الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مغانم التاريخ!

علي شايع

2011 / 3 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


في العراق، غنيمتنا من التاريخ، لا توازي الخسارات دائماً. فتاريخنا عرضة للنهب بالتقادم؛ نهب وهدم واعتداءات متتالية، سواء الحضاري، أم تاريخنا السياسي؛فهو مهمل أصلاً. وتأريخنا صار وبالاً علينا لأن من أعادوا قراءة التاريخ، أو من تجاوزا هذه الإعادة حد الدعوة إلى "إعادة كتابة التاريخ" أخطئوا في القراءة، وارتكبوا الجريمة مجدّداً.
لقد دعا طاغية العراق المدان صدام حسين إلى إعادة كتابة التاريخ، وفق نظرة ضيقة حاسرة، كان يصرّ خلالها على ترسيخ أثره الشخصي، طمعاً بالمكوث، حتى بين أحجار التاريخ الحضاري، حيث جعل اسمه محفورا، بين أحجار بابل، ليجازف ليس بتشويه الآثار وحدها، بل التاريخ كلّه بشقيه الحضاري والسياسي، مراهناً على خديعة العالم، حداً سحبت فيه منظمة الثقافة العالمية (اليونيسكو) ثقتها في ما يتعلق بالإرث والتاريخ العراقي.

قبل أيام شرّفني تعقيب للأستاذ القانوني أحمد الحسن *، يشير فيه إلى مقال سابق لي، ضمّنته دعوة لاستذكار فترة الراحل عبد الكريم قاسم، لأجل إقامة متحف له ولفترة حكمه التي سعت جهات إلى تغييبها ومحو آثارها. وأود إيضاح التالي:
بالتأكيد لست من الداعين لتمجيد شخص لشخصه، بل لما تركه من مجد وطني عَبَرَ بهذا الاسم صوب التكريم الدائم،أولا..وثانيا المشروع مفتوح تحت أنظار الدولة. أقول الدولة وليس الحكومة، فدولة العراق حريّ بها تخليد من أسسّوا لعراق أفضل، وما كتابتنا وتذكيرنا لهم، إلا واجب حتمي، رغم ما نمرّ به من ظروف، ربما تستوجب منا الأولوية والعناية والتركيز.ولكن للضرورات أحكامها، وحكم الضرورة هنا يوجب على أيضاً أن أشكر على الملأ ،الإنسان الكاتب والقانوني الساعي للإنصاف الأستاذ أحمد الحسن.
وليس المقام هنا لتمجيد سيرة عبد الكريم قاسم، أو المقارنة بين الزعيم وأي شخص آخر حكم العراق. فهل ثمة وجه مقارنة بين هواة تشييد مجدهم الشخصي وزعيم لم يترك أثراً لقبر يدل على رفاته؟!. لكنها تذكرة بواجب الدولة!، وأهمية أن توثق لوقائعها وتنقذ تاريخها، لأن فيه الكثير مما حاول البعض تزييفه وتشويهه.

من العجب أن أستمع إلى هذر ل (صدام) في لقاء مع صحفية أميركية منشور بالصورة والصوت في الشبكة العالمية للإنترنت يقول فيه : "الخطيئة الأكبر التي يمكن أن يرتكبها الإنسان : لحظة ينسى أن الله أقوى من أعظم قوة".. فهل هو مجرد رصف كلمات.. أم هو مفترق عدالة، إذا أردنا إنصاف الرجل قائلين: إنه مقرّ ضمناً بخطيئته الكبرى؟!. فالقوة الساعية عنفاً للمجد تُنسي في قرارة طغاة الهذر خشية أي إله. ولو قارنا هنا وباختصار..لوجدنا ان عبد الكريم قاسم وفق تصنيف القائلين بالديانات، كان أكثر حاكم خاف الله في الناس.وهو ك"انقلابي مسلح" مبرأ كالذئب من دم يوسف. فلو كان في سيرة الرجل من قتل لسمعنا عن جرائم ارتكبت، ولكن كان لمن في محيطه خبرة البطش التي طالت الزعيم نفسه، مستغرباً في لحظاته الأخيرة، أن يكون مسالماً حد السذاجة مع من دبروها له بليل.. ليل بأربعين سنة. تستحقّ هي الأخرى متحفاً كبيراً وهائلاً، لا بأس أن يطلّ فيها العالم على صورة صدام في حفرته الأخيرة.

التاريخ يحتاج إلى من ينتصف له، وليس من يحقّق له هذه العدالة مثل الدولة المنصفة، ساعة تضع التاريخ في ميزان المطّلعين، وكم هي عظيمة تلك الدول التي ترصد للتاريخ جهود المختصين، فالحرية التي صنعتها ألمانيا-على سبيل المثال لا الحصر- سمحت مؤخراً بوضع تمثال لهتلر، بفرع متحف مدام توسو الشمعي في برلين، أثار جدلاً في عموم المانيا والعالم، رغم إن التمثال يظهر هتلر بهيئة رجل محطّم في ملجئه قبل هزيمته نهاية الحرب العالمية الثانية. مع هذا أقدم رجل على اقتلاع رأس التمثال وهو يصرخ؛ لا للحرب.
موقف الدولة الألمانية صعب التفسير لمن يخشى علينا من التاريخ، ولمن يريد للتاريخ قلعته المهجورة، ليقف على أبوابها حارساً، أو يقف إلى جوار كل أثر ليروي روايته الخاصة، وفق هواه، والذين معه.
الدولة المنصفة هي الصانع والباني الأمثل للمستقبل ولو على ركام من الماضي المرّ والذكريات.دولة القانون، الدولة وليس الشعار العريض، هي من تنجز لنا هذا الأمل.
والدعوة من أجل مراجعة التاريخ ، ليست دعوة طلليّة..ولكنها أمل للتدوين. لتوثيق الدولة.

المجد للشاعر كمال سبتي وهو يقول في أحدى قصائده :" تَعلَّم أنّ في دمك سرا، لا تذكره الآن. قل إنما هو دولة لا تخرج في الليل أو في النهار".. تلك الدولة الحلم تصفّحنا أملها طويلاً، وذات يوم مدريدي كنت والشاعر الراحل نحضر مؤتمرا في العاصمة الإسبانية الجميلة سنة 2003، وبعد رحلة في أجمل الأماكن، انحرف بنا في المسير، دليلنا الشاعر الفذ، صوب منطقة مهجورة قرب مقبرة، يطلّ فيها تمثال للديكتاتور فرانكو. كان الشاعر يتحدّث وقتها عن الدولة، القادرة على عناد الزمن وتهذيب التاريخ.

رحل كمال سبتي في 2006 بينما كان النقاش يحتدم في أسبانيا من أجل إزالة جميع مظاهر حكم الديكتاتور، وبالفعل صدر في 2008 القرار البرلماني الموجب بإزالة جميع تماثيله.
فرانكو مات في 1975 ولم تتخلّص اسبانيا من تاريخه، لتكتبّه بعناية، إلا بجهد جهيد.
انتصرت أسبانيا إذن حين أتمت ترشيد تاريخها وتوثيقه..فالتاريخ يكتبه المنتصر!..
قلت..لأنهي كتابتي عند هذا الحد قبل الخطأ بوضع مقارنة مع تاريخنا وآليات علاجه.

* مقال الكاتب أحمد الحسن :
http://www.sotaliraq.com/articlesiraq.php?id=85495








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس