الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الواقع وعدم الواقعية

يعقوب بن افرات

2004 / 10 / 16
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


تحليل سياسي
بين الواقع وعدم الواقعية
الخسارة الاهم التي تكبدها الطرف الفلسطيني، فقدان البرنامج السياسي؛ فشل مسيرة اوسلو لا يقود عرفات لتبني الانتفاضة كخيار بديل، بل تشير تحركاته الى انه لا يزال يراهن على الخيار الامريكي؛ على الشعب الفلسطيني عدم المراهنة على "الواقعية" الوهمية لقياداته، بل على عدم واقعية بوش التي تزيد التورط الامريكي في العراق وتفتح المجال لنشوء الحركات المناهضة للاستعمار والرأسمالية والمؤازِرة لقضايا الشعوب العادلة، ومن بينها الشعب الفلسطيني.

يعقوب بن افرات

عندما يُسأل الرئيس الامريكي، جورج بوش، عن نتائج الحرب على العراق، يقول بحزم ان الوضع على ما يرام، والعراق يتقدم نحو تأسيس اول نظام ديموقراطي في الشرق الاوسط. وعندما يُسأل منافسه جون كيري السؤال ذاته، يجيب بالعكس: ان العراق ورطة يجب الخروج منها بأسرع وقت.
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، تزداد المقالات في الصحف الرئيسية التي تجزم بان بوش لا يقول الحقيقة. افتتاحية "واشنطن بوست" (19 ايلول) اشارت مثلا: "ان السيد بوش الذي يجتهد لإعادة انتخابه، لا يعترف بالورطة والوضع السيئ الذي تواجهه المهمة الرئيسية التي انشغل بها طيلة نصف ولايته. وصفه لما يحدث في العراق غير دقيق، كما انه يكذب عندما يدعي انه ‘رغم اعمال العنف، يتمتع العراق برئيس حكومة قوي، وان لديه مجلسا وطنيا، وسيُجري انتخابات عامة في كانون اول 2005‘. السيد بوش لا يفسر كيف سيعالج الوضع المتردي، وإن كانت لديه نية لذلك. انه لا يعترف اصلا بان الوضع متردٍّ".
من الرؤية غير الواقعية اشتق بوش ايضا اهدافا غير واقعية. فهو لم يكتفِ بالاعلان ان الهدف من حربه اسقاط النظام البعثي. ولو فعل لحقق ما اراد، لان نظام صدام كان هشا على كل حال، وما كان ليصمد امام الجبروت العسكري الامريكي. ولكن الرئيس الامريكي تورط عندما اصر ان هدفه بناء نظام ديموقراطي في العراق. فليس لامريكا القدرة العسكرية ولا السياسية بالذات لتحقيق ذلك، وهو ما يفسر تحول الانتصار الباهر والسريع في ايار 2003 الى ورطة كبيرة مستمرة.

لاواقعية فلسطينية

ويبدو ان عدوى عدم الواقعية في التحليل والاهداف انتقلت ايضا للجانب الفلسطيني. هذا ما تبينه مقابلة اجرتها صحيفة "الحياة" اللندنية (29 ايلول) مع قائد "التنظيم"، مروان البرغوثي، في سجنه بمناسبة دخول الانتفاضة عامها الخامس. البرغوثي يقيّم الانتفاضة وخطة فك الارتباط الاسرائيلية بالشكل التالي:
"ان خطة الفصل الاسرائيلية عن غزة تنقذ ما يمكن انقاذه من الاحتلال، وهي تهدف للهروب من المأزق الذي تعيشه اسرائيل في ظل الانتفاضة المباركة. وبلا شك ان الانسحاب هو انتصار للانتفاضة والمقاومة وتأكيد لهذا الخيار، كونها الكفيل بدحر الاحتلال، بعدما فشلت المفاوضات خلال عشر سنوات في ازاحة كرافان". البرغوثي، اذن، واثق بالانتفاضة ويعتبر خطة شارون "انتصارا" كبيرا لها، لا خطرا كبيرا على الشعب الفلسطيني كما يتوعد شارون نفسه بان تكون.
عدم واقعية هذا التصور يبرز لدى قراءة مقال بموقع "الجزيرة نت" (28 ايلول) للكاتب صالح محمد النعامي عنوانه "العمل الفلسطيني المقاوم: مكامن الخلل". الخلل الاول الذي يتطرق اليه الكاتب هو "غياب اهداف سياسية واقعية" للانتفاضة، مثل "تشديد بعض حركات المقاومة على مواصلة العمل المسلح حتى تحرير كافة التراب الفلسطيني".
عن خطة الانفصال عن غزة يقول النعامي: "عدم واقعية الرهانات على عمليات المقاومة احيانا وتضارب اهدافها او غيابها في احيان اخرى في ظل تصاعد القمع الاسرائيلي، حال دون ربط الفلسطينيين مقاومتهم بمنجزات واقعية. وقد اسهم ذلك في خفض توقعات الفلسطينيين، بشكل جعل قطاعات كبيرة من الشعب الفلسطيني تراهن على الخطط الاحادية الجانب التي تطرحها اسرائيل لضمان مصالحها الاستراتيجية".
الكاتب عزمي بشارة يبرز هو الآخر عدم واقعية موقف البرغوثي من خطة الانفصال، اذ يعتبرها "اشبه بقانون ضم". في مقاله ب"الحياة" (30 ايلول) فسر ان "قانون الاخلاء يتضمن اذن قانون ضم. والأخطر انه ضمٌّ مفتوح يشمل مستوطنات مدنية ومناطق عسكرية... وهذا ليس كلاما وبيانا وتعليقا ولا هو تصريح عام للصحافة، بل هو بند في قانون يفترض ان ينتظر العالم تمريره في الكنيست بترقب كأنه انجاز. فأوروبا تعتبر، ناهيك عن الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها باول، ان تنفيذ خطة شارون انجاز". يبقى ان ننتظر لنرى كيف سيصوت النائب عزمي بشارة في الكنيست على الخطة، على ضوء التحليل الرائع الذي يقدمه لها.
البرغوثي الذي يبدو اليوم غير واقعي، تحدث قبل اكثر من عقد باسم الواقعية. فقد عاد من تونس مع عرفات، زاعمًا ان الظروف الدولية تُملي على الشعب الفلسطيني وقف الانتفاضة والقبول باتفاق اوسلو. وقد كان البرغوثي واقعيا فعلا في تحليل الظروف الدولية التي تغيرت لصالح اسرائيل، بعد سقوط المعسكر الاشتراكي وحرب الخليج الاولى، ولكنه كذب على شعبه بوعده ان اتفاق اوسلو خطوة اولى نحو اقامة الدولة الفلسطينية. لقد كان في موقفه تناقضا اساسيا: تحليله الواقعي بان الوضع الدولي ساء، كان المفروض ان يقوده للاستنتاج باستحالة قيام دولة فلسطينية مستقلة، لان اسرائيل وامريكا ببساطة ترفضان ذلك.

حساب الانجازات والخسائر

الحقيقة انه من الصعب جدا الوصول لتقييم واقعي، ومع هذا فاذا اردنا تحقيق تقدم ما، علينا الا نكتفي باحصاء "انجازاتنا" حسب عدد الضحايا الاسرائيليين، او الضرر الذي ألحقته الانتفاضة بالاقتصاد الاسرائيلي، ولا حسب اتساع ظاهرة رفض الخدمة العسكرية بين الشباب الاسرائيليين. ذلك انه مقابل كل "انجاز" من هذا النوع، هناك الخسائر التي لا يجب باي حال اغفالها.
ان اهم خسارة للطرف الفلسطيني هو فقدان البرنامج السياسي الواضح. فشل مسيرة اوسلو الذي يتحدث عنه البرغوثي لا يقود عرفات، القائد الاوحد، لتبني الانتفاضة كخيار بديل. بالعكس، فكل تحركات الرئيس الفلسطيني حتى الآن، سواء قبوله بخريطة الطريق الاسرائيلية او بالاملاء الامريكي الاسرائيلي لتعيين رئيس حكومة، تشير الى ان عرفات لا يزال يراهن على الخيار الامريكي.
ليس ما يحدث في الحلبة الاسرائيلية-الفلسطينية هو الذي سيحسم مصير الصراع، بل موازين القوى العالمية. هذا هو الوضع، منذ وعد بلفور وحتى ايامنا. من هنا فالتقييم الواقعي للصراع يحتاج لادراك المتغيرات العالمية، وهي آخذة بالاحتداد ليس هنا، وانما في العراق. وهنا تدخل اهمية فهم مدى واقعية بوش او عدم واقعيته في التعامل مع الصراع هناك. ونتائجه ستقرر مصير المنطقة عموما والقضية الفلسطينية خصوصا.
ويمكن القول ان مصير فلسطين اصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا بمصير الاحتلال الامريكي في العراق. فخطة الانفصال الاسرائيلية هي نتيجة مباشرة للاخفاق الامريكي في العراق. كان المخطط الاصلي إحداث انقلاب امريكي على السلطة الفلسطينية من خلال ابو مازن، بعد ان يكون اسقاط النظام العراقي قد سبّب تغييرا اقليميا استراتيجيا تذعن فيه كافة الانظمة العربية للارادة الامريكية ويتم قمع الانتفاضة. خطة الانفصال لذلك لا يمكن اعتبارها انجازا، ولكنها بلا شك محاولة من اسرائيل للتأقلم مع الظروف الدولية الجديدة، النابعة من التورط الامريكي في العراق.
ان تراجع امريكا في العالم وفشلها في العراق سيؤديان لانقسامات عالمية شديدة، وأزمة كبيرة داخل المجتمع الامريكي نفسه. وليس صدفة ان العراق اصبح موضوعا رئيسيا في الانتخابات الرئاسية الامريكية. من هنا فعلى الشعب الفلسطيني عدم المراهنة على "الواقعية" الوهمية لقياداته، بل على عدم واقعية بوش التي تزيد التورط في العراق، وتؤدي بالتالي لتحرك الرأي العام العالمي، وتثير الآراء المناهضة للولايات المتحدة. فمصير الشعب الفلسطيني مرهون بنشوء الحركات النقابية والشعبية المناهضة للاستعمار والرأسمالية بقيادة امريكا. حركات كهذه من شأنها إحداث تغيير في موازين القوى العالمية، بشكل يضع القضية الفلسطينية في السياق الصحيح باتجاه الحل.
من يسعى لتلافي هذه المرحلة و"انجاز" التحرير تارة باتفاقات كاوسلو وتارة بانتفاضة مسلحة حتى النصر، انما يوهم نفسه قبل ان يضلِّل شعبه. الاصلاح الداخلي، ترتيب البيت الفلسطيني ومكافحة الفوضى والفساد تبقى مجرد شعارات فارغة من مضمونها اذا لم تأت ضمن برنامج سياسي متكامل ورؤية ايديولوجية شاملة معتمدة على الواقعية الثورية، وليس على رؤية ضيقة لا افق لها ولا مستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المجر بقيادة أوربان تتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي..


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. التجمع الوطني: الإغواء الأخي




.. انتخابات فرنسا.. ماذا سيحدث إذا لم يحصل أحد على أغلبية مطلقة


.. مستقبل غزة في -جيوب إنسانية- .. ملامح -اليوم التالي- تتكشف




.. إسرائيل تعتزم بدء المرحلة الثالثة من الحرب على غزة خلال أيام