الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الـمعـالجـة الدســتـوريـة لـممارســة الحـقوق الســيـاســيـة

فلاح اسماعيل حاجم

2004 / 10 / 16
حقوق الانسان


احتلت مسألة حقوق الانسان بشكل عام والحقوق السياسية للمواطن على وجه الخصوص حيزاً واسعا من اهتمام المفكرين والسياسيين وعلماء القانون؛ ويزداد هذا الاهتمام وتتسع دائرة انتشاره في الظروف الراهنة حيث العولمة والثورة المعلوماتية جعلت قضية الدفاع عن حقوق الانسان تأخذ بعدا دوليًا؛ سيما وانها باتت تحتل مكانا بارزاً في التشريعات؛ سواءاً الدولية منها و الوطنية؛ وخصوصاً الاعلان الفرنسي لحقوق الانسان الصادر في عام 1789 واللائحة الدولية لحقوق الانسان لعام 1948 و الكثير من الدساتير الوطنية التي اعتبرت هاتين الوثيقتين من المصادر الاساسية للتشريع المحلي. وتكتسب هذه القضية اهميّة استثنائية في البلدان النامية؛ حيث الخرق المتعمد لابسط الحقوق وحيث النظر الى الفرد باعتباره عنصرا ناقص الآدمية ناهيك عن اقصاءه عن المشاركة في تكوين مؤسسات الدولة؛ تلك المؤسسات التي اصبحت حكرا على النخبة السياسية التي عادة ما تتألف من اعضاء حزب السلطة؛ وهو المؤسسة الوحيدة المصرح لها قانونيا بممارسة العمل السياسي؛ وربما كانت التجربة العراقية ابان النظام البعثي المقبور مثالا صارخا على انتهاك الحقوق الاساسية للمواطن وخصوصا السياسية منها.
ان ما يميّز الحقوق السياسية للمواطن عن بقية الحقوق الاخرى هو ارتباطها الوثيق بمسألة المساهمة بالحياة السيا – اجتماعية والضغط المنظم على السلطات العامة من خلال التضاهر والاعتصام والاضراب وغيرها من الاساليب التي اجازتها الغالبية العظمى من الدساتير في العالم المعاصر؛ بالاضافة الى اعتبار حق ممارستها يعود حصرياً لمواطني الدولة؛ مع ان القليل من الدوّل ذهب الى السماح لعديمي الجنسية (البدون) بممارسة تلك الحقوق؛ في حين اباحت اخرى السماح للاجانب بممارسة بعض الحقوق الشبه سياسية (النشر والاجتماع والتضاهر السلمي والقيام بالانشطة الثقافية والاجتماعية...الخ) بشرط توفر اتفاقيات ثنائية تؤمن معاملة مواطنيها بالمثل؛ واعطت ثالثة لتلك الحقوق بعدا محليا حين سمحت للاجانب وعديمي الجنسية بالمساهمة بانتخاب اجهزة السلطة المحلية (اجهزة الادارة الذاتية).
ان الكثير من الحقوق السياسية وجدت تجلياتها في المنظومات الحقوقية للكثير من البلدان حتى قبل ظهور القوانين الاساسية (الدساتير)؛ فموضوعات مثل حرية التفكير والرأي والاعتقاد والنشر وغيرها كانت في الصميم من تعاليم فلاسفة اليونان والاغريق ومفكري عصر النهضة في اوروبا وحركة الاصلاح في العالم الاسلامي وحتى في الكتب المقدسة للاديان السماوية. لكن مسألة المعالجة الدستورية للحقوق السياسية وآليات ممارسة تلك الحقوق وضمانات الدفاع عنها من عسف السلطات حصلت على تطوّر هائل وخصوصا بعد الحرب الكونية الثانية؛ اذ قلما نجد دستوراً من دساتير الجيل الثاني٭ خالياً من الفصول الخاصة بالحقوق والحريات الاساسية وخصوصا السياسية منها؛ فموضوعات مثل التكييف القانوني لنشاط الاحزاب السياسية والتشريعات الانتخابية؛ وهي الاهم في حزمة الحقوق السياسية؛ اصبحت من الموضوعات الاساسية التي حضيت باهتمام المشرعين وخصوصا في الدوّل الديمقراطية. وبهذا الخصوص لابد من الاشارة ايضا الى ان نقلة نوعية احدثتها ثورة المعلومات وخصوصا الانترنيت والصحافة المقروءة والمرئية؛ فاذا كان التعبير عن الرأي في السابق ؛ على سبيل المثال؛ يتم من خلال القاء الخطابات في التجمعات العامة وفيما بعد من خلال الصحافة البدائية اجبرت ثورة المعلومات المشرعين على ادخال تعديلات جوهرية في نصوص القوانين؛ بما في ذلك الاساسية؛ لتحديد العلاقة بين طرفي المعادلة اي السلطات العامة والمواطن ممثلا بما بات يعرف بمؤسسات المجتمع المدني. ولا عجب ان تجد بعض الدساتير وقد افردت فصولا كاملة لسلطة رابعة هي سلطة الصحافة. على ان هذا الاهتمام لا يهدف فقط الى تأمين مزاولة الصحافة بحرية ومنع احتكار وسائل الصحافة والاعلام من قبل هذا الطرف او ذاك (بما في ذلك الدولة)؛ بل وللحد من اساءة استخدام هذه الحرية؛ فقد ذهبت الكثير من الدوّل؛ واستنادا الى الميثاق الدولي لحقوق الانسان لعام 1966؛ الى سن قوانين تحرم على الصحافة نشر المواد التي تدعو الى اثارة النعرات الطائفية والعنصرية والمذهبية ؛ او تلك التي تشجع العنف وتسئ الى الاخلاق الاجتماعية؛ ففي ايطاليا مثلا يمنع قانون 1999 التلفزيون الايطالي من عرض مشاهد الاثارة الجنسية والعنف من الساعة السابعة صباحا و حتى الحادية عشرة مساءا؛ فيما ذهبت دوّل كثيرة اخرى الى تأليف لجان رسمية مختصة لتحديد مدى صلاحية المادة التلفزيونية للنشر. واعتقد ان البلدان العربية احوّج ما تكون في المرحلة الراهنة الى مثل تلك التشريعات حيث تحولت الكثير من القنوات الفضائية العربية الى ناطق صحفي باسم اكثر المنظمات تطرفا؛ وبات امراً طبيعيا عرض مشاهد القتل والذبح والنقل الحرفي للفتاوى ورسائل التحريض والدعوة الى العنف واستمالة المشاهد والمستمع بشتى الطرق للتعاطف مع القتلة وممتهني الاجرام؛ في حين تعج التشريعات العربية بالمواد التي تحد من الصحافة الهادفة وتلجم الكلمة الحرة و المستقلة وتعمل على اشاعة الثقافة الظلامية والمكرسة للتخلف.
من الحقوق التي حظيت باهتمام المشرعين واحتلت مكانا بارزا في القوانين الاساسية لجميع البلدان هي حرية الانتظام في الاحزاب السياسية والجمعيات الاجتماعية والاقتصادية والمنظمات المهنية؛ وقد حددت الكثير من القوانين الحد الادنى من الاشخاص الذين بامكانهم تكوين تلك المنظمات؛ اذ يكفي في بعض البلدان ان يجتمع ثلاثة اشخاص لتكون حزب سياسي او منظمة اجتماعية اخرى؛ اما في العراق فيفهم من نص الفقرة (1-2 ) من القسم الثاني ( الكيانات السياسية ) لنظام رقم ( 3 ) لسنة 2004؛ الصادر عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية ان شخصاً واحدا بامكانه ان يكوّن كيانا سياسيا شريطة "حصوله على المصادقة الرسمية ككيان سياسي من قبل المفوضية"؛ ونعتقد ان استخدام المشرع لمصطلح كيان بدلا من مرشح للانتخابات يعني ضمنا المنظمة او الجمعية السياسية. على انه لابد من الاشارة هنا الى ان الكثير من التشريعات سمحت للاجانب وللافراد عديمي الجنسية الانتظام في الجمعيات الغير سياسية (المهنية؛ الثقافية؛ الانسانية؛ الرياضية...الخ) معتبرة حق الانظمام الى الاحزاب والتنظيمات السياسية حكراً على مواطني الدولة فقط. فيما حرمت اغلب الدساتير والتشريعات الاخرى منتسبي السلطة القضائية(القضاة) وسلطة الرقابة (الادعاء العام) وحتى منتسبي القوات المسلحة والمفوضيات الانتخابية من الانتظام في الاحزاب والمنظمات السياسية وذلك لضمان استقلالية سلطاتهم حيث تشترط الكثير من القوانين الانتخابية استقالتهم من الخدمة لخوض الانتخابات كمرشحين. وفي حين سمحت تشريعات بعض الدوّل بما يطلق عليه التعددية المقننة؛ اي تحديد عدد الاحزاب المصرح لها بالنشاط السياسي (اندونوسيا)؛ لا تسمح الانظمة الشمولية الا بتكوين حزب سياسي واحد (حزب السلطة) و ذهبت دوّل الملكيات المطلقة الى تحريم العمل السياسي بشكل عام باعتباره مضرا بوحدة الامة!!!؛ فيما اشترطت قوانين بعض الدوّل لتسجيل الاحزاب والجمعيات السياسية التزامها بالمبادئ الديمقراطية (اسبانيا؛ بولونيا).
عند الحديث عن المعالجة الدستورية للحقوق السياسية للمواطن لابد من تناول حق التضاهر والاجتماع والاعتصام السلمي حيث ذهب الكثير من الدساتير الى اعتبار تلك الحقوق مصونة قانونيا شريطة عدم اخلال القيام بها بالنظام العام وعدم تهديدها لأمن الدولة والمواطنين. في ذات الوقت اشترطت الكثير من التشريعات الحصول على موافقة خاصة من السلطات المعنية قبل القيام بالتضاهر او الاعتصام ( قبل يومين في المانيا؛ في فرنسا قبل 3 ليام؛ اما في بريطانيا فقبل 6 ايام) على ان يتضمن طلب الموافقة على القيام بالنشاط اسماء القائمين عليه والعدد التقريبي للمشاركين فيه وتحديد نقطة انطلاق التضاهرة ومسارها؛ وعادة ما تتضمن القوانين او التعليمات قواعد تمنع القيام بالانشطة المذكورة بالقرب من اجهزة السلطة التشريعية (البرلمان) او محل اقامة رئيس الدولة. واجمعت التشريعات على منع اقامة تلك النشاطات فيما اذا كانت تؤثر سلبا على حقوق المواطنين الآخرين او تحد من حريتهم (اعاقة حرية الحركة للمواطنين او ما يمكن ان يهدد سلامتهم)؛ فيما اجازت تشريعات بعض الدول الاوربية منع التضاهر والاعتصام والنشاطات الاخرى اذا كانت تروّج للعداء الديني والاثني و القومي ...الخ.
من بين الحقوق الدستورية للمواطنين تلك التي توسطت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومن اهمها حق الاضراب الذي اعتبرته الغالبية العظمى من السياسيين والحقوقيين وسيلة لتحقيق مطالب اقتصادية او اجتماعية مشروعة؛ ومع ان بعضهم اعتبر الاضراب السياسي مخالفاً للقوانين باعتباره يهدد الاسس الاقتصادية والسياسية للدولة؛ اعتمده اخرون في الصرع السياسي من اجل السلطة؛ فقد شهد العقد الاخير من القرن الماضي تهاوي الكثير من الانظمة في اوروبا الشرقية بفعل الاضراب او التمرد السياسي الشامل (بولونيا ورومانيا مثالا)؛ ويتذكر الجميع اضراب عمال شركات الفوسفات وسواق الشاحنات الذي اطاح بالحكومة الشرعية في شيلي عام 1973. وتنعدم امكانية القيام بالاضراب في ظل الانظمة الشمولية والدكتاتورية اذ ان الاساليب القمعية لاجهزة السلطة تحول دون القيام بتنفيذه. وتجدر الاشارة هنا الى ان الحاجة الى الاضراب السياسي تكاد تكون معدومة في ظل دولة المؤسسات حيث ان الدفاع عن حقوق المواطنين؛ سواءاً الاقتصادية منها او الاجتماعية والسياسية؛ يكون من خلال مؤسسات المجتمع المدني وممثليها في اجهزة الدولة المنتخبة.
عند تناول موضوعة الحقوق السياسية للمواطنين وآليات تحقيقها والدفاع عنها لابد من التأكيد على ان جميع الدساتير على الاطلاق تناولت؛ وبتفصيل مفرط؛ تلك الحقوق لكن اغلب القواعد الدستورية التي تضمنت تلك الحقوق يمكن ادراجها ضمن ما يطلق عليه في لغة القانون الدستوري بالقواعد-الاهداف؛ اي تلك التي تحيل تفعيل الحقوق الى المستقبل. ثم ان مراجعة بسيطة لدساتير الدوّل النامية تكشف لنا بجلاء تنازعاً واضحاً بين القواعد الدستورية ذاتها؛ ففي حين تقر القواعد الدستورية المثبتة في باب الحقوق والحريات العامة حق الانتخاب لجميع المواطنين (على سبيل المثال)؛ تلغي القواعد المنظمة لكيفية تشكيل تلك السلطات هذا الحق باجبارها المواطن على انتخاب (بيعة) شخص واحد هو بالضرورة قائد الحزب الحاكم. من هنا ارى ان اعتماد البرلمانية شكلاً للحكم وخصوصا في ظل غياب تقاليد متجذرة للديمقراطية الشعبية هو الحل الامثل لمجتمعاتنا وهذا ما سيقدم شعبنا على تحقيقه في القريب المنظور.



________________________________________________________________ ٭- يذهب بعض علماء القانون الدستوري الى تصنيف الدساتير الى جيلين: تنتمي الى اولهما الدساتير التي أُقرت قبل الحرب العالمية الثانية؛ وتتميز الدساتير التي سُنت بعد الحرب بتأثير واضح لقواعد القانون الدولي على مواضيعها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال العشرات في جامعات أمريكية على خلفية الاحتجاجات المؤيد


.. الخبر فلسطيني | تحقيق أممي يبرئ الأونروا | 2024-05-06




.. مداخلة إيناس حمدان القائم بأعمال مدير مكتب إعلام الأونروا في


.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس




.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على