الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا على أبواب النادي الأوروبي

باتر محمد علي وردم

2004 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


مطلوب من كل المنظرين لفكرة الإسلام السياسي وشعار الإسلام هو الحل أن يتوقفوا قليلا عن الكلام، ويتوجهوا إلى تركيا لدراسة تجربة ثالث دولة مسلمة، بعد ماليزيا وإندونيسيا انتقلت من حضيض الجهل والفساد والتخلف والفشل الإداري والاقتصادي إلى مستوى ناجح من التطور حتى أصبحت الآن جاهزة، حسب تصريحات قادة في الاتحاد الأوروبي للإنضمام إلى نادي النخبة الأوروبي. أن الانتقال الكبير نحو جاهزية الدخول إلى الاتحاد الأوروبي جاء نتيجة إصلاحات هائلة في المجالات السياسية والاقتصادية حمل لواءها حزب العدالة والتنمية صاحب التوجه الإسلامي بقيادة رجب طيب أردوغان.
ومن الأمور المثيرة للاهتمام في مجال الإصلاحات التركية، أن حزب العدالة والتنمية قد أنشأ مجلسا خاصة من العلماء المسلمين لدراسة العلاقة بين تعاليم الإسلام والقوانين والتشريعات الأوروبية في كل مجالات السياسية والاقتصاد والعلوم والمجتمع والثقافة وهي تجربة غير مسبوقة في العالم الإسلامي نتمنى أن تمتد عدواها إلى الدول العربية وإلى تنظيمات الإسلام السياسي التي تدرس كتب إبن تيمية وتريد تطبيقها حرفيا في القرن الحادي والعشرين.
قبل ثلاث سنوات فقط كانت كل أوروبا تشك في قابلية تركيا لدخول الاتحاد، وقال المفوض الأوروبي لشؤون توسعة الاتحاد عام 2001 أن تركيا يجب ألا تبدأ التفاوض إلا في العام 2013 على أقل تقدير، بينما كان الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان أكثر حزما عندما صرح أن انضمام تركيا إلى الاتحاد سيعني نهاية فكرة الاتحاد الأوروبي نفسه، وبالتالي رفض مبدأ التفاوض مع تركيا اساسا.
ولكن تجربة السنوات الثلاث الماضية أنتجت نموا اقتصاديا استثنائيا بلغ 12% وتعديلات جوهرية على قوانين العقوبات من خلال إلغاء عقوبة الإعدام، ونظاما للرقابة المالية والاقتصادية تمكن من تحجيم الفساد، وإعطاء الأكراد حقوقا اجتماعية وثقافية وسياسية غير مسبوقة، مما جعل تركيا حاليا في مستوى أفضل من الكثير من دول أوروبا الشرقية العشرة التي دخلت إلى الاتحاد الأوروبي العام الحالي. لقد استكملت تركيا متطلباتها الاقتصادية والسياسية لدخول الاتحاد الأوروبي، ولم يبق سبب منطقي يمنع تحقيق الهدف التركي إلا "التناقض الثقافي والديني" مع أوروبا.
أوروبا متخوفة من تركيا، وتدعي من خلال تصريحات قادتها العلنية أن تركيا لا زالت "بعيدة" عن المعايير الأوروبية في الديمقراطية وحقوق الإنسان ، ولكن المشكلة هي أن أوروبا نفسها بدأت تتراجع في معاييرها الديمقراطية وربما تقابل تركيا في نصف الطريق يوما ما، فالاستطلاعات والدراسات تؤكد زيادة العنصرية اليمينية ومعاداة المسلمين واليهود في الدول الأوروبية. وتقول أوروبا أيضا أن الاقتصاد التركي مترنح، وستضطر أوروبا إلى تحمل مسؤولية هذا الاقتصاد الملئ بالفساد في حال إنضمام تركيا للاتحاد، ولكن قائمة الدول التي ستنضم قريبا إلى الاتحاد الأوروبي والتي تضم دولا مثل قبرص وأستونيا والمجر في حال اقتصادية أسوأ من تركيا. بالإضافة إلى أن تبعات الانضمام للاتحاد الأوروبي سوف يتحملها الأتراك أساسا لأن مستوى الأسعار سيرتفع ليتناسب مع نوعية الحياة في الاتحاد الأوروبي.
القضية الرئيسية ليست الديمقراطية ولا حقوق الإنسان ولا الاقتصاد، لأن كل هذه الأمور تمكن حزب العدالة والتنمية من تغييرها وتحسينها، ولكن القضية هي المجتمع والدين. فالاتحاد الأوروبي يبقى في النهاية اتحادا بين دول مسيحية ذات قيم اجتماعية ودينية، أو بالأخرى "علمانية" شبه متماثلة، وهذا ما يسهل تطوير بعض التشريعات والأنظمة التي يمكن أن تنطبق على كل هذه الدول بشكل منسجم، أما تركيا فهي حالة خاصة.
تركيا سارت في طريق العلمنة والتحديث لسنوات طويلة، ولكنها لم تهضم قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان لمدة طويلة قبل أن تأتي إصلاحات أردوغان الثورية. وعلى الرغم من تيار العلمانية الطاغي في تركيا، فإن الإسلام يبقى هو دين المجتمع والسلوكيات الاجتماعية التركية تبقى سلوكيات ذات طابع إسلامي بالرغم من وجود مظاهر السلوك الغربي. وقد أثبتت السنوات الماضية أن الأتراك يجدون صعوبة كبيرة في الاندماج مع المجتمعات الأوروبية، أو أن هذه المجتمعات هي التي تشك بهم، لأن الأتراك في أوروبا يعيشون دائما في أحيائهم الخاصة ونادرا ما يتقنون لغة البلد الذي يعيشون به إلا بعد سنوات طويلة.
خيار أوروبا في قبول تركيا من عدمه في الاتحاد الأوروبي سيكون خيارا تاريخيا وفاصلا بين زمنين. لأن تركيا، تمثل من وجهة النظر الأميركية خاصة الجسر الممكن مده بين الإسلام والغرب، أو بين الشرق والغرب فهي نموذج الدولة الإسلامية ذات الطابع العلماني-الحداثي الذي تريد أن تروج له في العالم الإسلامي. وإذا لم تكن مثل هذه الدولة مقبولة من أوروبا فإن مثل هذا النموذج سوف يفشل بين المسلمين ويبقى الشك والريبة دائما في علاقات الشرق مع الغرب.
تداعيات 11 أيلول، وأزمات البطالة في أوروبا وصراع الهوية الثقافية بين الشرق والغرب يعيق دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وقد إضطرت تركيا لإجراء الكثير من التغيرات في نظامها السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي لتصبح مقبولة من الأوروبيين، ولكن هذا بحد كان تمرينا جيدا في صالح الشعب التركي. ومن يعلم، فربما تأتي فترات وتكون فيه الديمقراطية في تركيا أفضل من مثيلاتها في بعض الدول الأوروبية التي لا زالت تواجه امتداد تيارات العنصرية. وعلى كل حال فإن القرار الأوروبي سيحسم الخلاف الناجم حاليا حول هوية الاتحاد الأوروبي: هل هو اتحاد ديمقراطي جغرافي اقتصادي أم اتحاد مسيحي الهوية، حتى في بلدان علمانية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا