الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الشحوة رواية لم يلحظها تحقيق دولي!

عصام سحمراني
(Essam Sahmarani)

2011 / 3 / 12
الادب والفن


كانت لحظة فريدة تلك التي ظهر فيها تأثير الحاكم زرياب إلى العلن، لكنّ أحداً خارج إمارة الشحوة لم يكتشف حقيقة الأمر، كعدد من المرّات النادرة، على مدار مئتي عام من عمر الإمارة.

والعلن هو سطح الأرض، الذي تتشكّل فوقه أجزاء كبيرة من العاصمة اللبنانية بيروت. فشعب الشحوة الذي يصل في عديده إلى بضع مئات من الأفراد لم يعرف سوى نمط واحد من الحياة، داخل كهوف وأنفاق متداخلة، لم تميّز ليلاً من نهار.

عاش أهل الشحوة طيلة أجيال بهدوء شديد، لا يقيم أيّ وزن لما يجري فوق سطح الأرض، من مجهول مدينة تشهد تغييرات مستمرة، وأقواماً يأتون ويذهبون، وأنظمة تتبدّل مع كلّ محتّل جديد، وصيغة حكم جديدة. ولم يكن هذا الحال ليشغل أحداً منهم فهم لا يعلمون إلاّ غموضاً ورهبة وتوجّساً.. وكفراً أحياناً عن تلك الحياة، ويتمنى بعض المهووسين من بينهم الخروج إلى فضاءاتها مجرّد تمنيات، فمن أين له هذا والقائد زرياب يحكم أهل الإمارة بتكليف من الله نفسه، كما حكم أسلافٌ له آباءهم وأجدادهم!؟

ما عاد مهماً سبب تلك الحياة المتكاملة تحت سطح الأرض.. وما عاد مهماً حقيقة حلول أول مواطني الشحوة فيها.. تلك حكاية الخلق لمن يعيشون فيها اليوم، تقوم عليها ديانتهم ومعتقداتهم. لا بل انّ أكثر من مذهب نشأ بينهم يتوحّد حول فكرة الخليقة تلك، وكيف اصطفى الله جماعة أولى حدّد لها معالم الحياة هنا.

وتتوفر أسباب حياة الإمارة الصغيرة عبر الرزق الذي يأتيها من آلهة السقف، من ثمار ومآكل تنبت داخل التراب. وفي مواسم معينة يأتيها ما يطلقون عليه "ثمار الجنة المنتظرة" عبر الشلال السقفي المقدس، يمدّهم بثمار عفنة جرفتها سيول كانون.

ابتعدت بساتين الإمارة كلّ مرّة مع تزايد البنيان في بيروت، وشحَّ سقفُها، حتى بدت نهايتهم قريبة لولا تعرّفهم بحقول جديدة بعيدة، باتوا يقومون برحلات موسمية إليها، فيتزودوا بمؤوناتهم ويعودون إلى الإمارة، دون أن يتغير نمط حياتهم المعتاد.

تستحوذ العبادة على كلّ أوقاتهم ولا يُستثنى أحدٌ في ذلك، حيث تنعدم الفروقات كلّياً بينهم، فجميعهم جنود في خدمة الله ومعابده. لا يعدمون حياة ولا يقتتلون في ما بينهم، ويستأنسون بمخلوقات أخرى تعيش بالقرب منهم، دون أن يسمحوا لها بالحياة بينهم، فالحدود موضوعة للجميع، من حيوان وطير وإنسان.

كلّ شيء في الشحوة من التراب والصخور وجذور الأشجار، فالأدوات المختلفة كذلك، والملابس أيضاً يجدلون لها خيطاناً من الجذور، ويرصّعونها بما يملكون من الأحجار اللامعة، من أزرق وأخضر وبرتقالي وأصفر وأحمر وأبيض. وتحمل الملابس الخفيفة بألوانها هوية الأشخاص، يتعرفون عليها من خلال أنوار خافتة تصل إليهم من وديان الآلهة المحيطة بمدينتهم، تعطيهم نوراً ودفئاً، وحرارة مرتفعة يعدّون فوق حممها موائدهم ويبتكرون احتياجاتهم. أمّا الأسلحة فلا لزوم لها أبداً، فهم من جهة لا يواجهون عدوّاً، ومن جهة أخرى فإنّ طاعة القائد زرياب من طاعة الله نفسه تقدّس سقفه.

كلّ ذلك كان رتيباً ويومياً، تمليه عليهم حياتهم التي يجلّونها ويقدسّون آياتها، حتى أتت الويلات الخارجية إليهم تصدّع السقوف بانفجاراتها المتعاقبة أعواماً متوالية طوالاً، لطالما صمّت آذانهم بضجيجها، دون أن تؤثّر إلاّ في انقلاب مواسم الحصاد لديهم.

في بداية تلك السنوات الطويلة كان احتكاكهم الأول -في عهد زرياب- بما وراء السقف، عبر ثلاثة مستكشفين أرسلهم، وكانوا معروفين بقوة احتمالهم الكبيرة. وصل الثلاثة بعد أيام عديدة من السير في الدهاليز، والحفر المتوالي، وتسلّق الأعمدة، إلى ساحة الشهداء في بيروت المدمّرة القلب، بعد حرب السنتين، ما جعلها أشبه ما يكون بإمارة الشحوة، في اختفاء المعالم وتكوّم الدمار كحيطان متراصفة من رمل وصخر. ولم يجدوا يومها في فضاء المدينة، التي وصلوا إليها ليلاً، أيّ اختلاف عن عالمهم سوى في الروائح النتنة التي لم يعهدوها تهبّ عليهم بشكل سريع ومتوالٍ، أثار الرهبة في قلوبهم، ما جعلهم يعودون سريعاً، خاصة بعد ما صادفوه من مخلوقات، لا اختلاف فيها عمّا لديهم من جرذان وخفافيش.

عاد الثلاثة بعدما كادوا يقتلون بقذيفة سقطت قربهم، وزادت الدمار تدميراً، وهبّت عليهم برائحة أطلقوا عليها اسم "رائحة الشيطان" حين أخبروا الحاكم عنها بخوف يتآكلهم. يومها أعلن زرياب للناس جميعاً، أنّ الله أعطاهم السقف ليحتموا من الشيطان الساكن خلف عالمهم، يتحيّن الفرص للوصول إليهم، ولا يجرؤ رغم كلّ جبروته المدمّر، وروائحه الملعونة.

ومرّت السنوات طويلة، حتى نسي أهل الإمارة تفاصيل تلك الرحلة، وبات كلام زرياب في ذلك اليوم، جزءاً إضافياً من عقائدهم يمارسونها في كلّ لحظة وكلّ ساعة.

وطيلة تلك السنوات، لم يتوقف الرحّالة الثلاثة عن مهمتهم في رصد تلك الرائحة تحسّبا وترقّباً، ونجحوا مراراً في الوصول إلى مخازن كبيرة وصغيرة، فيها ما فيها من أدوات متباينة الأشكال، مجهولة الإستخدام. وكان قرار زرياب في جمع كل تلك الادوات الشيطانية مهما طال بهم الأمد، ونقلها من مكامنها المختلفة إلى جهة اعتمدوها مكانا نهائياً لها، في القطب الشمالي الرطب.

ورحلة تلو الرحلة جُمعت الأدوات هناك، فشكّلت أرضاً ملعونة بأكملها تفوح منها رائحة الشيطان. وظهرت علامات الآلهة، ورضخ زرياب لمشيئتها، حين شقت دروباً إلى الأدوات الشيطانية وأرسلت من وديانها حمماً، تصهرها فلا تبقي منها شيئاً. وكان الدويّ الذي ضرب الشحوة بأكملها يومها، وأعادهم إلى ذكريات السنين البائدة، يهزّ أركان إمارتهم دون أن يوقع حائطاً أو يصدّع صخرة.

وبينما كان أهل الشحوة يردّدون صلواتهم، بوتيرة أسرع وصوت أعلى، كان العالم الخارجي يستعدّ لإنشاء محكمة دولية، تحدّد الجهة المسؤولة عن الإنفجار الكبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع