الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنحارب المحاصصة أولا

شاكر الناصري

2011 / 3 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يَعِيْشُ العراق على وَقْع حركة احَتِجَاجَات وتظاهرات تحملُ مطالباً عديدة وتُعَبِّرُ عن الرَّغْبَة الحقيقية للكثير من العراقيين في العَيْشِ بحياةٍ حرّةٍ وكريمةٍ. دعوات للاصْلاح والتغيير ومحاربة الفساد وتوفير فرص العمل ومطالبة بتغيير جَذْرِي لكامل النظام السياسي القائم كونه مَصدر كل المشاكل التي تواجه المواطن العراقي ويُشَكِّل عِبْئاً إِضَافِيَاً كبيراً على حياته وحرياته وحقوقه المدنية .

مطالبة الحكومة الحالية بِالقَضَاء على الفَسَاد يَكَاد يَكُوْن أَحَد ابرز المطالب بالنسبة للكثير من المتظاهرين بَعْد ان وَجَدُوْا أَنَّه تَحولَ الى واقعٍ مستشري ويهدد حياتهم ويَقضي على كلّ أمل بأن يَعيشوا في مجتمعٍ تسوده العدالة وسلطة القانون على أعْتِبَار أنّ الفساد يُمكنه أن يمسخ العدالة والقانون وكلّ الأعتبارات الأخرى بما فيها حكاية الديمقراطية الوليدة وأشتراطاتها وممارساتها كذلك .

الحديث عن الفساد في العراق خصوصاً وهو يتربع مع مجموعةٍ من الدول الفاشلة على قمة جداول الفساد والأحصائيات التي تُصدرها الهيئات الدولية المختصة ، يدفعنا بالضرورة للحديث عن كلّ ما يَحيط به وبمسبباته والقوانين التي تحكمه . الافْكَار التي يتم طرحها في هذه الورقة ستكون افكاراً أولية لمشروع أوسع في تناولنا لموضوعة الفساد في العراق .

للفساد قوانين تحكمه و قوانين تحميه أيضاً وتتمكن من جعله واقعاً معاشاً وفي نفس الوقت فأن له أسس يستمد منها قدرته على الأستمرار والتحول الى ظاهرة أجتماعية وسياسية كبيرة وخطيرة رغم كلّ مظاهر الرفض الواسع له . القوانين التي تحميه هنا هي قوانين المحاصصة الطائفية والقومية والسياسية التي أقرت الفساد بِاشْكَالٍ شتى في السرّ أو العلن . فساد الحكومة والمسؤول الكبير والمؤسسة والموظف الصغير . فساد السياسة والأدارة وتفشي ظاهرة اللصوصية والمحسوبية وسرقة المال العام وَابْتِزَاز الناس من أجل اكمال وتمشية مصالحهم ومعاملاتهم . ولا نعني بالفساد هنا سرقة المال العام فقط أو التحكم بمقدرات وثروات البلد من قبل مجموعة احزاب وقوى سياسية فقط . ما نقصده هنا هو المنظومة الأساسية للفساد بمعناه الأعم والأشمل والبنية السياسية والأجتماعية والثقافية التي أنتجته بشكل كامل .

لعلّه من المفيد لنا كعراقيين أن نتحدث عن الفساد ومخاطره وعن الأنهيار الكبير الذي يعم المجتمع نتيجة أستشراء هذه الظاهرة والداء الخطير الذي يَنهش حياة الكثير مِنا ولكن وقبل كلّ ذلك لابد من الحديث عن أسباب هذا الفساد وعن الاسس التي يستند اليها وعن البنى الثقافية والسياسية التي أسهمتْ في تعزيزه وتحويله الى مؤسسة مخيفة بكلّ معنى الكلمة . الوصول الى تشخيص دقيق لأسس الفساد والمنظومة التي تعزز بقائه بإمكانه أن يُقربنا من الوصول الى حلولٍ عمليةٍ تُمكن الجميع من المعالجة والقضاء على ظاهرة الفساد أو الحد منها بشكل كبير.

تشكل المحاصصة الطائفية والقومية الاساس الذي شَرْعَن الفساد في عراق ما بعد التاسع من نيسان من عام 2003 وأعطاه ابعاداً مخيفة الى درجة أن حياة الكثير من العراقيين لا يمكن أن تمضي بسهولة ويسر دون اللجوء الى وسيلة أو مظهر من مظاهر الفساد والية من آلياته . فما حدث أنّ القوى السياسية التي أقرّتْ المحاصصة الطائفية والقومية في مؤتمر لندن الذي عقد في شهر كانون الاول من عام 2002 وعززتْ تلك التوجهات في مؤتمر صلاح الدين قبيل الحرب على العراق في عام 2003 ، قد أمعنتْ في ممارساتها الطائفية وفي تصوير المظالم التي تعرضت لها على يد النظام الدكتاتوري وأن أستئثار هذه القوى بالسلطة وبالثروة ومُقدرات البلد وبالاستناد الى كلّ السياسات التي تعززُ من الأنقسام الطائفي والقومي سوف يُحقق لها التعويض الممكن لكل ما لحق بها من حيفٍ وظلم . ومِن المحاصصة نفسها أستمدّت القوى السياسية والحاكمة امكانيات الامعان في ممارسة فسادها ومنها أستمدّوا امكانية التستر على كلّ الظواهر الخطيرة التي تهدد المجتمع وتفتك به . المحاصصة هي أنّ تسكت عنيّ وأسكتُ عنك وفي الختام نحن شركاء في الغنيمة الكبرى وفي أسكات كلّ من يشير الى ما نقوم به ، بالرشوة ومغريات السلطة الكبرى وإيجاد مبدأ الكلّ شركاء في الحكم والمناصب الوزارية والامتيازات الكثيرة الأخرى أو بالأقصاء والأتهامات والتسقيط السياسي .

أفرزتْ المحاصصة الطائفية الكثير من ظواهر وأشكال الفساد في السياسة والقانون والثقافة والاعلام وادارة مؤسسات الدولة غير أنّ أخطر ما افرزته هو أنها شَرَعْنَت تقاسم السلطة بطريقة التوافق الطائفي والقومي بعيداً حتى عن الأسس الدستورية التي وضعتها قوى المحاصصة بنفسِها وأصبحتْ تتبجحُ بها كمنجزات ديمقراطية وحضارية تستحقُ الاشادة والتقدير وبعيداً كذلك عن الأستحقاقات التي أفرزتها العمليات الانتخابية والألتفاف على نتائجها وتهميشها بما يُشكل خرقاً فاضحاً لمسيرة الديمقراطية المزعومة في العراق . إنّ ممارسات كهذه تشكل اللبنة الأولى للفساد السياسي ولفساد أدارة الدولة ومؤسساتها بشكل يثيرُ الشكوك في أمكانية أن تسير هذه الدولة بشكل سليم ويُمكّنها ان تُحَقِّق نَسَبَا من الحضور والنجاح في مجالات التنمية والتعليم والحقوق والحريات والنزاهة والمصداقية . القوى المذكورة عَمَلتْ وبشكل حثيث من أجل ترسيخ الهوية الطائفية والقومية ، الحزبية والمناطقية والقبلية على حد سواء، ولتضعها في مواجهة المواطنة التي تم مسخها بنسب كبيرة جداً وأمعانا من هذه الأحزاب في تشويه صورة دولة المواطنة أو دولة المؤسسات فأنها جعلت من المؤسسة الحزبية بديلاً عن مؤسسات الدولة أولاً لأنها تريدُ أن تربط الدولة بمصيرِها ووجودها وثانياً لأنها تدركُ أن المؤسسات هي الحجر الاساس في بناء دولة المواطنة لذلك تسعى الى أيجاد مؤسسات هَشّة ومشلولة وغير قادرة على أداء دورها بحيادية وأستقلال . مؤسسات تكون خاضعة لها وتُدار من قبل الحزب بشكل مباشر أو من قبل عائلة زعيم الحزب والمقربين منه . ما تقوم به الأحزاب المذكورة يَعيدُ الى الأذهان ممارسات النظام الدكتاتوري السابق الذي أطر الدولة في صورة الحزب والزعيم الأوحد .

الحكومة التي تم تشكيلها برئاسة نوري المالكي والتي لم تكتملْ حتى الآن وسط تجاذبات ومزايدات وتهديدات حول مجموعة الوزارات الأمنية ، تستحقُ أن نطلق عليها حكومة الفساد والمحاصصة السياسية بأكثر الأشكال وضوحاً . ولأنها حكومة شراكة وطنية كما يقال فيجب أن تكون كبيرة وواسعة وفضفاضة ويصعب تعداد وزاراتها ومهامها وحتى يكون الكلّ شركاء في الحكم وفي نهب مقدرات البلد وفي التخلص من تهم الفساد والأهمال والأنتهاكات المتواصلة للحقوق وفضائح التعذيب والسجون السرية والتضييق على الحريات الأساسية المشروعة للعراقيين وانهيار البنية التحتية للتعليم والصحة والخدمات الأساسية وفي مقدمتها الكهرباء التي تحولتْ يوماً بعد آخر الى لعنة كبيرة وكابوساً مرعباً للعراقيين . 42 وزارة هو عدد الوزارات في حكومة نوري المالكي عدد كهذا يكفي ، اذا ما أضفنا اليه سردية الرئاسات الثلاثة وجوقة نواب الرئيس وفيالق المستشارين وأصحاب الدرجات الخاصة والرواتب والأمتيازات الهائلة التي يتمتعون بها جميعاً ، لأن نقطع الشك باليقين ونقول أن ما يَحدثُ يعزز كلّ المؤشرات التي تؤكد أن الاحزاب السياسية الحاكمة لا تهتم الا بمصالحِها وأستخدام مقدرات الدولة لتعزيز مكانتها الحزبية وتحقق مكاسباً سياسية تمكنها من البقاء في السلطة والمشاركة في غنيمة الحكم باي صورة كانت . وأن ما تقوله هذه القوى عن الفقر المريع والبطالة الكارثية وانهيار مستوى الرعاية الصحية والتربوية وَانْعِدَام الْسَّكَن وَانْعِدَام الْحُقُوْق ، لا يأتي الا من باب النفاق والتلاعب بمخيلة وعواطف الناس البسطاء لأن هذه القوى وبكلّ بساطة هي السبب المباشر لكلّ مأسي وعذابات العراقيين الحالية وحيث أصبح شعور الغالبية العظمى من العراقيين أنهم يعيشون على ارضٍ غريبةٍ رافضة لهم .

الفساد هو الأبن الشرعي للمحاصصة الطائفية والقومية والتوافقات السياسية الجارية في العراق وحتى نقضي على الفساد أو نحاربه فإن عَلَيْنَا ان نُعْلِن الحرب على المحاصصة الطائفية والقومية التي أنجبته وجعلته كابوساً يهددُ حياتنا وكذلك على كل منتجاتها القانونية والتشريعية . إدعاءات الحكومة والقوى المشاركة في الحكم من أنها تسعى جاهدة للقضاء على الفساد ومعالجة كل ملفاته لا يمكن الوثوق بها ولا يمكن أن تنطلي على أحد فكل يوم تتكشفُ لنا حقائق الفساد والمحاصصة بشكل مخيف وبما يدفعنا للتساؤل عن كل ما يجري وهل هو حقيقة أم حلم مرعب ؟

النزاهة التي تدعي هذه القوى انها تسعى لإشاعتها ليس سوى كذبة كبيرة لأن فاقد الشيء لايعطيه . كل المعطيات والحقائق التي تتكشف لنا يوما بعد آخر تبين أن هذه القوى تسعى وبكل قوة لأن تنفرد بالسلطة وتعزز من مكانتها وإن محاولات نوري المالكي لربط الهيئات المستقلة ، كالنزاهة والأنتخابات والبنك المركزي ...الخ ، برئاسة الوزراء تعزز مانقوله حول هذه المساعي .

لايمكن القضاء على المحاصصة وكل تبعاتها وإفرازاتها دون التدخل الجدي لأعادة صياغة الكثير من المسارات التي تسير عليها الدولة العراقية الحالية والتي لاتقود في النهاية الا لوجود دولة مشوهة وهشة ومعرضة للأزمات . التدخل هنا يجب أن يكون في أعادة صياغة الوضع السياسي في العراق ومراجعة الأسس الدستورية والقانونية التي بني على أساسها وتحول بموجبها الى كابوس مخيف . ما نحتاجه هو حراك أجتماعي وسياسي تبينت بعض من ملامحه خلال الاسابيع الماضية وموجود الان في ساحة التحرير في بغداد وفي مدن العراق الأخرى رغم كل الممارسات القمعية والترهيبية التي أنتهجتها السلطة . حراك يجب أن يتبلورعنه أفق وبديل سياسي مغاير لما هو سائد ويستجيب لمتطلبات العصر الذي نعيش فيه وأن يتجسم في مجموعة حركات وأحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني فاعلة تعمل وفق قيم ومبادىء الحرية والمواطنة وحقوق الأنسان ومدنية الدولة والمجتمع بعيدا عن الأنتماءات الطائفية والقومية الضيقة والاستفادة من التجارب القريبة للشعوب في الحرب على الفساد والأستبداد وأستغلال السلطة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ