الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيدات الفصول

رحمن خضير عباس

2011 / 3 / 14
الادب والفن


للسيدات فصول وازمان وأمكنة , ولهن حضور مهيمن وعميق في الحياة .يمتدّ بعيدا منذ طفولة البشرية الى اللحظة الراهنة . فثمة اشعاع من الأمومة والمحبة والإلفة والصفاء الروحي . تحت اقدامهن فردوس رائع , يختزل قطبي الحياة والموت . ( سيدات الفصول ) دخلن بتحدي واصرار , على شكل لمسات والوان , تضمُّ حيَوات إنسانية عريضة وعابقة بكل ما يحمله الإنسان من طاقات حميمة تشكّل اساسا جوهريا لوجوده . السيدات في كليري كورا في مدينة مونتريال , حيث تقيم الفنانة العراقية زينة المظفر معرضها المُسمّى ( سيدات الفصول ) في هذه المدينة الثلجية الباردة والتي تحتضن مزيجا هائلا من الأثنيات المهاجرة والتي انصهرت عبر عقود , لتشكل قبلة لعشاق الفن والأدب والمسرح .
حملت زينة ( سيدات الفصول ) من اوتاوة , حيث تُقيم , الى مونتريال . وكان الأفتتاح رائعا . والصالة تعبق بموسيقى الكمان من عزف وأداء فنانة اوكرانية , ابدعت في عزف بعض روائع الموسيقى العالمية . حتى استطاعت ان توائم بين جمالية اللون وعذوبة اللحن .
وكان الأفتتاح في الثاني من آذار , بحضور مميز على مستوى النوع , ولاسيما العنصر النسوي , وكأن ثمة احساسا بأن الأمر قد يعني المرأة قبل غيرها , لفحوى المعرض ولمبدعته . ولكن الشغف والرغبة في التمتع بهذا العمل المتميز انسحب على جميع الزائرين .
والفنانة زينة المظفر من مواليد البصرة . تخرجت من اكاديمية الفنون الجميلة / جامعة بغداد . اقامت معرضها الأول في مركز الفنون ببغداد ( حوار الطبيعة ) وكان ذلك قبل ان تهاجر , وكأنها من خلال ذلك المعرض ان تمنح بغداد قبلة الوداع . وحالما استقرت في كندا حتى استطاعت ان تتأقلم ضمن هذا المحيط وان تتحدى الكثير من المعوقات التي تواجه المهاجرين الجدد . ففازت بجائزة احسن تصميم اقامته بلدية اوتاوة العاصمة الكندية . وما معرضها ( سيدات الفصول ) سوى الأستمرار بهذا التحدي , والذي يشكل انجازا ليس للفنانة فحسب وانما لعموم العراقيين والعراقيات في المهجر الكندي .
لم تستطع الصالة ان تستوعب هذا العدد الكبير من اللوحات , فافترشن الطاولات او اتكأن على الجدران . وفي صوت متهدج ,ولكنه هاديء . تحدثت الفنانة زينة عن معرضها , بملاحظات سريعة , حادة ,ممتلئة,
عريضة المضامين . كانت جملها قصيرة وحافلة بالمعاني , عبرت فيها عن تجربتها في اطوار التحضير لهذا المعرض , والذي يعبر عن مضامين متشعبة , متشابكة , قد تلتقي احيانا اوتتعارض احيانا اخرى . تحدثت عن المراة كأنسان قادر على الخلق والعطاء . عن الأحلام والطموحات وكيفية المواجهة والتعامل والتوازن بين هذه العناصر .تناولت معاناة الخلق الفني التي تفرز ابداعا من خلال كيمياء اللون وايحاءات الفكرة . قالت :إن هناك قصة لكل وجه من وجوه السيدات . كما ان الفصول لها مغزى يتجاوز ماهو متعارف ففي كل لحظة فصل وكذالك في كل ساعة او يوم . فالزمن نسبي , لايتأطر بما هومتعارف , لذالك فقد حاولت ان تغوص في الطبيعة لإستنباط بعض معانيها , حتى تتحول اللوحة الى خيال او اسطورة . لكنها اكثر اقترابا من الواقع المرئي .
ولاشك أن العلاقة بين المرأة والفصول هي علاقة فلسفية شائكة . فالمرأةهي الأكثر تعبيرا عن فحوى التغيير , باعتبارها منتجة للحياة ,في تفاعلها المتواصل مع الطبيعة وعناصرها , لذالك فالفصول لاتُقاس بتفسيراتها الجغرافية بوصفها مساحات زمنية متعاقبة . فقد يتحول الفصل الى لقطة حياتية مشحونة بالأحاسيس, ويتحول الى طقس انساني يرافقه حتى في قناعاته .
لقد منحت الفنانة زينة المظفر لسيداتها جمالا اسطوريا , أناقة على مستوى التشريح للجسد , القامات السامقة التي تتطاول على اغصان الشجر , العيون الهائلة الأتساع المسكونة بسحر النظرات , تلك العيون التي تختزل التاريخ من الملامح السومرية الى اسطورة ( آفاتار ) . أما الجسد فقد كان نحيلا يحمل بهاءه بكبرياء , يختزن منابع الأنوثة , هذا الجسد الذي لايكتمل لأنه يذوب بهدوء في عناصر الطبيعة او انها تذوب فيه , احيانا يستحيل جزء من الجسد الى اغصان , او ان الأوراق تتحول الى فساتين مزدانة الألوان . ولقد استفادت الفنانة من ظاهرة طبيعية تتفرد بها الطبيعة الكندية في الخريف , وهي ظاهرة لونية ساحرة فالأوراق تكتسي اجمل الوانها قبل سقوطها . وهكذا فإن الجسد يتحول الى اسطورة وهو يتجانس بما حوله , ويقترب من صياغة معمارية لما يسمى بالنموذج الذي يلتزم بالعناصر التشريحية المتكاملة , بحيث تبدو السيدة كعارضة ازياء , فلا نجد سيدة بدينة او حتى ممتلئة . وهذا يؤكد على أن الفنانة تتطلع الى فكرة الكمال في منظوره الفلسفي , والذي يتضمن بعض المعاني الروحية ايضا , حيث أن الجسد الجميل وعاء لروح اجمل . وحتى ألأعناق المتطاولة تذكرنا بالتوصيف العربي القديم " بعيدة مهوى القرط " كناية عن طول العنق وجماليته .اضافة الى ذالك فإن ثمة تناسبا بين عري الجسد الأنثوي وكثافة الطبيعة المحيطة به والتي لم تبخل عليه بالعطاء . فهي تدثره وتكسيه وتغطيه وتحتضنه برفق حتى يتحول الى جزء منها .
وقد أكدت الفنانة زينة أنها مغرمة بالطبيعة ومسكونة بعناصرها حتى جعلت سيدات الفصول يذبْنَ في ملكوت الطبيعة / الأم حتى تُخال الجسد جزءا من الأوراق وألأغصان , وفي لوحة اخرى تذوب سيدة في غدير من الأوراق التي تشع بالألوان . كما انها كانت وفية في اسلوبها التعبيري عن البيئة الكندية التي تضجُّ بالجمال .فعكست الشتاء بكثافة ثلوجه وقد تجلى ذلك من خلال النسوة المتلفعات بالثلج وكأنه حجابا ابيض . بينما تبدو حيرة غامضة على وجوههن .
تنبض لوحاتها ببهرج لوني متجانس , وظفته بتقنية فنية رائعة , من اجل ايصال الفكرة الى المتلقي بحيث يتحول اللون الى لغة شعرية متدفقة . كما أن كثافة الألوان تبوح بما تكتنزه اللوحة من عواطف وافكار ومشاعر وعوالم خفية . وضمن هذه الرحلة اللونية الشاقة , ابرزت فنانتنا زينة مدى قدرتها على توليف الألوان لإنشاء بناء معماري متميز . فهناك الوان حادة وساخنة واخرى هادئة ووديعة . كل ذالك يأتي في سياق شروط فنية لبناء التواصل والأندماج بين الطبيعة / الأم وبين الأنسان /المرأة .
من خلال هذه العناصر كونت الفنانة زينة المظفر ثيمة لأعمالها وقد جسدت ذلك بقولها ( هي قصص ومشاهد التقطها طائر متمرد وهو يتحول في عالم الذات ..... التوقف والتأمل والتحاور والدخول احيانا مع القصة نفسها لنكون طرفا اخر حملتها الى موسمهن ..الى غابة اوسحابة , الى لون يشتعل داخل العتمة ..
الفصول هي المغامرة التي تعيشها كل امرأة مع ذاتها . حاولت ان امنح بهذه الجولة عطرا اخر ولونا متفردا ونكهة جديدة للفصول . )
كان للمعرض صبغة التحدي والأعتداد بالذات الأنثوية . فقد حملت الفنانة تطلعات وهموم المرأة , عواطفها , احلامها , مساحات الحلم في اعماقها . المعاني الخفية , القوة الأسطورية على الأصرار والتواصل والأرتباط بمعاني المحبة من خلال الطيور الوديعة التي تحط على الأذرع الممدودة . ولكن المرأة تبدو في مواضع اخرى ساكنة , حائرة , معلقة في الوهم , محاطة بعوالم غير اليفة .كما يتجلى ذالك في (رقصة الخوف ) التي تعبر عن حالة من الخوف الأزلي , في مواجهة عنف الآخر . كما اظهرت في لوحات اخرى حجم العاطفة المتأججة والكامنة وقد تكون لوحة ( عندما احبك ) من اكثر اللوحات التي عكست حجم الصراع الذاتي لدى السيدات . وهي الوحيدة التي استأنست بالمعادل الحياتي اي الرجل , ولكنها ذوّبته في زرقة متناهية . وحينما عبّرت عن استغرابي عن غياب ( الرجل ) في لوحاتها كانت اجابتها منطقية ( المعرض لسيدات الفصول فقط ) .
لقد كان معرض الفنانة زينة المظفر ( سيدات الفصول ) اضافة نوعية في مسيرة ألأبداع العراقي في المهجر . وارساءأ لمبدأ الأندماج الثقافي بين بين الهويات الأثنية المتعايشة في هذا البلد الجميل الذي يصر على مفهومي الأندماج والمحافظة على الهوية في آن واحد . وضمن هذا السياق قدمت زينة اعمالا مميزة تحمل جمالية اللون ونكهة الشعر .
أوتاوة في 13/03/2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر


.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق




.. خناقة الدخان.. مشهد حصري من فيلم #شقو ??


.. وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي وتشييع جثمانها من مسجد عمر مك




.. يا ترى فيلم #شقو هيتعمل منه جزء تاني؟ ??