الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية -شيفرة دافنشي- ممنوعة في لبنان

ميخال شفارتس

2004 / 10 / 16
الادب والفن


من المحتمل جدا ان يكون موظفو المديرية العامة للامن العام في لبنان، او بعضهم على الاقل، قد استمتعوا بقراءة رواية "شيفرة دافنشي" للكاتب الامريكي دان براون. الكتاب الذي ما كاد يصدر، تحول الى الاكثر مبيعا في العالم، فقد بيعت منه خلال اقل من عام عشرة ملايين نسخة باللغة الانجليزية، وتمت ترجمته للغات عديدة منها العربية عن "الدار العربية للعلوم" اللبنانية.
لكن جاذبية الرواية لم تنقذها من غضب "المركز الكاثوليكي للاعلام" في بيروت. فقد طالب المديرية العامة للامن العام اللبناني بمنع تداول الكتاب بنسخته الانجليزية وترجمته للعربية والفرنسية المتداولتين في المكتبات اللبنانية. واستجابت المديرية باصدار قرار بمنع نشر الكتاب في بداية ايلول (سبتمبر) الماضي. ورغم ان القرار جاء متأخرا الا ان المتوقع ان يتم اخلاء المكتبات من الرواية التي حظيت برواج كبير قبل ان تمتد يد الرقابة اليها.
رواية "شيفرة دافنشي" ليست بحثا علميا في تاريخ الكنيسة، بل رواية ادبية تأتي ضمن الادب البوليسي والرومانسية. وهي عبارة عن مزيج بين الخيال الادبي والحقائق التاريخية، منها الثابتة ومنها الغامضة او الاسطورية، وفي هذا تشبه رواية "اسم الوردة" للكاتب الايطالي امبرتو ايكو. وما اثار غضب المركز الكاثوليكي ان الرواية تثير قضية "انسانية المسيح" وتقدمه كانسان من لحم ودم، وهو ما يتناقض مع فكر التيار الكاثوليكي الذي يرأسه البابا، والذي يؤمن بالطابع الالهي للمسيح.
غير ان "شيفرة دافنشي" ليست رواية تبشيرية تحاول اقناع القارئ المسيحي ب"حقيقة تاريخية" معينة، بل لها موقف "ما بعد الحداثة". حسب هذه الرؤية ليست هناك حقيقة واحدة، بل لكل دين "حقيقة" خاصة به، ولا يهم إن كانت مؤسسة على احداث تاريخية او اسطورية. فقراءة الكتاب تثقف القارئ وتغنيه بوجهة نظر فنية وتاريخية غير تقليدية، ولكنها قبل اي شيء، ترفيهية.
تتمحور احداث الرواية حول "جمعية سيون" التي تحتفظ، حسب الرواية، بشهادات تاريخية، موجودة ايضا في مخطوطات البحر الميت ووثائق اخرى. وتشير هذه المخطوطات الى ان مريم المجدلية كانت زوجة المسيح وقد انجبت منه نسلا عاش في فرنسا، وتحدرت منه سلالة ملوك "ميروفينجين". وتقول الرواية ايضا ان جمعية "فرسان الهيكل" اخذت على عاتقها كتمان السر حتى يحين الوقت الملائم لكشفه.
بين الاعضاء المشهورين في "جمعية سيون" كان الفنان ليوناردو دافنشي. لوحته "العشاء الاخير" تتضمن، حسب الكتاب، علامات سرية على زواج المسيح بمريم المجدلية. حسب قراءة "جمعية سيون" للتاريخ، كان للمرأة دور اجتماعي فعال في العالم القديم وفي عهد المسيح. وكانت مريم المجدلية واحدة من تلاميذ المسيح، الا ان هذه الحقيقة تعرضت للتشويه في الانجيل الذي تم جمعه في نيقيا (تركيا عام 325م)، في ظل حملة الكنيسة ضد انسانية المسيح وضد دور المرأة. وقد وصلت الحملة ضد النساء ذروتها في القرون الوسطى ضمن حملة "صيد الساحرات"، والتي تم فيها تجريم النساء اللواتي اكتسبن خبرات معينة.
ويلفت احمد مغربي في مقال نشرته "الحياة" (31/8) الى وجود كتب عديدة اخرى تنشر في لبنان، تتبنى موقف انسانية المسيح ولا يُمنع توزيعها. ويحصي مغربي من بين هذه الكتب "يسوع ابن الانسان" لجبران خليل حبران الذي يدرَّس في جامعات ومدارس لبنان، و"من وحي المسيح" لميخائيل نعيمة، ورواية جوزيه ساراماغو "الانجيل بحسب يسوع المسيح"، وغيرها.
وفي الغرب اثارت الرواية نقاشا ادبيا، تاريخيا ودينيا. فظهرت على الاقل ثلاثة كتب تفندها، وهي: "الحقيقة وراء شيفرة دافنشي" لريتشارد ابانيز، و"حل شيفرة شيفرة دافنشي" لايمي ويلبورث، و"الحقيقة والخيال في شيفرة دافنشي" لستيف كيلميير. دان براون نفسه يستند لكتاب سابق كتب في نفس الاتجاه عنوانه "دم مقدس، كأس مقدسة"، غير ان احدا في الغرب، بما في ذلك الفاتيكان، لا يجرؤ على منع توزيع كتاب براون او غيره. تعاملا كهذا مع الادب، اصبح مستحيلا في مجتمع يرى نفسه ديمقراطيا، خاصة ازاء ثورة الاتصالت التي ازالت الكثير من القيود امام حرية المعلومات.
اما في الدول العربية فالرقابة لا تزال امرا طبيعيا، بما في ذلك لبنان التي تعتبر نفسها منفتحة على الثقافة العالمية. وليست هذه الحالة الاولى التي تطالب بها جهة دينية مسيحية او اسلامية في لبنان بمنع كتاب او فيلم او اثر فني ترى فيه مساسا بالعقائد من وجهة نظرها. وقد تعرض الفنان اللبناني مرسيل خليفة لحملة قمع بعد انتاجه البوم "ركوة عرب" التي اثارت غضب المؤسسات الاسلامية اللبنانية. وفي مصر شنت الكنيسة القبطية حربا على فيلم "بحب السيما"، كما تشن جامعة الازهر حروبا على مختلف الكتب والاعمال الفنية التي لا تستسيغها.
عبده وازن، المحلل الادبي لصحيفة "الحياة" (11 ايلول) وصف توصية المركز الكاثوليكي للاعلام بشأن منع الرواية، بانها "مجحفة بحق القراء اللبنانيين"، مشيرا الى "انها تسيئ كثيرا الى سمعة لبنان". واستنتج وازن ان "الكنيسة في الغرب تبدو اكثر تسامحا من الكنائس في الشرق، وان "الكنيسة في لبنان... تتوجس دوما من أي عمل يناقش العقيدة وطبيعة المسيح وقضايا اخرى! وهي ايضا مثلها مثل المراجع الدينية الاخرى في لبنان التي لا تتحمل أي رأي يخالفها". ويتساءل وازن: "ترى ألا تثق الكنيسة بايمان اتباعها؟ وهل يمكن لرواية اجنبية ان تغير من قناعاتهم الراسخة؟".
واضح ان المشكلة اوسع من تعصب المؤسسات الدينية في الدول العربية، بل تتعلق بطبيعة الانظمة العربية التي لا تزال تقمع حرية مواطنيها على كل الاصعدة، الشخصية والسياسية والادبية. ولكن هناك احتمال كبير بان يعجز قرار المديرية العامة اللبنانية عن منع وصول رواية "شيفرة دافنشي" للقارئ المعني، وبالعكس، قد تزيد الحملة القمعية من رواجها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | نجوم الفن والجماهير يدعمون فنان العرب محمد عب


.. مقابلة فنية | المخرجة لينا خوري: تفرّغتُ للإخراح وتركتُ باقي




.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي