الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دارفور مرآة لازمة السودان

سامية ناصر خطيب

2004 / 10 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


السودان
دارفور مرآة لازمة السودان

ان قضية دارفور ليست قضية قبلية طائفية، بل قضية السودان باكمله: قضية التنمية غير المتوازنة والتوزيع غير العادل للسلطة والثروة؛ الامم المتحدة وصفت ازمة دارفور بانها من اسوأ الازمات الانسانية في التاريخ الحديث، ولكن العالم يتفرج.

سامية ناصر خطيب

ازمة دارفور التي اندلعت في السودان في نيسان 2003، حصدت حتى الآن ارواح 30-50 الف انسان، وشردت اكثر من مليون آخرين. عشرة آلاف شخص يموتون شهريا، في مخيمات اللاجئين بسبب المرض والعنف.
الحكومة السودانية التي تحكم بيد من حديد، تقوم بقصف قرى افريقية باكملها، وتسمح لميلشيات "الجنجويد" المسلمة باقتراف جرائم حرب ضد المدنيين الافارقة. وادى هذا لاتهام الحكومة بسياسة التطهير العرقي ضد الافارقة السودانيين. وتصف الامم المتحدة هذه الازمة بانها من اسوأ الازمات الانسانية في التاريخ الحديث، الا ان العالم يغض الطرف عن هذه المنطقة الفقيرة المنسية.
عدم الاستقرار السياسي هو الحالة الطبيعية في السودان، الذي تمزقه الحروب الاهلية الاثنية منذ استقلاله عام 1956. تعتبر السودان اكبر دول القارة الافريقية، اذ تعادل مساحتها مليونين ونصف المليون كلم2. يبلغ عدد سكانها 35 مليون نسمة، الاغلبية الساحقة، 70%، عرب مسلمون يسيطروا على مراكز القوة السياسية والاقتصادية في الخرطوم، و5% نصارى افارقة يتمركزون في الجنوب.
يقع اقليم دارفور غربي السودان، ويتألف من ثلاث ولايات يسكنها سبعة ملايين نسمة، وفق احصاء اجري عام 93. وخلافا للميزان الديمغرافي في السودان، تبلغ نسبة الافارقة بين سكان دارفور 60% تعتاش من الزراعة، فيما تبلغ نسبة العرب 40% تعتمد على الرعي.
في بداية الازمة اجتهدت الحكومة لاقناع الجامعة العربية بان ما يحدث في دارفور لم يكن سوى نشاط لعصابات لصوص وقطاع طرق. ومن بعدها ادعت انها حرب قبلية، وان السلطة تسعى لاعادة الاستقرار، وفي محاولة اخيرة لتمويه الامور زعمت ان وراء القضية هجمة صهيونية، تستهدف الاسلام والعروبة والثروات. في النهاية اعترفت بان هناك مشكلة امنية وسياسية، واعلنت استعدادها لاعادة تقسيم السلطة والثروات في البلاد.
قضية دارفور ليست قضية قبلية طائفية فحسب، انها تعبر عن قضية السودان باكمله: قضية التنمية غير المتوازنة، والتوزيع غير العادل للسلطة والثروة. شعارات المتمردين الذين يسمون انفسهم حركة تحرير السودان، تطالب ببناء سودان جديد على اسس اكثر عدلا ولصالح ازالة الغبن عن المناطق المهمشة واحداث تغيير جذري في كامل البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

جذور الازمة

تعود جذور الازمة للثمانينات، حين اندلع صراع مسلح بين قبائل الفور الافريقية المسيحية في الجنوب والقبائل العربية المسلمة. الحرب الاهلية بدأت عام 1982، ودخلت تصعيدا خطيرا في عام 1989 مع انقلاب البشير والترابي وفرضهما نظام الشريعة على السودان الذي يعيش فيه ملايين المسيحيين، الامر الذي ادى لتمرد الجنوب برئاسة جون قرنق، والمطالبة بالحكم الذاتي. ولم تهدأ هذه الحرب حتى توسع التمرد ووصل الى اقليم دارفور.
المسؤولون الحكوميون في دارفور يتهمون القبائل الافريقية في الاقليم بالتمرد على السلطة. وبالمقابل تتهم "حركة تحرير السودان" حكومة الخرطوم بدعم وتشجيع قبائل عربية في دارفور، لاجراء تطهير عرقي بحق جنوبيين افارقة لجئوا من الجنوب للاقليم. بعض هؤلاء لجؤوا من الجنوب بسبب الحرب الاهلية التي ادت للمجاعة. بعضهم الآخر ترك الجنوب بسبب الجفاف الذي ضرب السودان منتصف الثمانينات، وادى لنزوح القبائل التي تعتمد على الرعي، الى مناطق القبائل التي تعتمد في معيشتها على الزراعة. وقد رافق هذا التنقل احتكاكات بين القبائل نجمت عن التزاحم على مصادر الرزق.
الحكومة السودانية استغلت الفقر لتطبق سياسة فرّق تسد، فضربت القبائل العربية بالافريقية، وسلحت الميليشيات القبلية ضد الجيش الشعبي الذي تمرد في الجنوب. وبالاضافة الى هذا انشأت بنوكا اسلامية لتمويل القبائل التي تعارض المتمردين من الجنوب. ولقمع التمرد في دارفور انشأت ميليشيا الجنجويد المطالبة اليوم بتفكيك سلاحها، والتي تتحمل مسؤولية القتل والحرق والتطهير العرقي.
وقد كشف بول كوي بول مراسل صحيفة "سودانايل" (29/9) عن "ان نظام الجبهة الاسلامية بزعامة حسن الترابي الذي تقاسم الحكم بعد الانقلاب العسكري عام 89 مع عمر البشير (حتى عام 2000)، وضع مشروعا لحل مشكلة جنوب السودان. تضمن المشروع التطهير العرقي، من خلال اعلان الجهاد المزعوم في الجنوب ضد المواطنين الاصليين، حرق كنائسهم، سبي نسائهم وفتياتهم، استدراج اطفالهم وترحيلهم للشمال".
الكاتب السوداني ابو بكر القاضي كتب في نفس الصحيفة (27/9): "الحكومات المتعاقبة استغلت الخلافات العرقية كل مرة لتضرب جهة بالاخرى. فعندما انتفض الجنوب عام 83 استغل المركز في الشمال اهل دارفور في محاربة الجنوب نيابة عن المركز. وعندما توصل الطرفان الى عدم جدوى محاربة الطرفين لبعضهما البعض قرر اهل دارفور التمرد هو الآخر ضد المركز، الا ان هذه الفكرة أُجهضت".
التطور المهم جاء في اعلان "جبهة تحرير دارفور" و"جيش تحرير دارفور" في بيان لهما في 14/3/2003 عن تغيير اسميهما ل"حركة تحرير السودان" و"جيش تحرير السودان". في البيان اوضحت الحركتان ان هدفهما العمل مع التنظيمات الاخرى على بناء سودان ديمقراطي موحد على قواعد من العدالة واعادة توزيع الثروة، الحرية الثقافية والسياسية والرخاء المادي والمعنوي لكل السودانيين.
وقد كتب د. الشفيع الاخضر: "ان الصراعات القبلية في السودان تعدت طابعها التقليدي، وتحولت من مجرد تنازع على الموارد الطبيعية المتدهورة، الى تطلع مشروع نحو المشاركة الحقيقية في السلطة وفي صنع القرار السياسي والاداري ونحو اقتسام عادل". (سودانيز اون لاين، 26/9)

تدخل الدول العظمى

رغم اعتراف الحكومة بشرعية مطالب المتمردين، الا انها ردت بقمع التمرد، مستعينة بميليشيات الجنجويد. هذه الاخيرة التي يرجح ان يكون اصل تسميتها هو "جن على ظهر جواد"، قامت بسرقة وتدمير المنازل والمحاصيل والمواشي، حرق القرى وتشريد السكان.
منظمة حقوق الانسان العالمية اكدت من خلال بعثتها للتحقيق في الانتهاكات في دارفور، بان الحكومة السودانية ضمت ميليشيا الجنجويد للشرطة والجيش السوداني، واقامت 16 معسكرا في الاقليم، بعضها بادارة مشتركة للجنجويد والجيش.
انتقلت قضية دارفور من يد الحكومة الى مجلس الامن. وقد سن هذا الاخير قرارين رقم 1556 و1564، الاول ادان السودان وامهله 30 يوما لحل الازمة والسيطرة على الوضع الانساني المتردي، وتقديم المسؤولين عن الكارثة الانسانية للعدالة، ونزع سلاح ميليشيا الجنجويد. بعد نهاية المهلة في 30/8 الاخير، صدر القرار الثاني الذي يكرر عمليا نفس مطلب القرار الاول.
في بيان منظمة حقوق الانسان العالمية (27/9)، انه بالرغم من وعود الحكومة بتحييد ميليشيا الجنجويد وتجريدها من السلاح، الا ان شبكة واسعة النطاق من المعسكرات ظلت تمارس نشاطها، طوال الفترة التي كان من المفترض ان تسعى فيها الحكومة لتنفيذ وعدها.
تدخلت في الازمة دول عديدة، كل حسب علاقتها بالحكومة السودانية ومصالحها في البلاد، بدءا بفرنسا التي لها مصالح حيوية في السودان، ثم روسيا وحتى مصر والصين. وقد حاولت هذه الحؤول دون اتخاذ مجلس الامن قرارا بفرض عقوبات على السودان، نافية تهمة التطهير العرقي عن الحكومة.
اما الولايات المتحدة فتدخلت لصالح المتمردين السود في الجنوب، وطلبت فرض نظام عقوبات على حكومة الخرطوم. ويرى بعض المحللين ان دعم الرئيس بوش للافارقة في السودان ضد العرب، يأتي لكسب السود في حملته الانتخابية الوشيكة. ولا شك ان الانباء عن احتياطات النفط الضخمة في السودان ومعدن اليورانيوم النادر والعناصر المعدنية الاخرى، اسالت لعاب الغرب، علما ان امريكا كانت السباقة في التوقيع على عقود النفط في جنوب السودان. الامر المؤكد انه في ظل حكومة دكتاتورية ومتمردين موالين لامريكا وتلاعب الدول العظمى، لن تجد ازمة دارفور طريقها للحل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحديث جديد لهواتف -سامسونغ- يدرج -العربية- كلغة مدعومة بالذك


.. الاتحاد الأوروبي يتجه لاتخاذ قرار غير مسبوق بشأن الغاز الروس




.. قيادي في حماس: لا مفاوضات بشأن مصير قيادات الحركة أو أماكن و


.. كاميرا العربية ترصد الأوضاع في أحياء شمبات بمدينة بحري في ال




.. قوارب حوثية مفخخة في مضيق باب المندب لاستهداف السفن.. مسام ي