الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة ( السفر الى وراء )

شاكر الخياط
كاتب ناقد وشاعر

(Shakir Al Khaiatt)

2011 / 3 / 14
الادب والفن


..الساعات النيسانية المشمسة ، تلك النسمات الربيعية كان لها مذاق طيب وهي تداعب اجفانه.. يحسها حين تمر عليه نسيما عليلا..اجفانه متلمسة خياله الشفيف وحسه المرهف..مرت ليست كما النسائم تغدو وتجيء..كالعاصفة مرت عابرة الى جهة اخرى لم يألف اتجاهها بعد ..تمنى لو توقف قلبه عن تلك الدقات في نبضه المضطرب، ليت الانفاس توقفت، ليت الشرايين لم تعد تنقل اكسير الحياة الذي تراخى شيئا فشيئا..لا خلايا تفكر..لا نبض يدوم بانتظام..انها الساعات الحرجة من عمر الكائنات..ساعات السفر..لحظات الرحيل..ليس ثمة سمة دخول او جواز سفر..تواجدك هناك يعني السفر..السفر بشكليه المتباعدين المفترقين فيما بينهما ..كل في جهة واتجاه..كما السماء والارض..سفر الى امام..واخر الى المجهول..الى حيث
لاوجود..لا كيان..لا ذات ولا كرامة..لا حياة..لا شيء سوى الشقاء..لا شيء سوى العناء على اديم الرحيل..
ينظر ..يتطلع في الماحول..يبحر في الماوراء..يتعامل مع الاجسام السابحة خلف المجال الاسود..وفوق المجرة ومجموعتها الشمسية..الافق والمدى المترامي والمتناهي الاطراف ليس له حد ولا قرار..الروح مفعمة بالمشاعر القلقة التي ماعرفت الاستقرار..الوجدان الدائم العنفوان..التشوف للرؤى..للاحلام..منها مالم يكتمل بعد انجاز دورته ودورها في الحياة..قصور شيدت في الهواء..ناطحات سحاب على رمال..
حرارة الامال تذيب لديه الجليد كما اذابت فورة دمه كل الشحوم والسمنة التي كانت تغطي عظامه حينما كان يبدو يومها بدينا نوعا ما..ينسرح البال كماء خرج للتو من بين فكي شلال متدفق من فوق جبل..يقف مخلوقا، عبدا طيعا باسطا بين يدي الله الرجاء،املا محملا بالدعاء..حينها لاحت اشارة..عله الصبح قد اهل..او قرص شمس ارتفع..لكنها غير ما كان يتمنى،.. سحب داكنة تلبدت فكانت جبالا على اجواء الذات..توقفت سواقي الذاكرة عن الجريان..عسر عليها الانسياب..في منطقة الظل يمكن له ان يستريح ويرخي اعصابه المتوترة حينا..لتسترخي معه العصور فتلقي بما حملت من ازمان مثقلة بالازمات ودوائر مغلقة ومنفتحة..تعود تلك العصور اسفة حزينة معتذرة تنظر اليه وهي تمر على شاشة حاسوبه بسرعة البرق التي لاتوصف..فيما بين الاضداد والمتناقضات ثورة على ارض من البناء المتقادم الاتي من عمق المجهول..هاهو امامه..بضعة امتار فقط وتلغى المسافات..امتار عن المنال..وعن الزوال من بقعة الوجود الذاتي للكائن الذي سينقل بعد لحظات من الحاضر الى اللاحاضر واللاكيان واللاوجود...
مابين الولادة والموت سر خطير..حظ وفير..تعس وبؤس ليس له حد او نهاية..موت فولادة فعيش فحياة..حياة فموت فزوال فضياع..
تتقافز متطايرة في حركة هلامية الابعاد مسميات والوان..تتجشأ المرارة في الوانها،خضراء، سوداء، بيضاء وربما لم يرها الصفراء..في الوجه المبتشر لفحوى الاشياء دلالات.. لا اصفر يخطر على البال..فالسفر دوما الى الامام..ديدن وحضور في لغة الانسان..ناموس لم يتغير بتغير قواميس المفردات..هو في لغة الصالحين الاخيار..في لغة الابطال هو الثابت..هو القرار..
موت من فوق الشط، سحب سوداء القت بغمامتها..ظلها الثقيل على شواطيء خضراء عامرة..عصارتها السوداء تمطر اليأس على الوادي المترامي الاطراف..لا ماء..لا شجر..يأس وظلام..شقاء..فراق وانين..
على بعد امتار يقف الموت..في اليد الاخرى بعض امتار من نجاة..حياة..بين الموت والحياة اشياء واشياء..الموت الذي يعرفه الابطال الاحرار..النجاة صارت هوية لغيرهم..اثمن ما في الموت هو الحياة..اتعس ما في النجاة هو الحياة ..حياتان لاتلتقيان..واحدة في عليين واخرى في الحضيض..في الشهادة حياة ..في النجاة والخلاص من الموت حياة، وشتان بين الاثنين..واحدة قمة والاخرى هباء..المحصلة العزوم..والفرق هو العزوم..الشجاعة والتضحية والوفاء هو الصعود الى امام..الارتداد وامتطاء السهل والهوان هو البعد الاخر غير الجغرافي للوراء..لاذات مستقرة ولا ثبات..على شفة القرار، كان الاختيار..بين ان تعيش وان تعيش..وبين ان تعيش وان تموت،وانت حي، فاصلة قصيرة كما الزمن..وبرهنة عالية في برهة من الوقت للتفكير ان كان هناك متسع من الزمن للتفكير.
بين اكوام الصخور المتناثرة في تراكمها هنا وهناك..توخزه اشواك تيبست بعد ان طلقها الماء منذ حين .
اين هو الان ؟..ينتبه ! بينه وبين الله رصاصة واحدة ..بينه وبين الحياة اشارة..اشارة استسلام.
لا.. مستحيل..
عبثا يحاول التفتيش في بندقيته، بحثا عن رصاصة واحدة يشفي بها غليله..هو يعرف ان بندقيته قد التهمت ما القمت من عتاد حتى جاءت على اخره..لقد كانت بندقيته وحدها جبهة كاملة برمتها..قبل ان ينفد عتاده، كانت كل اطلاقة اطلقها قبل ساعات انتفاضة لصد العدوان..لم تذهب اطلاقة واحدة سدى..لكن الامر حصل.
كلما ادار وجهه كقرص زهرة عباد الشمس..كان هناك من ينتظر..لاجدوى..لعن حظه..تأسف كثيرا..ماذا تراه ان يفعل..؟
لا وقت، فالمصير الموعود قد اقترب..نفض يديه مما علق بها من تراب بعد ان اخفى بندقيته..
هاهم يطوقونه..ويطوقون موضعه دون ان يحس به، او ينتبه اليه احد منهم.
التفاتة الى الوراء..عل الجسر بين الضفتين لم ينقطع بعد..الحظ الوحيد للامداد..عل هناك من ينقذه او يعينه على الخلاص..لا مناص!! هو الوحيد المتبقي من جملة من لقي مصيره من رفاقه..عيارات نارية تنطلق عشوائية الاهداف..التمشيط ..ظل يسمع عنه كثيرا ايام التدريب في ثكنته منذ زمان..ها هو الان..يراه بام عينه..سيكون على جسده مارا لا محال..يبتلع ماتبقى من لعاب في جوف فمه المتيبس..قبل ان يستعيد انفاسه التي غابت عنه واضطرب نظامها..كانت عيون اطفاله امامه تلتمع..وجه زوجته، حبيبته امامه بثغر مبتسم..وشفتان لم تمسا منذ انتهاء اخر يوم من اجازته الاخيرة..امه الحنون ترقب الطريق بانتظاره..المقاهي والقباب الخضر التي امتلات بها ذكرياته..كشريط سينمائي يمر امامه سريعا كسرعة العصف الذي سد اذنيه ..قبل ان ينتبه الى اين تنظر عيونه..فوهة كانت قد صوبت نحوه.. وقع نظره الى اعلى.. عيون مستقرة متوقفة عن الحركة وعن الدوران، كانها رصاصات سوف تنطلق لتفقأ عينيه، اشارة له بالنهوض..عرف حينها ان القدر قد وقع على ما سيجيء..انه الان على المفترق.. ايقن انه موعد السفر..وانه مسافر بلا ادنى شك..ولكن..الى وراء..!!!
* * * * *








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام


.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي




.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب