الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكرة القومية -2-

عمر أبو رصاع

2004 / 10 / 16
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


ناصر والفكرة القومية
تظل العلاقة بين جمال عبد الناصر والفكرة القومية علاقة في غاية الأهمية في مجال بحثنا هذا ذلك أن عبد الناصر هو النموذج القومي العربي الأكثر بروزا والأكثر قبولا على الصعيد العربي لذا فإن الوقوف على واقع القومية العربية وفق الصيغة الناصرية مسألة تبدو مركزية في إطار بحثنا هذا ، ولا تزال شخصية عبد الناصر محورية وهنا نقصد بشخصية عبد الناصر التجربة برمتها أعني ما اصطلح على تسميته بالناصرية وهذا تميزا لها عن القومية العربية ،
لماذا هذا التميز ؟
حقيقة إن هذا التميز كما سأبين لاحقا مسألة محورية و هامة جدا لأن عدم التميز بين الفكرة القومية وبين باقي خصائص الظاهرة الناصرية تسبب لاحقا بسوء فهم وخلط بين القومية كفكرة وبين باقي خصائص الناصرية .
لابد أولا من أن نشير على عجالة إلى بعض العناصر والمواقف المقطعية التي وردت عن عبد الناصر والتي باعتقادي تفيد في بيان طبيعة الرجل من ناحية ومن الأخرى الظروف الموضوعية التي أسهمت في تكوين شخصيته
* عبد الناصر هو ابن شرعي للطبقة المصرية الوسطى ابن لموظف بريد مصري من الصعيد سنحت له فرصة تاريخية بالنسبة لجيله من المصريين عندما فرض على الجيش أن يقبل دخول المصريين في دورة الضباط في عهد أحد الحكومات الوفدية .
• تمتع عبد الناصر على مستوى السلوك الشخصي بنزاهة منقطعة النظير حيرت حتى خصومه الألداء فقد كان عبد الناصر بعيدا تماما عن أي رغبات مادية شخصية أو مكاسب فردية على المستوى الشخصي ، وقد كان شديد الحرص في هذا الجانب .
• انطلق عبد الناصر ابتداء من مجموعة من الملاحظات والتوجهات الأساسية كان على رأسها :
أ?) كراهية الاحتلال الإنجليزي .
ب?) الاعتقاد الراسخ بفساد القيادة في الجيش إذ كان الجيش مرتعا للضباط غير المصريين الذين ينظرون إلى المصري على أنه فلاح متخلف وأدنى مستوى من الإنسان التركي أو الشركسي وكان في ذلك موقف طبقي حاد معادي للشعب المصري الذي ينتمي إليه عبد الناصر وفساد الملكية الذي كان واضحا فيما كانت الصحافة تنشره والشائعات عن حياة وممارسات ومجون الملك فاروق ، وكذلك فساد الأحزاب السياسية وهذه الأخيرة لأن هذه الأحزاب انغمست بالكامل في الفساد والصراع على المناصب والمكاسب وكانت مرتعا للباشوات والبكوات الإقطاعيين المتحالفون مع مستغلي الشعب ، وتلك الطبقة من الوطنيين الإقطاعيين كانوا أبعد ما يكونوا عن المصالح الحقيقية للإنسان المصري الكادح ، ووصل الأمر إلى حد أن الإنجليز فرضوا في أحد المراحل حكومة وفدية على الملك فاروق لذا كان عبد الناصر وفي مرحلة مبكرة من حياته قد اتخذ موقفا رافضا تماما للعمل الحزبي مقتنعا بعدم جدوى النضال الحزبي في تلك المرحلة من تاريخ مصر ، وكان على ما يبدوا لاحقا متأثرا بتجربة مصدق في إيران الذي نهج نهجه في مسألة التأميم .
ت?) رفض عبد الناصر القاطع للفساد وتأثره الشديد بمركزية النزاهة الشخصية والزعيم الملهم ، لذا انتساب جمال عبد الناصر إلى حركة الإخوان المسلمين بداية ظنا منه أنها أي الحركة تربي حس النزاهة و تخلص العمل العام من أجل الشعب وتدعو للمساواة .
• رواج الحركات العسكرية الثورية عالميا كوسيلة للتغير الجذري الذي كان عبد الناصر يعتقد أنه ضروري في الحالة المصرية .
• اشترك عبد الناصر في محاولة لاغتيال أحد الفاسدين وفشلت ثم اعتبر أن هذه الممارسة لن تؤدي إلى اجتثاث الفساد لذا صرف النظر عن هذا الأسلوب .
• أثرت هزيمة العرب في حرب فلسطين 1948 تأثيرا جذريا في طريقة تفكير عبد الناصر ، إذ تعرى الفساد عن بشاعته .
• لم يكن عبد الناصر فيما عدا مسألتي الاستقلال والقضاء على الفساد يملك رؤية سياسية أيديولوجية ، بل حتى أنه لم يكن يملك معرفة ولو بسيطة بالقضايا العربية ، والدليل على ذلك أنه اجتمع مع مجموعة من قادة العصابات اليهودية في فلسطين خلال الحرب يسألهم عن الطرق التي استعملوها للخلاص من الاحتلال !
• مصر للمصريين والقضاء على الفساد ، كان هذا هو المحرك الأساسي لثورة أو حركة 23 يوليو العسكرية .
• بدأ تأثر عبد الناصر بالماركسية عندما أقتنع ناصر بشكل لا رجعة فيه أن النهضة المأمولة لمصر وللشعب المصري ، غير ممكنة إلا عن طريق الاشتراكية وعن طريق سيطرة الدولة والتأميم للمرافق الأساسية الضروري والحيوي لتمويل مشاريع النهضة الاشتراكية .
• أول تأثر قوي لعبد الناصر بالفكرة القومية جاء بعد تأميم قناة السويس والمد الشعبي العربي الذي أيد عبد الناصر إبان عملية التأميم والنصر السياسي الذي جناه على القوى الاستعمارية الكلاسيكية العالمية بعد إعادة توزيع النفوذ إبان بروز الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي كقوتين أساسيتان في النظام العالمي الجديد وتراجع فرنسا وبريطانيا .
• وعليه جيء لعبد الناصر بمن يشرح له القومية العربية ومفهومها الذي هو صناعة عربية مشرقية له أبعاده ودوافعه المختلفة و التي أعاد عبد الناصر صياغتها بعد قناعته أولا بأن مصر لوحدها لا يمكن أن تقود الصراع وبالتالي فمصر فعاليتها الأساسية إنما تتجلى عبر الشعب العربي كله ، ومن ثم قوى التحرر الأخرى في العالم إضافة لقناعته خاصة إبان اشتراك إسرائيل في العدوان الثلاثي بمركزية قضية الصراع العربي الإسرائيلي ، ولذا أصبح دعم قضية التحرر العربية مسألة أساسية بالنسبة لناصر في العالم العربي وخارجه ، لكن هذا لا يعني أن عبد الناصر لم يكن يدعم حركة التحرر قبل 56 و الدليل الأكبر هو دعمه لثورة الجزائر منذ البداية .
• حاول عبد الناصر أن يميز حركة التحرر العربية عن غيرها و أن يوجد نوع من الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي الحليف الاستراتيجي الأساسي لكن لم يكن ناصر يملك لا عمق تنظيمي إيديولوجي مناسب ولا رؤية واضحة تصلح منطلقا لمثل هذا الدور ، وغير فكرة الوحدة و الإصلاح الاشتراكي غير العلمي والمنظم والمناسب لم يكن هناك وضوح في الرؤية لا بالنسبة لعبد الناصر ولا بالنسبة للتيار القومي بعامة ، وهذا ما قاد الحركة القومية ككل إلى صراع داخلي حاد بين جناحيها اليمين و اليسار ، ورغم النجاح النسبي دوليا فيما يتعلق بكسر احتكار السلاح و حركة عدم الانحياز إلا أن ناصر فشل فشلا ذريعا في خلق حزب سياسي عربي يساري له رؤية واضحة ، بل أنه راح يستهدف قوى اليسار السياسي كما اليمين على حد سواء ، بل حتى التيار البعثي في سوريا بعد الوحدة ، فكان كما لو أنه يضرب القوى الأساسية التي تنسجم إلى درجة عالية مع خطه التحرري .
• كغيره من القادة الذين اختاروا حكم الفرد الديكتاتوري ، خلق عبد الناصر من حوله طبقة بيرو عسكرية عفنة ، مارست أساليب القمع البوليسي و إن كان هذا القمع يتم تضخيمه كثيرا من قبل أعداء ناصر والحاقدين عليه فمثلا يفوق عدد المعتقلين السياسيين في عهد السادات عددهم في عهد ناصر ولكن هذا لا يلغي حقيقة وجود قمع بوليسي ومصادرة للآخر في عهد عبد الناصر.
• كان عبد الناصر كرمز لحركة التحرر العربية هدفا أولا للقوى الإمبريالية والقوى الرجعية في العالم العربي وعلى رأسها بشكل أساسي آل سعود الذين مارسوا دورا عماليا فريدا من نوعه وخاصة في حرب اليمن التي رمت السعودية فيها بكل ثقلها المالي لهزيمة ناصر .
• لم يكن عبد الناصر يؤمن باستخدام القوة لتحقيق الوحدة ، والدليل على ذلك
أن أكبر فشل حققته الناصرية هو فشلها الكبير في الحفاظ على دولة الوحدة المصرية السورية عام 61 والتي شكل فشلها نقطة انعطاف حادة في تاريخ الناصرية ، و الأهم أن عبد الناصر فشل في قراءة نتائج هذا الانفصال الخطير فلم يتخذ الإجراءات الضرورية المتمثلة بالتخلص من النظام البوليسي والتأسيس للحريات العامة و إطلاق التجربة الحزبية الناضجة .
• كان هذا بشكل أساسي نفس السبب الذي قاد إلى هزيمة 67 الضربة القاسمة والحاسمة التي وجهت للناصرية ، وكان كذلك السبب الرئيس لخلافة السادات لناصر كدليل على الفشل الذريع في التأسيس للثورة وخلق مؤسساتها التي تجعل منها نظام راسخ القدم غير مرتبط بفرد .
• أخيرا نسجل للرجل نزاهته الفردية و إيمانه ببعض القضايا التقدمية ونأخذ عليه الكثير من الممارسات السلبية الضخمة التي أتت على التجربة وشوهتها ، وهكذا فإن التجربة بحاجة إلى قراءة نقدية متكاملة تفصل مختلف جوانبها وللأسف فإن كل العسكرتاريا العربية نجحت بامتياز في تمثل كل سلبيات الناصرية من حكم الفرد والديكتاتورية ومصادرة الآخر حتى جعلوا من القومية والقوميين أخيرا رمزا للقمع ومصادرة الآخر فيما سقطة كل الإيجابيات التي حملتها التجربة _ يتبع_يتبع_








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلسل إيريك : كيف تصبح حياتك لو تبخر طفلك فجأة؟ • فرانس 24 /


.. ثاني أكبر جامعة بلجيكية تخضع لقرار طلابها بقطع جميع علاقاتها




.. انتشار الأوبئة والأمراض في خان يونس نتيجة تدمير الاحتلال الب


.. ناشطون للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية: كم طفلا قتلت اليوم؟




.. مدير مكتب الجزيرة يرصد تطورات الموقف الإسرائيلي من مقترح باي