الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جودت الملط وعصام شرف: كبرياء العتاب.. ونبل الاعتذار

سعد هجرس

2011 / 3 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


بصوت يقطر مرارة وحسرة، وتخنقه العبرات، تحدث المستشار الجليل الدكتور جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات إلي فضائية »الحيام اليوم«، رداً علي تصريحات صحفية اتهمته بــ »التقاعس« عن كشف وقائع الفساد التي انتشرت ــ كالسرطان ــ في ظل النظام السابق للرئيس المخلوع حسني مبارك.
وفي سياق رده قدم الرجل ما يشبه بــ »كشف حساب« للأعوام الاثني عشر التي تولي فيها رئاسة هذا الجهاز الرقابي المهم، مشيراً إلي أنه قدم 2000 تقرير تحتوي علي مخالفات جسيمة وملاحظات جوهرية علي أداء حكومتي الدكتور عاطف عبيد والدكتور أحمد نظيف، تم إرسالها إلي رئاسة الجمهورية، والحكومة، ومجلسي الشعب والشوري.
لكن كل هذه الجهات وضعت هذه التقارير علي الرف ولم تبحث ما ورد فيها من انتقادات وملاحظات ومخالفات صارخة، مؤكداً أن مجلس الشعب ــ علي سبيل المثال ــ لم يبحث سوي 10% من هذه التقارير.. وكان تناوله لها تناولاً شكلياً ينتهي في كل الأحوال بالجملة التقليدية »الانتقال إلي جدول الأعمال«، وهو التعبير »المهذب« عن إهمال كل ما جاء في هذه التقارير وإلقائها في سلة المهملات، رغم ما تحتويه من تحذيرات ومن أمور بالغة الخطورة، منها علي سبيل المثال كيف وصل الدين الداخلي في السنة المالية 2009/2010 إلي 888 مليار جنيه، وكيف وصل صافي الدين العام إلي 1020 مليار جنيه، أي إلي 5.89% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مخيفة بكل المعايير، ونتائجها علي الاقتصاد الوطني وخيمة.
كما احتوت التقارير وقائع لا تقل خطورة عن ملفات ملغومة عديدة أخري، منها ملف الخصخصة وملف أراضي الدولة المنهوبة.. مشيراً ــ علي سبيل المثال ــ إلي كشف تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات أن الأراضي التي تم تخصيصها لحفنة من المحظوظين و»المحاسيب« بأسعار رمزية ــ بحجة الاستصلاح والاستزراع خدمة للأمن الغذائي ــ قد تم استغلالها في بناء منتجعات وملاعب جولف.
فماذا فعلت الحكومة بعد الوقائع الدامغة التي كشفتها تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات؟!
كل الذي فعلته أنها فرضت »غرامة« علي هؤلاء المحاسيب المحظوظين قيمتها 47 قرشاً عن كل متر، تسدد بالتقسيط علي خمس سنوات.. فيالها من غرامة رادعة؟!!
* * *
هذه المعلومات التي جاءت علي لسان المستشار الدكتور جودت الملط محزنة جداً، وهي في حد ذاتها كانت كافية لاندلاع ثورة ضد نظام كان يمثل في حقيقة الأمر تحالفاً بين الاستبداد والفساد.
لكنها ليست معلومات جديدة، فقد رصدناها وأشبعناها بحثاً وتحليلاً وبالذات في الأعوام الأخيرة من عمر النظام السابق.
بيد أن هناك فارقاً كبيراً بين أن تأتي علي لسان رئيس أهم جهاز للرقابة وبين أن تأتي علي ألسنتنا نحن الكتاب والصحفيين.
فضلاً عن أن ما شدد عليه المستشار جودت الملط يبدد تلك الأوهام والخرافات التي يروجها البعض في معرض الدفاع عن الرئيس السابق حسني مبارك، ونظامه المتداعي، حيث دأب هؤلاء علي الزعم بأن مبارك لم يكن علي علم بحجم هذا الفساد العظيم.. وهو زعم خائب لأن الرئيس السابق إذا لم يكن يعلم فتلك مصيبة عظمي، فما بالك وأن ما قاله جودت الملط يعني أنه قد أحيط علماً بكل كبيرة وصغيرة في هذا الملف الذي باتت رائحته تزكم الأنوف، ولم يفعل شيئاً رغم استلامه ألف تقرير من الجهاز المركزي للمحاسبات بــ »علم الوصول«!!
* * *
وما قاله المستشار الجليل بهذا الصدد يبين كيف تغلغل الفساد وأصبحت له الكلمة العليا.
لكن الجانب »الذاتي« لا يقل دلالة عن ذلك الجانب »الموضوعي« الذي ذكره الدكتور جودت الملط.
والجانب الذاتي الذي نقصده هو ما ورد علي لسان الرجل ــ بشعور عميق بالحرج الممزوج بإحساس أصيل بالكرامة واحترام الذات ــ حين أشار إلي أن مرتبه الشهري بعد 43 عاماً من العمل في أرفع مناصب القضاء ثم 12 عاماً من العمل في قمة أهم جهاز للرقابة في مصر لا يزيد علي عشرة آلاف جنيه!! (قارن ذلك بالأرقام الفلكية التي نقرؤها والتي تعد بالملايين شهرياً التي يتقاضاها صغار كبار وكبار صغار البيروقراط وحتي بعض الصحفيين في مؤسسات صحفية »قومية«!!).
وإذا كان هذا هو راتب الرجل، فلا عجب أن نعلم أنه يسكن في شقة بــ »إيجار قديم« مساحتها لا تزيد علي 120 متراً (قارن ذلك بثروات المسئولين في النظام السابق التي تقدر بالمليارات، والقصور والشاليهات التي بلا عدد والتي حصلوا عليها بطرق مشبوهة ومع ذلك لم يقترب منها ومنهم أحد مع أن سيرتها وسيرتهم كانت علي كل لسان).
* * *
وبدلاً من أن يجري تكريم المستشار النزيه علي طهارة اليد في عصر أصبح فيه خراب الذمم هو القاعدة، تم تجريحه والإساءة إليه بصورة تفتقر إلي الموضوعية والعدالة.
ولذلك.. كانت لفتة نبيلة من الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء أن يسارع بمداخلة تليفونية علي الهواء يطيب فيها خاطر المستشار جودت الملط بكلمات مفعمة بالصدق والعرفان بقدر الرجل، والاعتذار عن أخطاء وخطايا وتجاوزات ليس هو نفسه مسئولاً عنها.
* * *
وخلاصة القول.. إن الثورة ــ أي ثورة ــ يكون لها أهداف أساسية، من بينها وأهمها القضاء علي الفساد ورموزه والسياسات التي توجد المناخ الذي يترعرع فيه.
ومقتل الثورة ــ أي ثورة ــ أن يختلط الحابل بالنابل، وتتعثر الخطوات، ويفقد الثوار الاتجاه، وأن يسيروا مغمضي الأعين وراء نافخي رياح الثورة المضادة الذين لا يتورعون عن الكيد للشرفاء وتلفيق الاتهامات لهم.. ليس فقط لتصفية حسابات قديمة أو ربما حسابات شخصية، وإنما أيضاً لصرف الأنظار عن الفاسدين الحقيقيين الذين نعرف بعضهم بالاسم لكننا لا نعرف معظمهم ولا نعرف خريطة طريق شبكة علاقات التآزر الوظيفي الخفية التي تربط توليفة مذهلة من أرباب السياسة والبيزنس والصحافة والإعلام.. وربما بعض رجال الدين أيضاً.
* * *
وبدلاً من تشتيت الانتباه، بترويج قصص خائبة عن رجال محترمين من أمثال المستشار الدكتور جودت الملط، دعونا نركز الجهود علي الفاسدين والمفسدين الحقيقيين الذين هم ــ بكل تأكيد ــ المكون الأساسي للثورة المضادة التي تتحين الفرصة للانقضاض علي أنبل ثورة عرفتها مصر، والبشرية.. ثورة 25 يناير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: غانتس اختار أن يهدد رئيس الوزراء بدلا من حماس


.. انقسامات داخلية حادة تعصف بحكومة نتنياهو وتهدد بانهيار مجلس




.. بن غفير يرد بقوة على غانتس.. ويصفه بأنه بهلوان كبير


.. -اقطعوا العلاقات الآن-.. اعتصام الطلاب في جامعة ملبورن الأست




.. فلسطينيون يشيعون جثمان قائد بكتيبة جنين الشهيد إسلام خمايسة