الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام الأبوي والدولة الجديدة

عائشة خليل

2011 / 3 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


تتركز السلطات في النظام الأبوي بيد الأب الذي يحكم أفراد الأسرة (الزوجة والأولاد والفتيات) حكمًا مطلقًا. وبينما يخضع له الجميع خضوعًا تامًا يكون لدى الابن منزلة بين منزلتين لكونه الوريث المنتظر لحكم المملكة الصغيرة. ويحكم الآباء تلك الممالك الصغيرة؛ بينما يحكمهم جميعًا أب أكبر يستند إلى ذات القاعدة الأبوية لديه قدرتي المنح والمنع، فتتركز بيده سلطات مطلقة.
ويتعلم الأولاد منذ الصغر أنهم جنس مختلف عن الفتيات فيتم تلقينهم بأنهم رجال المستقبل أي حكامه، وعندما يشب الأولاد عن الطوق يبدأ الأب بمعاملتهم معاملة مختلفة عملاً بالمثل الشائع "إن كبر ابنك خَويه" وتدريجيًا تلقى على الابن بعض المسؤوليات باعتباره الوريث الشرعي وهكذا يُعتمد عليه كونه "ساعد الأب الأيمن" ومع تقدم العمر يزداد تشبث الأب بمساحة خاصة يكون فيها الآمر الناهي، بينما تزداد مع الأيام محاولات الابن في إزاحة الأب إزاحة نهائية، والإمساك التام بمقاليد الأمور. ولقد رأينا على مدار التاريخ نجاح مسعى الأب تارة، والابن تارة أخرى.
ويمكننا قراءة واقع السياسة المصرية خلال العقد الأخير من هذا المنظور: فقلد اعتمد مبارك الأب على مبارك الابن في تصريف شؤون الدولة المصرية، وأطلق يده في الحكم إلى حد معين ثم حاول مبارك الأب التشبث بالسلطة بينما حاول الابن إزاحته عنها. وبينما هما منخرطان في صراعهما التقليدي المحموم أغفلا رؤية الجيل الجديد وهو يشب عن الطوق. جيل منحه الآباء أجهزة الحاسوب كلعبة ليلهو بها فحولها إلى سلاح، وغافل جيل الآباء والأجداد وانتزع منه العرش.
وعلينا هنا أن ننتبه إلى عاملين هامين سيؤثران على مجرى الأحداث في الشهور والسنوات التالية: أولهما: أن جيل الشباب أزاح جيلين على التوالي، وليس جيلاً واحدًا فقط كما كان معهود في النزاعات الكلاسيكية على السلطة؛ وثانيهما: عندما يقال جيل الشباب فالمعني هنا هم الفتيان والفتيات معًا، فلقد رأينا لأول مرة اشتراك الفتيات في معارك النزاع على السلطة وانتزاعها على الأقل في التاريخ المصري الحديث. ومن هذا المنظور يمكننا قراءة ثورة ٢٥ يناير على أنها إسقاط لشرعية الدولة البطريركية الأبوية وليس فقط كإسقاط لنظام مبارك. وهي الثورة التي أطلق عليها وائل غنيم - أحد أشهر رموز ثورة الشباب - الثورة 2.0،‬ وللمسميات دلائلها والتي لا يجب إغفالها. فلقد نجح جيل الشباب في التنظيم كما نجحوا في استقطاب الجماهير لمساندتهم، ونجحوا في اختبار عسير: إسقاط نظام كان يظن الكثيرون أنه حديدي. فهل استوعبت الأجيال المختلفة الدرس؟ للأسف لا. فمازال هناك الكثير متشبثين بالكراسي سواء في المؤسسات أو في الأحزاب "المعارضة" أو في الجمعيات والجماعات المختلفة. على أن هناك قليلاً ممن استوعبوه، أشهرهم الدكتور فاروق الباز الذي أعلن أن على جيله أن يخلي الطريق أمام الأجيال الواعدة حين قال في لقائه مع الصحفيين: "الجيل بتاعي جيل فاسد، ولا بد أن نترك الفرصة للشباب، لكي يعبروا عن أنفسهم" وكذلك الفريق مجدي حتاتة الذي قال "من الآن لا وصاية على الشعب المصري، فلا يستطيع أحد أن يقول إنني عجوز ولديَّ حنكة وخبرة لأن هؤلاء الشباب يجب أن يقودوا من الآن" والذي تمنى بأن تكون في حكومة د. شرف وزير أو أكثر من الشباب حتى يتمرسوا على إدارة شؤون البلاد. ولكننا مازلنا نرى من هم في جيلهما يتقدمون للترشح لرئاسة الجمهورية ولمواقع قيادية أخرى. ولا أعلم على وجه الدقة في ماذا يفكر هؤلاء، ولكن ما أعلمه أنهم لم يستوعبوا الدرس جيدًا.
يريد الشباب أن يحلموا أحلامًا جديدة - كما قالت إحداهن في برنامج حواري - وقد تعلموا بأن الديمقراطية هي المآل، وأن التضحية هي الطريق لتحقيق أحلامهم على أرض الواقع. يروي الشباب كيف كانوا يحضرون للثورة فيعرضون بعض المقترحات ثم تتم مناقشتها والتصويت عليها، وهكذا مارسوا مبادئ الديمقراطية من خلال الفيس بوك، بينما جيل الآباء والأجداد منخرطون في صراع بوسائل تقليدية. ولقد رأينا جميعًا تضحياتهم في سبيل تحقيق أحلامهم، فهل من المعقول أن يتخلون عن تلك الأحلام بعد تلك التضحيات؟
إن على من يريد التصدي للمواقع القيادية في مصر اليوم أن يعلم أن هناك من يراقب وبكل صرامة جميع تحركاته، وأن تلك المراقبة لا تأتي فقط من الأجهزة التقليدية مثل مجلس الشعب، ولكن أيضًا من مئات الآلاف من الشباب الذين لن يملوا من الحفاظ على مكتسبات الثورة. وأن تلك المراقبة سوف تنتشر مثل النار في الهشيم عبر وسائل يعرف القليل عنها. فماذا يعرف من يتصدى للعمل العام اليوم عن الفيس بوك والتويتر وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة. تقول إحدى الإحصائيات الحديثة: إن متوسط ما يمضيه الفرد من وقت في نشاطات تتعلق بوسائط التواصل الاجتماعي هي ٥٠ دقيقة يوميًا، ولي أن أؤكد كمراقبة للمشهد أن هؤلاء الشباب يمضون أضعاف هذا الوقت على تلك الوسائط. فمن يستطيع مجاراة ذلك فله أن يتقدم، ومن لم يستطع فعليه أن يخلي السبيل إلى الشباب ويستمتع بربيع العمر الآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟