الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأكثر تقوى يعظ ، الأكثر معرفة يعلّم ، وكلاهما لا يحكم

مجدي مهني أمين

2011 / 3 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


العنوان هو الموضوع، الأكثر تقوى يعظ ولا يحكم، الأكثر معرفة يُبَصِر ولا يحكم؛ فالتقوى طابعها التأمل، والمعرفة طابعها البحث، وكلاهما استغراق ووقت، وهو ما يفسر الوقت الذي يقضيه الراهب في الصحراء أو على هضبة التبت ، أو الصوفي في جوف الليل ، أو الباحث في المعمل ، كلهم يقضي أوقاتا لا نهائية ، ويخرج إليك بعض الوقت بروح جديدة أو صفاء مطلق أو حكمة خالدة، قد يخرج إليك بشخصه أو بما يكون قد كتبه ؛ وقتها تلمس في زمن قليل هذا الزخم المعنوي أو تحلق في الأجواء السرمدية التي يأتيك منها (أو يأتيك بها) هذا العابد التقي أو الفيلسوف المتبحر، وقد تعيد وقتها النظر في معطيات حياتك اليومية وقد تتخذ قرارات جديدة نحو حياة أفضل وأرقى.
هو نفس المعنى عندما يخرج إليك العالم من معمله بفكر جديد أو نظرية حديثة ، تعيد بها ومن خلالها فهم الأمور أو قلبها رأسا على عقب، وقد تتلقى أنت هذه النظريات الجديدة فى المعرفة ، وقد تتلقاها مؤسسات وهيئات تعيد من خلالها صياغة مشروعاتها ، أو شكل إدارتها، فمثلا عندما تستعين مؤسسة ما باستشاري سنجده يقضي أياما طويلة في الدراسة والبحث لإجابة تساؤلات المؤسسة حول موضوع يهمها، فقد يبحث في أسباب مشكلة تؤرق المؤسسة ، أو يطرح حلولا تساعد في تقدمها ، وهكذا، وما يساعد هذا الاستشاري في القيام بمهمته هو علمه ومعرفته من ناحية ، وحياده من الناحية الأخرى حيث أنه لم يكن يعيش الحياة اليومية مع المؤسسة، فموقفه محايد من كل الأطراف، ومن كل القضايا، ومن كافة الاختيارات؛ لذا يطبق أدواته كي يصل للحقيقة وكي يقترح ما يفيد الصالح العام ، فهو لا يتحرك كي يثبت وجهة نظر، ولكن كي يكتشف من خلال بحثه الموضوعي وجهة نظر أقرب لحقيقة الأشياء؛ فتكون وجهة نظره مقننة ومدعمة بالأرقام نتيجة البحث وفي خدمة الصالح العام.
ويتوقف دور الاستشاري - في مثالنا هذا- يتوقف عند مرحلة عرض نتائجه على صناع القرار، ويبقى لصناع القرار مهمة اختيار كل أو بعض ما قال الاستشاري، فهم أصحاب القرار ، وما لا يوافقون عليه اليوم قد يوافقون عليه غدا ، اما الباحث فيعود لمعمله ومحرابه كي يطور من أدواته، حتى عندما يدعى مرة أخرى يقدم ما يفيد الناس ، تلك هي العلاقة بين من يعرف ومن يقود ، من يعرف يتطلع للمطلق للحقيقة وبحثه فيها لا يتوقف ، لأن الحقيقة مطلقة ، ومن يقود تشغله تحديات الحياة اليومية ويريد حلولا عملية لما يواجه من مشكلات، كما أن ممارساته اليومية قد تخلق لديه تحيزات ، لذا هو في حاجة لشخص حيادي يعطي وقتا لاكتشاف الحلول ، ويعطي رأيا يحرر "من يقود" من تحيزاته، أي أنه في حاجة أن يعرف الحلول ويشفى مما لحق به من اتجاهات سلبية كانت تعوق الأداء ؛ أداءه هو وأداء من يعملون معه.
هو نفس الأمر ينطبق على العابد والفيلسوف أذ تستغرقهم المعرفة والحكمة والموعظة التي يخرجون بها للناس كي تتبدل مواقفهم إلى مواقف إيجابية، وتمتلئ قلوبهم بنور جديد يكون وقودهم وطاقتهم وشفاؤهم في أدائهم وقراراتهم ، كل مرة نقرأ أو نسمع بعض سطور من كتاب النبي لجبران خليل جبران ، أو قصيدة شعر ، أو حكمة ، أو نص مقدس نمتلئ بطاقة إيجابية جديدة ويحضرنا نور لاختيارات لحياة أفضل وعلاقات أفضل . قراءات أو عظات تستنير بها عقولنا وتتسع قلوبنا ، وتنتعش ضمائرنا فنحسن ممارساتنا لحياتنا اليومية ونحسن اختيارنا لقراراتنا المصيرية.
فلو ترك العابد محرابه والفيلسوف تأملاته والعالِم بحثة ومعملة ليتولى أحدهم القيادة لاحتاج من جديد لعابد وفيلسوف وفنان وعالِم كي يملأوا الفراغ لينيروا له السبيل عندما يقود ويقرر ويتحرر من تحيزاته ويستبصر الطريق، من هنا كان عنوان المقال " الأكثر تقوى يعظ، الأكثر معرفة يعلم، وكلاهما لا يحكم"، ومن هنا كانت الفكرة ألا يكون هناك حزبا دينيا يحكم باسم الدين ، فالبشر يصيبون ويخطئون ، وقد يعدلوا وقد ينحازوا، فلو عملوا ذلك وهم يحكمون باسم الدين، أو لو ارتكبوا إرهابا باسم الدين سيلحقون نقصهم وضعفهم البشري بالدين، أما لو كان القادة يحكمون د ون احتماء في دين ، يمكننا وقتها ان نحاسبهم دون حرج ، ويظل الدين وقتها منزها عن معاملاتهم اليومية قادرا في حياد أن يقدم لهم ولنا الموعظة الحسنة ، وان اختلطت الأمورعليهم كانت المعرفة المحايدة الباحثة عن الحقيقة وسيلتهم للوصول للحلول ، وبقت الفلسفة تفتح لهم آفاقا، وبقي الفن وجدانا جديدا لهم.. عالم رحب يتفاعلون كلهم في ربوعة كي تنمو البلاد وتتقدم الأمم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج