المجال، فإن ذلك لا يلغي بأي حال من الأحوال مسؤولية المجتمع المدني بكل مكوناته.
يبقى هناك سؤال لا أدري في الحقيقة مدى طوباويته أو واقعيته: الشباب المغربي القادر، مثل الشباب المصري أو التونسي أو اليمني، على الاعتصام حتى تحقيق مطالب هامة، لماذا لا يقوم هذا الشباب، على الأقل، بخطوة أولى هي محاربة الفساد: يشكل هذا الشباب إطارا لتجاوز كل الإطارات الهرمة سواء من حيث ميكانيزمات عملها أو مبادئها، إطارا موحدا كذلك لتجاوز الشتات السياسي وإعلان هدف واحد: القضاء على الفساد، دون أن يمنع هذا طبعا كل شخص من ممارسة العمل السياسي في إطار الهيئات السياسية الأخرى.


1) نستخدم الأرقام هنا فقط كمثال ويمكن أن تكون بعيدة قليلا عن الواقع الإحصائي.
2) يمكن للقارئ العزيز أن يرجع إلى المقالين: "المغرب، هل هو الاستقرار" و"إلى السادة، خبراؤنا المغاربة في الاقتصاد" بنفس الموقع الفرعي في الحوار المتمدن بخصوص مسألة صندوق المقاصة.
3) يمكن أن يجادل المرء في هذا لكن ما هو أكيد أن المغرب ليس بلدا صناعيا.
4) من "الأفكار" الرائجة بين الطبقة الشعبية أن حالنا، نحن المغاربة، أفضل بكثير من حال الجار الجزائري حيث لا يستطيع المرء أن يشتري كل ما يريد ولم امتلك مالا. فمثلا إذا دخل عندك ضيف فإنك تعجز عن تأمين ما تحتاجه من الخبز.
[يجب أن نلاحظ أن مسألة إقناع الناس بأن الجار الجزائري عدو تفيد من ناحية أخرى وهي أن إشعارهم بأنهم أحسن حالا من هذا العدو يخفف من إحساسهم بالظلم أو الفقر حتى ولو كان حالهم لا يطاق ]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المملكة المغربية ملكية دستورية
عبد الرحمان بن ملجم ( 2011 / 3 / 11 - 22:25 )
لقد اختلط ليك الحابل بالنابل . تريد ملكية دستورية ،فهل المغرب يعيش بدون دستور وهو الدولة التي عرفت دساتير وتعديلات دستورية وصلت الى ستة منذ استقلاله . هل المغرب هو المملكة العربية السعودية النظام العشاري الاسري الذي يعيش بدون دستور؟ ماذا تقول عن التعديل الدستوري الذي سيعرفه المغرب مستقبلا ؟ فلو لم يكن هناك دستور هل سيحصل تعديل للدستور؟
لقد اختلط عليك الامر بين الملكية الدستورية التي بها دستور ،وبين الملكية البرلمانية التي بها دستور لكن صلاحيات الملك محدودة بالمقارنة مع صلاحية الوزير الاول او رئيس الوزراء.وبالمناسبة المغرب ملكية برلمانية لان به برلمان ،بخلاف السعودية التي ليس بها برلمان اطلاقا. ان التمييز الذي اردت التحدث عنه هو الفرق بين الملكية الرئاسية مثل النظام الرئاسي الامريكي،والملكية الشكلية التي توجد في بريطانيا واسبانيا ،ثم الملكية الشبه الرئاسية التي سيصبح عليها المغرب بعد اقرار الدستور من طرف الشعب الذي يمكنه رفضه والتمسك بالملكية الرئاسية بدل الملكية الشبه الرئاسية التي تشبه النظام الجمهوري في فرنسا بعد اقرار دستور الجمهورية الخامسة.


2 - الخبز+الحرية أو الحرية والخبز
رفيق عبد الكريم الخطابي ( 2011 / 3 / 11 - 23:07 )
صديقي بدون الدخول في شكل اللغة وان كان مهما لأن تناول موضوع اقتصادي اجتماعي سياسي يتطلب مفاهيم دقيقة هي أدوات انتاج المعرفة ،فلا يمكن انتاجأي بضاعة دون أدوات للانتاج كدلك لكل مجال مفاهيمه ان لم ندققها تصبح الكتابة نوع من الانشاء.
على كل في المضمون أتفق معك في مجموعة من التفاصيل ويمكن أن نلخصها في تلك الحرقة التي تصيب كل مغربي يجد نفسه عاجزا عن تعليم ابنه أو علاجه ان مرض أو ....بل عن تخلف الوطن وجموده وهدر طاقاته..كل هدا نستشعره ونحن نرى القصور والفيلات والمساجد فوق البحارواليخوت والعمارات....ولكن دون التفصيل الأكاديمي حول طبيعة النظام هل ملكي دستوري أو برلماني أو...فهدا ما يريد النظام أن يصف به نفسه ، أما الشعب الكادح فيحدد طبيعة النظام بطريقة أخرى أي:خيرات البلاد تستثمر في مصلحة الشعب والوطن أم تستثمر في خدمة الامبريالية وبنوكها..سنجد في آخر التحليل أ، النظام يحمي مصال الاخرين وليس مصالح الشعب ادن هو نظام لاوطني لاشعبي ثم نضيف السؤال الآخر هل السلطة والاعلام بيد الشعب المغربي هل نتمتع بكل حقوقنا الديمقراطية ؟في النتيجة النظام طبيعته لاوطنية لاديمقراطية لاشعبية أي أ، ما يريده الشعب


3 - تتمة التحية
رفيق عبد الكريم الخطابي ( 2011 / 3 / 11 - 23:20 )
ما يريده الشعب المغربي ادن هو نظام وطني ديمقراطي شعبي.أما مسألة الفساد فهي نتيجة لهده الطبيعة وليست سببا لنحاربها.والا كنا نحارب أعراض المرض وليس أسبابه وهنا الفرق بين التغيير الدي ينشده الشعب والترقيع الدي تنادي به كل الأحزاب بدون استثناء لأنها تتقاسم معه الوليمة ونحن والوطن تلك الوليمة.أما بخصوص القصر فأنا عندي طلب لايقل طوباوية عما تفضلت به :أنا أريد فقط معرفة فقط معرفة ثروة الملك وكم مرة تضاعفت في هده العشرية؟
لو كنا في نظام ديمقراطي لسمعنا مثل هدا السؤال البريء على شاشة التلفزة
ادن أتفق معك: لنتكلم خبزا وحرية وفضحا ولنكتب ثورة وتحية خالصة من القلب
أخيرا للأخ الملجم:لمادا يدهب الى الحج وبه نظام بلا دستور ولا برلمان ولون ولاطعم؟ وكأن بين المغرب والسعودية فرق
فكلنا في العرب رعايا.. والسلا

اخر الافلام

.. -أنا لست إنترنت.. لن أستطيع الإجابة عن كل أسئلتكم-.. #بوتين


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضغطه العسكري على جباليا في شمال القطاع




.. البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور السعودية


.. غانتس: من يعرقل مفاوضات التهدئة هو السنوار| #عاجل




.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح