الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقة بين التفاهم والتأزم

حسن الهاشمي

2011 / 3 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


بعيد سقوط الصنم عام 2003م والعراق مرّ بادوار كثيرة وهذه الأدوار ولدّت حالة فقدان الثقة بين المسؤول الحكومي والناس، وكلما كان جسر الثقة بين الطرفين ممتداً كلما كانت هناك شفافية في العمل وصيانة له من الآفات التي تعترض طريقه من قبل ضعاف النفوس في الداخل والخارج، وإن إبقاء الجماهير أسيرة لمسألة رأي من هنا ورأي من هناك وإعلام موافق أو إعلام مضاد ستزيد من حالة الإرباك والارتباك وستبقى عملية الضبابية في نفسية المواطن، ما يؤدي إلى اتساعها وتحويلها وبمرور الزمن إلى عواصف عاتية تجرف الأخضر واليابس وتجعلها بين عشية وضحاها قاعا صفصفا ولات حين مندم.
الثقة المتبادلة بين المواطن والمسؤول هي من أهم الأسس التي يعتمد عليها النظام الديمقراطي، وتمتد مساحة تلك الثقة لتشمل جميع أولئك الذين يؤمنون بالتغيير وإرادة الشعوب في تقرير مصيرها وحفظ الحقوق والواجبات لكل من المواطن والمسؤول.
ولكي تستقيم المعادلة في تفهم المشاكل ومحاولة التغلب عليها كل حسب موقعه وكل حسب ما يتمتع به من صلاحيات دستورية ودينية ووطنية وعرفية واجتماعية، فإننا وبأمس الحاجة إلى تمتين الثقة بين الكيانات السياسية المتضاربة في أفكارها وتوجهاتها ومنابعها الفكرية والثقافية من جهة وبين تلك الكيانات فيما بينها من جهة ثانية وبين الكيانات والمواطنين من جهة ثالثة، وهكذا فإن الثقة المتبادلة باستطاعتها أن تحل الكثير من المشاكل وأن تسيّر العملية السياسية وفقا لذلك بانسيابية واضحة، أما إذا فقدت الثقة بين جميع الأطراف أو بعضها فإن الأمور تتجه نحو التأزيم ولا نخرج من مشكلة حتى ندخل بأعظم منها وهكذا دواليك.
صحيح إن التجارب العالمية تؤكد إن سقوط الأنظمة الشمولية يخلف وراءه جملة من التراكمات التي تؤدي إلى إخفاقات مستمرة على الفرد والمجتمع, وصحيح إن الحكومة الديمقراطية الناشئة تعاني من مشاكل سياسية وتقاطعات بسبب حرية التعبير وممارسة الحقوق التي كفلها الدستور, وصحيح كذلك إن الإخفاقات التي منيت بها العملية السياسية تعتبر من الظواهر الصحية ومن علامات الوعي السياسي، ولكن لا ننكر هنا إن بعض الوزراء أو موظفي الحكومة الكبار عملوا بقصد أو بدون قصد إلى الإساءة للنظام الديمقراطي برمته من خلال عدم الإيفاء بالوعود التي قطعوها للمواطنين مما أدى إلى خلق حالة من عدم الرضا انسحبت إلى التشكيك بصدقية هذا المسؤول وبالتالي زعزعة ثقة المواطن بالنظام.
ولحل تلك المعضلة التي طالما رافقت العملية السياسية في العراق لابد من تبني مسألة الحوار وهي من المسائل المهمة والحضارية والتي ترفع أي إشكال، مع تبني فكرة الصراحة التي تقتضي أن يكون المسؤول صريحاً مع المواطن خصوصاً في الوزارات الخدمية والوزارات التي لها علاقة مباشرة مع المواطنين حتى نستطيع حل جزء من المشكلة، وإذا لم يكن المسؤول صريحاً ستتفاقم المشكلة أيا كانت وسنبقى ندور بحلقة مفرغة تبدأ ولا تنتهي.
وكل وزير عليه أن يفرد وقتاً كافياً ويبين ما هي سياسته في الوزارة؟ وما هي خطته الإصلاحية؟ ما هي مشاريعه المستقبلية؟ ما هي المعوقات التي تقف أمامه؟ هل هي تشريعية حتى يسمع البرلمان؟! هل هي تنفيذية حتى يسمع رئيس الوزراء؟! هل هي من كيانات أخرى حتى يسمع المتصدون؟! وهل هي خارجية وإقليمية حتى يكون المواطن على بينة من الضغوط الداخلية والخارجية؟! بعد ذلك يبدأ لقاء مفتوح مع الناس عن طريق وسائل الإعلام بشرط أن يكون الوزير صريحاً وواضحاً وواقعيا، وتدوّن ما دار فيها من مداولات ووعود ومداخلات، وتكون انتقادات المواطن ومطاليبه بذلك مستندة إلى أرضية صلبة قائمة على الواقعية والإمكانات بعيدة عن الشعارات والاتهامات، وتجعله أمام رؤية واضحة عما يدور حوله من ظروف وشرائط وقابليات، وإنه يضع جميع تلك الأمور بالحسبان قبل أن يوجه أصابع الاتهام لأية جهة.
والثقة عندما تكون سائدة بين المواطن والمسؤول يكون التعامل إزاء ما يعتور الناس من مشاكل تعاملا مبدئيا إنسانيا شموليا قائما على أساس المحبة والتعاون والخدمة، وهكذا تعامل أمير المؤمنين مع ذلك النصراني الذي بلغ من الكبر عتيا، حيث عمل طيلة شبابه لكي يعيش من ثمرة أتعابه ولكنه لم يدخر شيئا لوقت كبره وهرمه، ومع مرور الزمن فإنه فقد بصره، ولم يبق أمامه طريق للمعيشة سوى السؤال والاستجداء.
مر به الإمام ذات يوم فقال: ما هذا، ولماذا آلت إليه حاله إلى هكذا؟! ألا يوجد له ولد يتكفله؟! ألا يوجد له سبيل آخر يستطيع بواسطته أن يعيش أيامه الأخيرة عيشة محترمة تبعده عن السؤال؟ فقالوا يا أمير المؤمنين، إنه نصراني، ولقد كان قويا بصيرا، وكان يعيش من كد يمينه وعرق جبينه، والآن فقد قوته وبصره معا، وليس عنده ما يستطيع أن يقوت نفسه به، فلم يبق له إلا السؤال، فقال الإمام: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه، أنفقوا عليه من بيت المال.
الإنسان عندما يمتلأ طيبا وعدالة وكرما وشجاعة ينظر للأمور بمنظار واقعي وإنه يتطبع على صفات المحبة والإحسان وحمل تصرفات الآخرين على محامل الخير وعدم الظن بالسوء، وهذه الأمور تكون من طباعه وسجاياه دون تكلف وتصنع، وإذا انطلق أحدنا من هكذا أرضية صلبة فإنه يغرس الثقة في الآخرين ويكون أنموذجا حيا في تطبيقاتها على أفراد المجتمع، وأمير المؤمنين يمثل الصدارة في تجذير الثقة المتبادلة بين الأفراد شعوبا وحكومات، أقول الصدارة وأعني ما أقول حيث إنه يمثل الأبوة لشرائح المجتمع المختلفة، ولهذا سأل في القصة بما هذا وليس بمن هذا، إذ إنه يستنكر الحالة بغض النظر عمن يتلبسها سواء أكان مسلما أو مسيحيا أو من أية طائفة أو ملة كان، فما دام يعيش في المجتمع الإسلامي فهو مكفول، له ما للمسلم وعليه ما عليه، وإنه يستنكر وجود مثل تلك الحالات المشينة أيا كان الذي يتقمصها، وحري بنا اتخاذه ملهما إذا ما أرادنا حياة طيبة وعيشا هنيئا.
يتبين من خلال تلك القصة المعبرة أيضا مدى تجذر الثقة بين المسؤول الحقيقي ومواطنيه التي تكون الصداقة والمصارحة والمحبة من أهم مقوماتها، وليس غريبا أن ترفع تلك الخصال المتسامية الإنسان الصادق وتجعله نبراسا في العمل والعطاء والأسوة كما هو أمير المؤمنين، الذي شهد العدو قبل الصديق بفضله وعلوه وشموخه ومدى مصداقيته في القول والعمل، وإذا ما أردنا أن نسير على جادة الصواب لابد أن نقوض أركان عدم الثقة الضاربة أطنابها بيننا كمواطنين ومسؤولين أو بين المسؤولين أنفسهم، ونعمل حثيثا في البحث عن الفرص المتاحة والمساعدة في الخلاص من هذه المشكلة الهدامة, إذ لا يمكن التفكير في الوصول إلى خلق أرضية مناسبة للعمل الشفاف دون تحقيق الثقة بين المواطن والمسؤول في النظام الديمقراطي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف