الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقرب ورجل عجوز

سليم مهدي قاسم

2011 / 3 / 12
الادب والفن


كتب انكيدو يوم امس على جهاز الايبود الذي اشتراه منذ شهرين من محلات فونا في مدينة مالمو السويدية ما يلي :

لم يَحدثْ الامر مصادفة ، كنتُ في طريقيّ الى دائرة الاجانب لإصدار جواز سفرٍ جديدٍ عندما وتوقفتُ الى جوارِ جثةِ رجلٍ عجوزٍ مات في احدى سهول بابل ، كان ذلك قبل 2450 سنة تقريباً ، وعلى ما اتذكر الآن فأنه كان يوم جمعة ، وكنتُ اقفُ لأنظر للطريقة التي يَموتَ بها الانسان وهو يَتعلقُ بجذعِ شجرةٍ ، كانتْ يده الخشنة تمسكُ لحاءً خشناً مثل لسانِ الثورِ لتفرك بها عُمْلَة معدنية مَرسومٌ عليها صورة لعقربٍ ، وعلى ما يبدو او هذا ما خُيلَّ ليَّ على الاقل ،فأن هذا العقرب هو الذي تسلق فيما بعد الى رقبة الرجل العجوز وحفرتْ ثقباً داخلها ثم نفثتْ السمّ الى الاعماق مع الدمّ ، ولأن الرجل لم يكن الأ عجوزاً فلذلك اعتقدتُ انه لم يُعان طويلاً بل مات بأسرع مما هو متوقع ، كنتُ قد شاهدتُ كل هذا وانا اقفُ محاولاً بكل طاقتي ان اتذكر أنني كان يجب ان اكون في زمن اخر ومكان اخر غير هذا المكان ، كنتُ قد تجاوزتُ عمارات كبيرة مزروعة مثل اشجارٍ بصورةٍ عشوائية على جانبي الشارع ، وثمة سيارات حديثة تترك اثراً في فتحتي الانف وصداع في الرأس كلما نفثت دخانها، ولكن صورة الرجل العجوز وهو يموتُ مازالت عالقة كلما تحركتْ عينيَّ لأنظر الى فتاة كانتْ تسيرُ اماميّ ، كان قد تحرك بنطالها الجينز من أَعْلى مؤخرتها وخرج الى العلن شقين يتحركان كأنهما يحاولان رسم نصف دائرة في الهواء ، ثم تخيلتني انزع بنطالها ثم انزع ملابسها الداخلية وانظر الى مؤخرها ، اقول لها انحني فتنحني ، واشاهد الثقب الاسود يتمركز في المنتصف تماماً ، وحينها فقط سأفكر من جديد الثقب الاسود الذي حفره العقرب في رقبة الرجل العجوز .
الرجل العجوز من المؤكد انه كان يسير في شارع الملك وأنه فكر ان كان باستطاعته مشاهدة الحكماء السبعة الذين يشبهون اياماً نحيلة وهم يطردون آلهة شريرة من الممكن ان تُعلّق بأرواحَهم ، ومن المؤكد أنه فكر ان كان باستطاعته مدّ يده الى احد الكهنة والحصول على تعوذيه تَقَيْتُه من قرصة العقرب ، وعندما اكتشف انه اليوم هو يوم ( نانسي أنّا ) الذي يعادل يوم الجمعة حسب التوقيتات الغربية حتى انعطف الى جهة اليمين وبعدها سار في شارع ( اورنمو ) الى ان وصل الى هذه البقعة من الارض ، لكنني لا استطيع الا ان افكر بالخاطر الذي مَرَّ مثل غيمة على رأسه وامطر دخله وجعله ينحرف الى الجهة الاخرى حيث البيوت الطينية التي تنتشر على جرفي النهر ، هذه البيوت تهدمت ثم اعيد بناؤها وتهدمت مرة اخرى واعيد بناؤها وقد استمر الحال هكذا على اطراف بابل منذ 3000 سنة والى الآن وبالإمكان مشاهدة هذه البيوت حتى الان وربما مشاهدة ذات الرجل العجوز الذي قرصته العقرب وهو يموت كل عقد من السنوات على اطراف النهر ، وقبل سفري من العراق في العام 1997 كنت قد مررت ببيوت مشابهة ولكنها هذه المرّة قد ابتعدت قليلاً عن النهر واصبحت تستجدي الماء من الحكومة سواء لأغراض الشرب او لأغراض سقاية المزروعات ، ولكن العقرب مايزال يدخل البيوت ويُرسم على عملات معدنية .
اقول ليس مصادفة لأنني انا الاخر كنتُ امسكُ عملية معدنية عليها صورة لعقربٍ ، وكنتُ انتظر أن ينتفضَ هذا العقرب ليتسلق بعدها الى رقبتي ثم ينفث السمّ ليُكون بعدها ثقباً اسوداً يشبه الثقب الاسود الذي في مؤخرة الفتاة السويدية التي تسير امامي .
لو ان عشتار تكون اكثر رأفة بي وتفتح لي بوابات العالم السفلي السبعة ؟ لخرجت من اجل ان التقط صورة فتوغرافية تريكم قرصة العقرب والحفرة التي في رقبتي قبل اكثر من 3000 سنة ، ولعرضتها لكم على الفسيبوك ؟
ولا اكتمك السرّ انني قد شاهدتُ في يوم امس في مظاهرات الشباب في ساحة التحرير ، جواد سليم وقد تسلق عقرب اسود ولدغ رقبته ، لقد كان حزيناً مثلي ويائساً مثل ثور تلقى الطعنة الاخيرة من مصارع الثيران .
هل كان جواد سليم يمسك هو الاخر عملة معدنية عليها صورة لعقرب ؟
اعتقد ذلك .

ملاحظة :
* نانسي أنّا : آلهة يوم الجمعة حسب التوقيت السومري .
* اورنمو : ملك اور - حامي الضعفاء والارامل والايتام .
* عشتار : آلهة العالم السفلي في الميثولوجيا السومرية .
* جواد سليم : فنان تشكيلي ونحات عراقي ، من اعماله نصب الحرية في ساحة التحرير في العراق .

من مشروع كتاب بعنوان : يوميات انكيدو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا


.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم




.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا


.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07




.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب