الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعب مصدر السلطات ... والميدان سيد نفسه-

حسام أبو ستة

2011 / 3 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


لم يخطر ببال أي منا أن الانقسام الذي نشب عقب اقتتال الأشقاء في صراع غير مبرر على السلطة، سيستمر طوال تلك الفترة، هذا الصراع الذي جاء عكس التوقعات المتفائلة بإمكانية ترسيخ الحياة الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني، خاصة بعد نجاح العملية الديمقراطية الفلسطينية عام 2006م والتي أفرزت مجلسا تشريعيا فلسطينيا منتخبا، ومن قبله انتخاب رئيس للسلطة الفلسطينية، فكان الانقسام انتكاسة حقيقية لتلك التوقعات وتلك النجاحات التي بشرت بحياة مدنية وديمقراطية يستحقها شعب ناضل ومازال يناضل من اجل الحرية وتحقيق المصير.
رغم ذلك الصراع الذي هدم جميع القيم الوطنية والتي سادت لعدة عقود تجمع أطياف العمل الوطني الفلسطيني رغم التباين الشديد في توجهاتها ومعتقداتها، ملتفة حول ثوابت الشعب الفلسطيني متمسكة بجميع حقوقه، جاهدة في تحقيق أمله في التحرير والاستقلال، وفق المبدأ الراسخ في تاريخ العمل الوطني الفلسطيني "الوحدة في الميدان"، ورغم الاقتتال والانقسام الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء بل ودنسها، تلك الخطوط التي حرمت استباحة الدم الفلسطيني بيد الأشقاء والشركاء في الوطن والقضية وبطش الاحتلال، رغم كل تلك الانتهاكات الذي مارسها دون حياء مناضلو الأمس القريب، إلا إننا كعادتنا في وقت النكبات والنكسات والخيبات وزلات ذوي الأمر، أبقينا على تفاؤلنا في تجاوز تلك المحن العظيمة.

لم يكن تفاؤلنا من صنيع أحلام اليقظة التي باتت سمة تجمعنا في هروبنا من واقعنا المرير، والذي يصعب علينا تحمله ومعايشته دون اللجوء إلى الحيل الدفاعية التي أدمناها حد المرض؛ بل كان مصدره التالي:
أولاً: إن كل من حركتي فتح وحماس المتنازعتين على السلطة، واللتين تتمتعان بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني، أكدتا مراراً وتكراراً بأنهما لم يسعيا قصداً للانقسام، بل وسارعتا لإبعاد تهمة الانقسام عن نفسيهما، واعتبار ذلك الواقع المرير انقلاب على مكتسبات الشعب الفلسطيني، وبأنهما حريصتين كل الحرص على وحدة الشعب ووحدة الصف الوطني في مجابهة التحديات التي تقف عائقا أمام تحقيق قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، معتبرتين أن المستفيد الوحيد من الانقسام هو الاحتلال الإسرائيلي، كذلك إعلان كل منهما بأنها مستعدة لإنهاء الانقسام من خلال الجلوس على طاولة الحوار، للتوصل لحل جميع مسببات الانقسام ومعالجة جميع القضايا التي ترتبت عنه وفق منظور وطني خالص.

ثانياً: إننا كشعب فلسطيني يعيش في قطاع غزة والضفة الغربية، نملك مجلسا تشريعيا فلسطينيا وطنيا منتخبا قبل عدة شهور قليلة من الانقسام، يجمع في داخله نوابا عن جميع مناطق القطاع والضفة، كذلك نوابا عن معظم فصائل العمل الوطني، انتخبناهم وفق عملية ديمقراطية شهد العالم بنزاهتها، أنبناهم عن أنفسنا في معالجة قضايانا الوطنية، وفق ما يتمتعون به من قدرة على العمل الوطني والسياسي المنحاز لمصالح الشعب، رضينا لهم أن يتقاضوا رواتبا يكاد يكون مبالغا فيها بعض الشيء، لكن هنيئاً لهم ذلك، ويكفينا أن نشغلهم بهمومنا وأن ننصرف نحن لمعاشنا.

لكن، إن كان مصدر تفاؤلنا في تجاوز مرحلة الانقسام منطقياً ومشروعاً، فإنه للأسف لم يكن في محله، فقد تجاوزنا التفاؤل وقفزنا مراراً حد الابتهاج بقرب انتهاء الانقسام، وبعد فشل كل محاولة لإنهائه من اتفاق مكة السابق للانقسام، للقاء الفرقاء في اليمن، لجولات الحوار في القاهرة، لجلسات التشاور في غزة والضفة الغربية، لمفاوضات اللجان في دمشق، وصولاً للمبادرات الموسمية وغير الموسمية، شعرنا حينها بالنكسة تلو الأخرى تسقطنا على رؤوسنا مرة بعد أخرى علنا نستيقظ من أحلام نومنا ويقظتنا.
لم نكن كشعب فلسطيني المبادرين هذه المرة، لكننا كعادتنا أيضاً نجيد فن حياكة ثوبنا الوطني الخاص من نسيج عباءتنا العربية ولا نخرج عنها، فمن روح مبادرة الشعوب العربية للتخلص من أنظمتها الفاسدة، ومن جرأة شعارها "الشعب يريد إسقاط النظام"، استلهمنا فكرة المبادرة والتحكم في زمام الأمور، وخرجنا بشعارنا "الشعب يريد إنهاء الانقسام"، وهذا لا يعيبنا فنحن كثيرا ما غردنا وحدنا خارج السرب العربي الغارق في ملذات حيله الدفاعية، كما إننا دائما وأبدا حرصنا كل الحرص على أن نحافظ على العمق العربي للقضية الفلسطينية، ليس المساند فقط بل المشارك حتى أصبحت القضية المركزية للشعوب العربية، هي قضية الشعب الفلسطيني.
فمنذ اللحظة الأولى لاشتعال الثورة البوعزيزية في تونس، وتصاعد الاحتجاجات بميدان التحرير في القاهرة، بادر الشباب الفلسطيني في حمل راية الثورة، كأن لسان حاله يقول: ومن أجدر مني في أن يصنع لنفسه ثورة؟! ومن شباب 25 يناير اقتبس الوسيلة، وسجل على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" صفحاته التي رغم اختلاف أسمائها وهويات مدونيها، إلا أنها استطاعت أن تشكل إئتلافا يضم مئات الصفحات وعشرات الآلاف من الشباب المطالبين جميعاً بإنهاء الانقسام وإحياء النظام الفلسطيني وإعادة تهيئته بشكل يتناسب مع حجم التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، خاصة بعد اعتراف فريق السلام الفلسطيني، بأن إدارة الكيان الصهيوني لا ترغب في تحقيق السلام على الرغم من حجم التنازلات التي قدمها الطرف الفلسطيني، كذلك بعد أن أكتشف الداني من البيت الأبيض قبل البعيد عنه، بأن الولايات المتحدة الأمريكية ليست وسيطًا نزيها ولا بالطبع حليفاً للشعب الفلسطيني.
لذا وفي اللحظات الأخيرة التي تفصلنا عن انطلاق ثورتنا ثورة الشباب الفلسطيني ثورة الشعب يريد إنهاء الانقسام، ثورة إئتلاف شباب 15 آذار، وعمومها جميع مناطق فلسطين وتجمعات الجاليات الفلسطينية في الخارج ومخيمات الشتات، ولكي لا ننقلب مرة أخرى على مكتسبات الشعب الفلسطيني وشبابه الثائر، ولكي لانهزم أنفسنا مرة أخرى، فعلى جميع أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب تقديم استقالاتهم بشكل جماعي، لكي ينضموا لصفوف الجماهير الفلسطينية التي قررت بأن لا أحد مخول بأن ينوب عنها في تحقيق أهدافها، خاصة بعد أن شعرت بالملل من فشل وتكاسل ممثليها ونوابها في تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام، الذي دفعها للخروج بنفسها وممارسة حقها السياسي في التعبير عن أرائها وتحقيق مطالبها الشرعية، وأيضا على الوزراء في قطاع غزة والضفة الغربية، بأن يعلنوا استقالاتهم، تعبيراً منهم عن انحيازهم الكامل للشعب الفلسطيني الذي يطالب من خلال تعبيره العلني الديمقراطي الحر عبر الشارع هذه المرة، بأن كل المكتسبات التي جاءت عبر الانقسام لا تصب في صالح إنهاء الانقسام بل تعمل على تعزيزه وترسيخ معالمه ومفاهيمه مهما حاولنا مد الجسور بين الوزير والوزير.

وطالما أن "الشعب مصدر السلطات" وفق الدستور الفلسطيني، فأنني أدعو الشباب الفلسطيني الذي سيخرج إلى الشارع يوم 15 آذار، بأن لا يعود لممارسة نشاطه الاعتيادي خلف مقاعد الدراسة، أو باحثاً عن عمل يقصد منه معاشاً كريما أو مستقبلاً منيراً، حتى يختبر تلك المقولة الدستورية ويتأكد من مدى مصداقيتها على أرض الواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تتقرب سوريا من الغرب على حساب علاقتها التاريخية مع طهران؟


.. حماس: جهود التوصل لوقف إطلاق النار عادت إلى المربع الأول




.. هل تنجح إدارة بايدن في كبح جماح حكومة نتنياهو؟


.. الجيش يوسع عملياته العسكرية على مناطق متفرقة بشمال قطاع غزة




.. مقتل العشرات في فيضانات جرفت قرى بولاية بغلان بأفغانستان