الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين قلعة - جواد سليم - ودُعاة العمامة

عادل الخياط

2011 / 3 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



عندما تنظر بمنظار تاريخ الفن العراقي ومدى علاقته بمخاضات العراق السياسي , ثم تركز على " نصب الحُرية " و " جواد سليم " سوف تجد تلك العلاقة الحميمة بين الفن كمضمون إنساني وبين مقارعة الظُلم كفرض إنساني حتمي .. ومن دون مراء ان الفنان العراقي قد وصل إلى تلك المرحلة من النبض الفني من خلال تواصله مع الفن العالمي الذي أفصحت الكثير من نتاجاته عن قيم الإنسان بوصفه كائنا مُتحررا من قيود تفرض عليه من الكثير من شبكات أشبه برساميل إلهية مفروضة ولا بد من تنفيذها على الجنس البشري وفي الختام تُكسر كواقع تفرضه إرادة الإنسان المقموع , وأن مفهوم القيد المفروض من نواب الآلهة على الأرض ليس بالضرورة أكبر قوة من طبيعة الكائن البشري في سعيه الحثيث نحو الحُرية !

ومن ذلك , فإن العمامة لا صلة لها بتلك الصيرورة والسيرورة .. فمثل " جواد سليم " كان ينظر من منظار العبودية إلى " قيود سبارتكوس " ومن منظار فداحة العقل الإجرامي الفاشستي إلى مأساة الـ جيورنيكا , وبعين فاحصة ذكية إلى سقوط زيف التشويه الكنسي لتطلع الإنسان نحو التحرر بوصفه خاضع لسفسطات الغيب الذي تنوب عنه وصايا الإكليروس .. والبديهي أن تسفيهات العمامة التي نشهدها اليوم هي نسخة ضوئية غير قابلة لكل الترقيعات للإكليروس المسيحي الذي تَنفذَ في حياة الأوروبيين لأكثر من ألف سنة !

تسفيهات العمامة عن الحركة الشعبية التي إنطلقت شرارتها قبل إسبوعين تتماثل قلبا وعينا مع بوادر الإنكفاء الأوروبي عن سلطة الكنيسة الجهنمية , عندما بدأت مشاعر رجالات الأكليروس تتناغم نفاقا مع سطوع الفلسفة اليونانية في فضاءات أوروبا القرون المُظلمة وإنسياق الإنسان نحو تلك الفلسفة , حيث يصف " ديورانت " في مُؤلفه " قصة الفلسفة " ذلك الواقع من خلال نفاق " توما الأقويني " وغيره بالقول :
" ولكن سلطة الكنيسة كانت لا تزال قوية لتأمين نفسها عن طريق " توما الأقويني " وغيره بتحويل فلسفة " أرسطو " إلى فلسفة إلهية للقرون الوسطى , ولم تكن نتيجة هذا حِكمة بل خُبثا ومكراً لأن فطنة الإنسان وتنقله كما يقول " فرنسيس بيكون " تحمله على البحث وُفقا للموضوع ومادته وبذلك يكون معيناً , ولكن عندما يعمل حول نفسه , كما يصنع العنكبوت نسيج بيته , عندئذ يكون عمله عقيما يدور في دائرة لفافة , وينسج نسيجاً من العلم يستحق التقدير بسبب جمال الخيوط وصنعها ولكنه نسيج مجرد عن اللب والفائدة ."

وهذا ما حدث ويحدث منذ ثمان سنوات , كل ما صدر عن العمامة العراقية بخصوص الشأن العراقي كان عبارة عن سلسلة من النفاق والتمويه وعدم الموضوعية والشد والجزر والضحك على سذاجات الناس , والأكثر خطورة هو إثارة النعرات الطائفية والعرقية , سواء بشكل مفضوح وعلني أو بصُور مُبطنة , والوقائع متوفرة في الأرشيف ولا موجب لتوسيخ بياضات جديدة بسوادها الكاربوني , لكن أكثرها وساخة , والتي أثارت فيما بعد التناحر الطائفي الذي خلف الإحتراب والتهجير والكره والتآمر و و , أكثرها وساخة هي تأييد مرجعية النجف للتحالف الطائفي في إنتخابات 2005 , والتي أصبح العراق على أثرها " ولاية فقيه " غير مُعلنة , وبمباركة تلك المرجعية الفجة , أو تحت غطائها إنطلقت الحشود في لصوصية وسقوط ذمم وإنحدارات أخلاقية لم يشهد لها التاريخ مثيل , ليسقط العراق نتيجة ذلك في متاهات ظلامية لم يشهدها تاريخه حتى بعد سقوط بغداد تحت حوافر المغول سنة 1258 , ولا مبالغة في الوصف , ولو أراد أحد المنافحين والنافخين في البوق إثبات عكس ذلك سوف ندخل الموسوعة لنحصي كم من أساتذة الجامعات قُتلوا وكم من العوائل هُجرت وكم من النفوس زُهقت وما هي أعداد الذين ماتوا جوعا , , وما مديات التزوير التي حدثت , ومن هم المسؤولين عن كل ذلك , وكم عدد المثقفين الذين أغتيلوا ولا من أحد يكترث , وما هو مقدار الأموال التي سُرقت وتُسرق , ومن هو المسؤول , وكيف يتم الإزدراء بالناس على مرئى من .. وما هي مديات الفوضى التي تحكم هذا البلد , وما مقدار الحرص لمسؤولي هذا البلد إزاء هذا البلد وعباده , وما مديات السعي الحثيث للمؤسسة الدينية لأسلمة هذا البلد , وهل بالفعل تم القضاء على الميليشيات الدينية , أم هناك أسلحة متوارية وبعلم السلطات الحاكمة , بالضبط على وتيرة سلاح حزب الله الإيراني اللبناني المُخبأ في أنفاق لا حصر لها ( يعني , تستطيع أن تقول ستراتيجية إيرانية لفرض واقع قمعي بقوة السلاح , على سبيل المثال : لو تمكنت الحركة الإحتجاجية اليوم في العراق على تغيير الخريطة السياسية مع مرور الوقت فثمة إحتياطي بلطجي بحوزة ذوي الإتجاهات الدينية , ونحن نراهن على المستقبل إزاء تلك الرؤية , ونرجو أن يكون ذلك في مُخيلة القارئ والمتابع ) و.. و .. وتطول القائمة في بلد الإنسان الرخيص , لا يوجد مادة في الكون أرخص من الإنسان العراقي !

واليوم , اليوم بالذات , بعد إنفجار ساحة التحرير بالجماهير تعود ذات الوجوه الصدئة إلى الواجهة , والطريف من خلال ذات الوسيلة القرقوزية : العباءة والصلاة .. فما معنى أن تُفرش سجادات الصلاة في ساحة التحرير وقبالة نصب الحُرية ؟ أين صلة الربط بين " نصب " له إمتداد بالفن العالمي المُقترن بتحرر الإنسان من أي قيد مهما كان شِكله وماهيته : أيديولوجي أرضي أو سمائي وبين سيد فلتان الذي مات في العصر الغير مُسمى؟ .. هل الديني له تأويلات للفن غير تلك التي ألغت مادتي الموسيقى والمسرح في مؤسسات العراق الأكاديمية والتي أزالت كل المنحوتات كونها تماثيل مشابهة لـ " اللات والعُزى وهُبل " ؟ هل مثل الوزير " سميسم " التابع للتيار الصدري من الممكن أن يفهم مفردات المتاحف التي تعكس كفاح الإنسان في شعاب التاريخ من أجل إيجاد الوسائل الواقية من ضراوة الطبيعة القاسية ؟ هل يفهم مثل هذا لماذا يجتهد عُلماء الجيولوجيا في إيجاد حوافر يعود تاريخها لمليون سنة مضت ؟ وهل .. وهل .. ولذلك ترى مدير الآثار الفلاني العراقي هرب إلى بلد آخر قبالة جهل " سميسم " .. وبالطبع أن جهل " سميسم " لا يعني " سميسم " نفسه , لا يعني " سميسم بالذات , إنما يعني في أوسع عماماته : رؤية المؤسسة الدينية عموما للواقع الحضاري الإنساني على هذه الأرض !
لقد قلت ذات مرة نقلا عن " محمد حسين فضل الله " إن عملية الإسراء والمعراج غير منطقية عقليا أو علميا , وإن العملية تمت روحيا وليس جسديا " لكن المصيبة الكُبرى إن مثل هذا القول يلغي بالكامل القدرة الإلهية على الخلق من منطلق : كُن فيكون " .. إذن لماذا هذه الإزدواجية في السلوك !؟ شخص مثلي لو كنت أؤمن أن مُحمدا الرسول أسري به جسديا , سوف أقولها كما هي من خلال إيماني بقدرة خارقة تُسمى الإله , أما إنني ألف وأدور , فماذا يبقى إذن من قوة الإيمان تلك ؟! يظل فقط النفاق هو سيد المواقف !
ومثل تلك الرواغات هي التي تحدث اليوم في ساحة التحرير من خلال المؤسسة الدينية التي دمرت حياة العراقيين من خلال جميع أساليبها اللصوصية والنفاقية .. فالعمائم لم ولن تعي ماذا يعني كسر القيود في نصب الحرية , المُتفسخ دينيا لا يمكن أن يعي معنى الأمومة في المعيار الحياتي - مثلما يقول أحدهم : لا علاقة لنا بأطفالنا وذوينا , لأننا نطمح إلى الفردوس الموعود !!- وعلى هذا لا بد أن نصرخ نحو ذلك العالم بالقول :

أيها العالم , أيها العراقيون في ساحة التحرير تذكرو جيدا إن الذي يحكم العراق اليوم هو مُؤسسة دينية بعيدة مليون سنة ضوئية عن القيم الإنسانية العظيمة لنصب " جواد سليم " نصب " الحُرية الخالد "










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA