الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرعب الأبيض و عملية التشبيك الاجتماعي

بودريس درهمان

2011 / 3 / 13
حقوق الانسان


الرعب الأبيض في معناه التقني الإجرائي حسب الخبراء الدوليون المدافعون عن قيم و مبادئ حقوق الإنسان يتحدد في الحالة التي يمنع فيها السجان بأوامر من مرؤوسيه احد المعتقلين من الكلام و التواصل مع الآخرين لمدد طويلة من الزمن إلى أن يفقد المعتقل قدراته العقلية و يصاب بالهلوسة و الجنون. الرعب الأبيض هو بالضبط هذه الحالة من الهلوسة و الجنون التي يعيشها المعتقل بداخل الزنزانة.
فقط هؤلاء الخبراء الدوليون المدافعون عن قيم و مبادئ حقوق الإنسان لم يتخيلوا يوما أن هذه الحالة المجسدة في حرمان المعتقلين من الحديث و التواصل مع الآخرين قد تمتد إلى الناس العزل بداخل المجتمع و بداخل الحياة العامة. بل أكثر من ذلك هذه الحالة قد تمس حتى الجماعات البشرية و في بعض الأحيان المجتمع برمته. هكذا ففي لحظة من اللحظات يتحول المسئولون بداخل الدولة إلى سجانون و المواطنون إلى معتقلون بداخل الفضاء الرحب للحياة العامة.
الثورات الحالية التي تنتشر كبقعة الزيت على الصفحات البيضاء بداخل منطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط سببها الرئيسي كذلك هو انقلاب الرعب الأبيض على ممارسيه.
الرعب الأبيض الذي يمارس على بعض المعتقلين يدفع في لحظة من اللحظات باقي المعتقلين الآخرين إلى التضامن و إلى استنكار الوضع الغير إنساني و هذا ما حدث في منطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط؛ فلما انتفض المواطنون التونسيون على جلاديهم الذين كانوا يحرمونهم من الكلام و من المعتقد قال المصريون و الليبيون و اليمنيون و غيرهم لماذا نحن كذلك لا نثور في وجه جلادينا و نتفادى العيش في حالة الرعب الدائمة.
الرعب الأبيض المحدد دوليا في حرمان المعتقلين من التواصل و الكلام و الذي من الممكن أن يمس الأفراد و الجماعات بل حتى الشعوب بكاملها يتم تحقيقه بواسطة التشبيك المكثف للأخبار الكاذبة و المعطيات الزائفة إلى أن تتحول هذه المعطيات و هذه الأخبار إلى حقائق يعتقد فيها الجميع و يدافع عنها الجميع.
التشبيك المكثف هي تقنية سوسيو إعلامية من أجل التواصل ومن أجل حماية المجتمع من القوى الظلامية. التشبيك المكثف هو في الأصل انجاز من انجازات سوسيولوجيا الجماعات بواسطته يتم تحديد نوعية البناء الذهني للمجتمع و بواسطته يتم تحديد كذلك طبيعة التواصل العاطفي الوجداني بين كل أفراد المجتمع.
خبراء الإعلام و التواصل بالإضافة إلى علماء علوم الأعصاب و غيرهم، هم من كانوا وراء تأسيس هذا الفرع من السوسيولوجيا المدعو بسوسيولوجيا الجماعات غير أن غايات و أهداف هؤلاء الخبراء جد نبيلة و كانت تسعى إلى خدمة الفرد و الجماعات و المجتمع و من أفكار هؤلاء انبثق ما يسمى حاليا بداخل فضاءات الانترنيت بالمواقع الاجتماعية الافتراضية التي ساهمت منذ عشرين سنة تقريبا في تواصل و تفاهم المجتمعات.
المجتمعات التي تؤمن بالديمقراطية و حقوق الإنسان و ظفت التشبيك الاجتماعي المكثف من اجل مساعدة المواطنين على التواصل و التفاهم في ما بينهم، أما بداخل الدول التي يتم فيها توظيف العلم و المعرفة من أجل توطيد دعائم الرعب الأبيض فقد قامت بتوظيف عملية التشبيك الاجتماعي من أجل استعباد المواطنين عن طريق الاعتقاد في القضايا و الأخبار الزائفة. هذه الدول هي التي تعيش حاليا ثورات مكثفة لأن غايات العلم و المعرفة هي إسعاد المواطنين و ليس عزلهم و إقصائهم إلى أن يفقدوا قدراتهم العقلية و يصابون بالذهان و بالوسواس القهري.
الرعب الأبيض الذي يمارسونه في البداية على أشخاص محدودين و فئات محدودة من أبناء الشعب مع بروز الحقائق الاجتماعية و انتشارها و مع بروز الأزمات الاقتصادية و السياسية، ينتهون في الأخير إلى فرض الرعب الأبيض على كل المجتمع و مع المدة يكتشف المجتمع هذا الرعب الأبيض فيضيق بهم درعا و يفجر الثورات.
الرعب الأبيض هو نوع من التعتيم الكلي و نوع من الدرع الإعلامي و السياسي المزيف و نوع من النشاط الاقتصادي الريعي المزور الذي يدور في حلقات مفرغة إلى أن يصاب بالكساد و الانهيار كما حصل للاقتصاد الأمريكي قبيل مجيء الرئيس أوباما و كما حصل كذلك للاقتصاد التونسي بفعل تبني نظام من المضاربات المافيوزية و صلت مؤثراته إلى كل دول المنطقة بما فيها المملكة المغربية و الجمهورية الجزائرية.
عملية التشبيك الاجتماعي بداخل الدول التي تؤمن بقيم الديمقراطية و حقوق الإنسان هي دمغنة céphalisation المجتمعات حسب قيم و مبادئ حقوق الإنسان، أما عملية التشبيك الاجتماعي بداخل الدول التي تتحايل على قيم الديمقراطية و حقوق الإنسان فهي دمغنة المجتمع وفق آلية الإحساس الدائم بمؤثرات الرعب الأبيض الذي يجعل المواطنين يخافون من تناول قضايا بعينها و يدلون بتصريحات يعون جيدا أنها ليست التصريحات التي يودون الفصح عنها. يحدث هذا الإحساس بالرعب الأبيض الداخلي المستبطن لأبسط مواطن كما يحدث كذلك لأكبر سياسي و أكبر مناضل يسعى إلى تحرير المجتمع؛ لأن الرعب الأبيض أكبر مما يتصور و لهذا السبب كانت ردود الأفعال الثورية كذلك أكبر مما يتصور و قد تجسدت أفظع تجلياتها بداخل دول شمال إفريقيا في إقدام مواطنين عزل محرومين من أي حماية قانونية أو رعاية اجتماعية على إحراق ذواتهم.
الرعب الأبيض هو رعب الإنسان لأخيه الإنسان تماما كما اعتقد بذلك الفيلسوف الانجليزي طوماس هوبز خلال القرن السادس عشر حينما قال: "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان". أما الرعب الأسود فهو الزلازل و الفيضانات و انتشار الأمراض و الفقر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس...منظمة مناهضة التعذيب تحذر من تدهور الوضع الصحي داخل ا


.. الأونروا مصممة على البقاء..والوضع أصبح كارثي بعد غلق معبر رف




.. كلمة أخيرة - الأونروا: رفح أصبحت مخيمات.. والفلسطينيين نزحوا


.. العضوية الكاملة.. آمال فلسطين معقودة على جمعية الأمم المتحدة




.. هيئة التدريس بمخيم جباليا تنظم فعالية للمطالبة بعودة التعليم