الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حول الموقف الأميركي والأوروبي من التغيير في تونس ومصر، وربما من التغيير العربي في المرحلة القادمة
سلامة كيلة
2011 / 3 / 18ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
في تونس دافعت الحكومة الفرنسية عن نظامها في تونس حتى آخر لحظة، واتسم الموقف الأميركي بقدر من التريث والانتباه الى أن الوضع قلق، لهذا دفعت الى الصيغة التي تقوم على التخلي عن بن علي ولكنها تمسكت بأن يبقى رجال بن علي في السلطة لقيادة المرحلة الانتقالية، مع إدخال بعض أحزاب المعارضة التي كان معترفاً بها، اي حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقاً) والحزب الديمقراطي التقدمي (الحزب الاشتراكي التقدمي سابقاً) وحزب ليبرالي آخر.
ورغم أن أحزاباً مهمة قد لعبت دوراً في الانتفاضة (حزب العمال الشيوعي، وقواعد الحزب الديمقراطي التقدمي)، وكان هناك طيف واسع من الكادر الماركسي المشتت نشط في فروع الاتحاد العام التونسي للشغل، وفي اللجان التي تشكلت كتعبير عن "التنظيم الذاتي للانتفاضة"، فإن تشتت القوى الماركسية، والحساسيات التي تحكم العلاقة فيما بينها نتيجة تناقض التكتيكات في المرحلة السابقة من الصراع ضد نظام بن علي، فسح المجال للقوى المساومة لأن تقبل القسمة الجديدة بحماس شديد. فحركة التجديد لم تشارك في الانتفاضة وكانت مواقفها مهادنة الى أبعد الحدود (مع وجود قوى قاعدية فيها اتخذت موقفاً آخر)، وبالتالي كان طبيعياً أن تقفز الى السلطة حين طُرح عليها ذلك، فهي لا تؤمن بطاقات الطبقات الشعبية، ولم تكن تعرفها أصلاً، وتعتقد بأن مشاركتها في الحكومة سوف يغيّر من طبيعة السلطة أو يحسّن من طبيعة الطبقة المسيطرة (البرجوازية المافياوية)، ولقد وافقت على إصلاحات بن علي ذاته ولم تطرح رحيله. وأحمد نجيب الشابي كان ينتظر منذ زمن اللحظة التي يصبح فيها شريكاً في السلطة، على أمل أن يحقق تغييراً عميقاً في المستوى الديمقراطي، وهو لا يطرح مسألة تجاوز الرأسمالية أصلاً منذ أن حوّل الحزب الى حزب ديمقراطي، ولقد قاد الحزب في هذا الاتجاه معللاً ذلك بالتغيير من "الداخل" ربما كما يفعل كل من يطمح الى المشاركة بالسلطة بغض النظر عن طابعها. وهو أيضاً وافق على إصلاحات بن علي. وقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل كانت معيّنة من قبل بن علي، أو على الأقل ليست في تناقض معه، ولقد همّشت دور الاتحاد، ووضعته في سياق سلطوي، وبالتالي ونتيجة ضغط القاعدة حاولت تعميق التغيير، وأفلحت من حيث الشكل، لكنها لم تطرح مطالب العمال الذين تعبّر عنهم.
لهذا نجح الحل المطروح أميركياً، وما تحقق هو انفراج ديمقراطي أوسع مؤقتاً (وهذه المؤقتاً مهمة لأن الطبقة المسيطرة سوف تقضم ما تحقق في المرحلة القادمة)، لكن الأهم هو ثقة الطبقات الشعبية بذاتها، وبدورها، ومن ثم سيكون لذلك نتائج لاحقة في سياق تطور الصراع. فالحل الأميركي يعتمد على إيجاد شكل ديمقراطي ينفّس أزمة المجتمع من خلال "الكلام"، لكن هذه روشيتة الثمانينات والتسعينات، وخصوصاً الروشيتة الناجحة في بلدان أوروبا الشرقية وروسيا، حيث الوضع مختلف جذرياً عما هو في بلدان مثل تونس ومصر وكل الأطراف. وبالتالي فإن الحل "الشكلي" لن يطعم خبزاً أو يوفر فرصة عمل لطبقات جائعة.
في مصر وقفت البلدان الأوروبية مع تغيير حسني مبارك منذ البدء، وظلت أميركا تدافع عن النظام، وتؤكد على قوته الى أسبوع بعد انتفاضة 25 يناير. ولقد أظهرت كل ما يفيد بأنها تدعم سلطة الرئيس حسني مبارك، وترفض التغيير. لكنها توصلت الى أن الأمور في تفاقم، والوضع يسير نحو انفلات السيطرة، وأن الشارع يفرض بديله بعيداً عن دورها وحساباتها. لهذا اندفعت بشكل جنوني نحو فرض التغيير، انطلاقاً من رحيل مبارك أو اختفاءه، وتسلم عمر سليمان السلطة، وحل مجلسي الشعب والشورى، والحكومة، وتشكيل حكومة مؤقتة، تشارك فيها "المعارضة"، و"ممثلي الشباب"، من أجل انتخابات جديدة وانفراج ديمقراطي.
فالولايات المتحدة واضحة في دعمها للطبقة المسيطرة ولكل السياسات التي مارستها في العقود الماضية، وهي معنية بأن تبقى في السلطة، وأن لا يصل إليها إلا من يتوافق معها. وهو الأمر الذي دفعها الى التأكيد على أن أي تغيير يجب أن يلتزم الموافقة على كل الاتفاقات الموقعة، من اتفاق كامب ديفيد الى الاتفاقات العسكرية، الى التوافق السياسي مع سياستها العالمية. هذا الوضع الذي يحكم الموقف الأميركي، والذي فرض التسارع لتحقيق تغيير مضبوط كما جرى في تونس. حيث تستفيد من كل النشاط "الأيديولوجي" والدعائي السابق، ومن موجة الدمقرطة التي أطلقتها من أجل حصر المسألة في "الرئيس"، المستبد، الذي بقي طويلاً في السلطة. أما السياسة الاقتصادية التي ترسمها الشركات الإمبريالية، والسياسات الإقليمية والدولية التي تتبع ذلك، فيجب أن تكون خارج البحث، ويجب أن يجري استباق تصاعد الصراع لإيجاد حل يحافظ عليها.
بالتالي جاء التدخل الأميركي من أجل ذلك وليس حباً بالشعب المصري، أو أملاً في تحقيق نظام ديمقراطي بعد دعم طويل لنظام فاسد وبوليسي. ولن تتورع من أن يعيد الكرة بعد أن يهدأ الوضع وتستكين الطبقات الشعبية، حيث أن النهب المفرط يفترض شكلاً من أشكال الدكتاتوريات وليس النظم الديمقراطية. ولهذا بدا تراجع مواقف باراك أوباما الصارمة بضرورة رحيل مبارك بعد أيام من طرحه حينما شعر بأن مبارك استطاع أن يحجّم الانتفاضة ويحصرها في ميدان التحرير، قبل أن تتوسع إلى حركة إضرابات عمالية واسعة تبعها حركة إضرابات طالت موظفي الدولة. ومن ثم الضغط الشديد من أجل رحيله خوفاً من سيطرة شعبية شاملة على الوضع وبالتالي انضمام الجيش إلى الشعب.
لهذا كانت المراهنة على دور الجيش، والصيغة التي يمكن أن تخرج الصراع من مأزقه، نتيجة أن الطبقات الشعبية صمدت ولازالت صامدة، لكن ليس لديها خطة للتقدم من أجل فرض التغيير، وما كان يجري هو انتظار حل "مقبول" يطرحه الجيش أو من يعبّر عنه. وهو حل يفترض إما مشاركة قوى معارضة في حكومة تقوم بعد رحيل مبارك، أو تشكيل حكومة انتقالية من أطراف في السلطة مدعومة من الجيش وأطراف معارضة (مثل الأحزاب الشرعية، الوفد والتجمع وحزب الجبهة. أو نصف الشرعية مثل حزب الغد. وأيضاً الجمعية الوطنية للتغيير التي يرأسها البرادعي. وبعض هيئات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة) تشرف على مرحلة انتقالية يجري فيها إعداد دستور جديد، ومن ثم تجري انتخابات جديدة.
ولقد فرض الحل الذي جعل الجيش هو المتحكم بالمرحلة الانتقالية دون تغيير حكومة أحمد شفيق التي عينها مبارك، الذي يعمل على تحقيق تحقيق أقل قدر ممكن من التنازلات. لهذا جرى حصر المسألة في رحيل حسني مبارك، واعتقال بعض رموز المرحلة الماضية، وربما تهميش الحزب الوطني، لكن مع إبقاء رموزه في الحكومة. لهذا نجد بأن ما يتحقق هو الخطة التي وضعها حسني مبارك، والقائمة على تعديل بعض مواد الدستور التي تتعلق بانتخاب الرئيس وليس بصلاحياته، وحل مجلسي الشعب والشورى، وبالتالي التحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية في فترة ستة أشهر. ولا بد من ملاحظة أن هذه الفترة القصيرة لن تمكن قوى الانتفاضة من أن تتنظم لكي تكون مهيئة لانتخابات حرة، وبالتالي ستكون النتيجة هي نجاح القوى المنظمة أصلاً (وهنا الإخوان المسلمين) وبقايا الحزب الوطني الذي لازال يحافظ على وجوده و"سلطته"، وبعض الليبراليين الذي برزوا في الإعلام خلال السنوات الماضية. وعلى صعيد الرئيس يبدو عمرو موسى هو الأوفر حظاً، وهو من صلب سلطة مبارك.
ما يمكن أن يعدل من ذلك هو استمرار تماسك قوى الانتفاضة، وأقصد الطبقات الشعبية بالتحديد التي أظهرت قوة هائلة وصموداً بطولياً، ودفعها لإسقاط هذه الخطة، وبالتالي العمل على تشكيل حكومة انتقالية من قوى الثورة هي التي تحضر لصياغة دستور جديد، ومن ثم انتخابات جديدة في إطار نظام جمهوري برلماني. رغم غياب القوى الجذرية تماماً هنا، فمن شارك فقد بدا كنشاط فردي، وليس بتحضير حزبي، أو رؤية واضحة. فقد كان الشك هو الحاكم لهؤلاء لإمكانية نجاح انتفاضة الآن. والأسوأ هو الموقف المخزي لقيادة حزب التجمع، برغم مشاركة أفراد منه في الانتفاضة منذ البدء، وساهمت في الدعوة إليها. وأظن بأن الزمن قد تجاوز هذا الحزب، ويجب أن يصبح من الماضي. أما القوى الماركسية الأخرى فقد اسهم بعضها في الدعوة للإضراب يوم 25 يناير وشارك فيها، لكن دون استراتيجية أو فاعلية، أو حتى الاستفادة في الدعاية لأهداف ورؤى، أو محاولة تعميق الجانب الذي يهم معظم هذه الجموع الهائلة، أي من خلال التركيز على طرح المطالب التي تتعلق بالأجور والبطالة والفساد ونهب الطبقة المسيطرة، وبالدعوة لنمط اقتصادي جديد. وهو الأمر الذي بات يحصر المطالب في المطلب الديمقراطي وفي رحيل مبارك فقط، رغم أن انتفاضة الطبقات الشعبية انطلقت مما هو اقتصادي: البطالة والفقر والأرض والصحة والتعليم والتدمير الذي تحدثه الطبقة المسيطرة في كل مناحي الحياة.
إذن، الانتفاضة شعبية شاملة، والإخراج سيكون أميركياً ولن يقود الى تحقيق أي من أهداف الطبقات الشعبية. فقط متنفس ديمقراطي، وهو متنفس ربما يكون أقل كثيراً مما أراد الشعب.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - ماهو الراي
رديف شاكر الداغستاني
(
2011 / 3 / 18 - 18:52
)
زميلنا العزيز سلامة تحية صادقة قلما مانقرء حول الوضع في سورية نود ان نتعرف عن حقيقة الوضع الان قي ظل الحراك الشعبي مع جزيل الشكر
.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم
.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة
.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.
.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة
.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال