الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإيقاع المسرحي في عرض خارج الزمن

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2011 / 3 / 14
الادب والفن


لا تكتمل المتعة الجمالية في العرض المسرحي من دون اكتمال عناصره الأخرى، وهذا الأمر يدفع القائمين على العملية الجمالية داخل منظومة العرض إلى مراقبة العناصر التي تتحرك في فضاء الخشبة والتي يمكن تقسيمها إلى قسمين، أحدهما بصري والآخر حسي، ويشمل الأول علامات بصرية تتحرك داخل هذه المنظومة في تتابع للمشهد المسرحي، أما الثاني فيتمثل بالمحسوس على خشبة المسرح، ويعد الإيقاع أحد أهم عناصره المتجسدة داخل فضاء العرض. وفي قراءة للإيقاع في العرض المسرحي لابد لنا من الإفادة من عرض مسرحي قدم في بغداد مؤخرا وهو يحمل عنوان (خارج الزمن) ومن إنتاج ستوديو الممثل بالتعاون مع دائرة السينما والمسرح ومن تمثيل نخبة من الفنانين العراقيين، ومن إخراج الفنانة روناك شوقي.
للوهلة الأولى لابد لنا من الوقوف طويلا أمام فريق هذا العرض سواء المشاركين في التمثيل أو الفنيين، ويعود ذلك لكونهم من الجيل الفني المهاجر عن هذه البلاد لظروف شتى، واليوم إذ يقرر هذا الفريق تقديم عرض مسرحي على خشبة المسرح العراقي فإن ذلك يدعو إلى التفاؤل.
إن تقديم عرض مسرحي أمام الجمهور العراقي ليس بالأمر اليسير، ذلك أن هذا الجمهور يمتلك مزاجاً خاصاً في التلقي، خاصة إذا كان مضمون العرض يمس جراحه التي خلفتها الدكتاتورية المقيتة والتي لم تندمل بعد، وكان لاختيار رواية (حفلة التيس) للكاتب (ماريو فارغاس يوسا) الحائز على جائزة نوبل، أهمية بالغة لما تمتلكه تلك الرواية من رسم عميق لشخصية الدكتاتور، حاولت المخرجة ومن خلفها فريق العمل استحضارها على خشبة المسرح، إلا أن السفن لا تبحر بالتمني، كما هو الحال مع هذا العرض، فإن سفن الإيقاع ظلت راكدة بلا حراك في بحيرة الخشبة، حتى ساد بيننا ذلك السؤال الذي امتد معنا طوال ساعات العرض الثقيلة. ونحن نبحث عن الإيقاع في هذا المشهد أو ذاك الفعل إلا أن العرض المسرحي بكل عناصره كان يسير عكس المتوقع من فرقة قادمة من المسرح الانكليزي، كنا نأمل فيها أن تضفي علينا قدراً من الدهشة وأن تمنحنا ساعات من الجمال نفتقدها بين حين وآخر نتيجة العزلة التي نعيشها عن العالم. وعلى الرغم من تلك العزلة الثقافية التي امتدت منذ تسعينيات القرن الماضي إلا أن الحركة المسرحية داخل العراق كانت تتواصل مع المسرح في العالم من خلال عدد من العروض المسرحية التي كانت تشارك في المهرجانات العربية والدولية، ومن جهة أخرى فإن زيارة عدد من الفرق المسرحية إلى العاصمة بغداد كان من أبرزها فرقة مسرح الرور الألمانية التي قدمت عروضاً لا تزال تحفر عميقاً في ذاكرتنا المسرحية، وبمعنى آخر بات المتلقي العراقي مطلعاً على أسلوب العرض في المسرح الأوربي بشكل أو بآخر، وكان ذلك واضحاً من خلال تفاعل المتلقي العراقي مع العروض الأجنبية، إلا أن عرض مسرحية (خارج الزمن) كان خارجاً عن زمن المسرح العراقي من جهة والعالمي من جهة أخرى، فإذا كانت الجذور العميقة التي ينتمي إليها فنانو هذا العرض عراقية خالصة؛ فانها بالنتيجة تنتمي إلى جيل مسرحي نكن له كل الاحترام، إلا أن التواصل مع المسرح الحديث في أساليب الإخراج والتمثيل هو ما يهم المتلقي العراقي وهو ما دفعنا إلى الحضور لمشاهدة هذا العرض الذي كان يكتشف الحركة اكتشافاً، في وقت كان المسرح العراقي في حراك وتفاعل دائمين مع التجارب العالمية ومحاولة تطبيقها، وبين إخفاق هنا ونجاح هناك استمر المسرح العراقي في التعرف على الجديد، حتى صار هذا العرض بعيدا جدا عن قناعة المتلقي الذي كان يطمح إلى رؤية معالجة جديدة ذات أبعاد جمالية وفكرية لشخصية تقترب كثيرا من شخصية دكتاتور هذه البلاد السابق.
وجدير بالذكر أن جميع شخصيات هذا العرض كانت منسجمة ومتناغمة فيما بينها ضمن نسق إيقاعي مرسوم بدقة متناهية ربما كانت المخرجة تنشد من وراء هذا الإيقاع الرتيب فكرة ما إلا أنها لم تصل إلى المتلقي حتى باتت كما الجنين في رحم الأم، وإذ نستثني من فريق العمل الممثل يحيى إبراهيم الذي انضم إلى هذا العرض في بغداد وقبيل تقديمه بأيام معدودات، إذ كان العنصر الأكثر فاعلية بين جميع الممثلين ويعود ذلك لمعرفته بحساسية التلقي عند المتفرج العراقي، الأمر الذي جعله يغرد خارج زمن العرض ليكون في الكفة الأخرى من ميزان التلقي، فالرتابة في الحوار والتكوينات التقليدية، صارت صفة هذا العرض بعد أن كانت تقبع في جهة تقابلها حركات سريعة جسّدها يحيى إبراهيم عبر شخصيته، على الرغم من قصر مساحة هذه الشخصية، ولا يعني هذا انسجام إيقاع الممثل الوحيد في العرض خللاً في عملية التلقي أو حصول نوع من عدم التناغم بين البيئة العراقية والبيئة الأوروبية التي قدم فيها هذا العرض ،ذلك أننا اشرنا إلى أن المتلقي العراقي سبق وأن شاهد عروضاً من المسرح الأوروبي وتفاعل معها وامتزج بإيقاعها حتى مع وجود عائق اللغة، أما في هذا العرض وعلى الرغم من أن اللغة العربية تعبر عن الحميمة التي نعرفها ونفهم كل معانيها، إلا أنها لم تتمكن من التواصل معنا حتى صار العرض يدور في دوامة لا نهاية لها حتى بات المتلقي يبحث عن جماليات العرض من خلال الإضاءة أو الفضاء إلا أن كل هذه الحلول لم تجد نفعاً في التواصل بشكل أو بآخر مع العرض، ليكون زمن العرض ثقيلا كما كان الدكتاتور ثقيلا وهو يجثم على صدورنا، ولم نتنفس الصعداء إلا برحيله عنا، كما أننا لم نتنفس الصعداء إلا برحيلنا عن عرض خارج الزمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟