الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنفاق العسكري وهدر أموال الشعوب

نجم خطاوي

2011 / 3 / 19
حقوق الانسان


كنا يومها أنصارا في الجبال في كردستان العراق يوم توقفت أصوات الخراب والدمار بإعلان نهاية الحرب بين إيران والعراق.
يومها عبر الجميع عن السعادة والفرح لنهاية هذه المأساة التي أكلت الأخضر واليابس والتي خلفت دمارا مريعا.
وسوية مع مشاعر الفرح والغبطة هذه امتزجت مشاعر القلق والخوف والترقب من أن دبابات وطائرات ومدافع السلطة ستدار إلى جهات أخرى وبالتحديد باتجاهنا في جبال كردستان .
في مساء من تلك الأيام الرائعة قال صاحبنا الجنوبي بصوته الهادر المجلجل محاولا تبديد هموم المقاتلين وطرد ما يبعث الحزن والحيرة .
- أتعلمون من هو المتضرر الأكبر من وقف الحرب العراقية الإيرانية.... ؟؟؟
وسمعنا إجابات وتكهنات وحزر واحتمالات,لكنها كلها لم ترض لمزاج صاحبنا الذي خطأها كلها وهو يجيب بعد أن طلعت أرواحنا وحبست نفوسنا .
- حفارو القبور... والسبب هو كساد بضاعتهم .
وأجابه أحدنا بعد أن ساد الصمت :
- ربما أصبت في الجواب,لكنك نسيت أولياء نعمة حفاري القبور من تجار الحروب ومالكي كارتلات السلاح...
وكان مزاحا ثقيلا ضاع بين نكهة السخرية ووهج التراجيدي المؤلم, وفي وطن تمتد فيه في كل يوم طوابير توابيت قتلى الحرب, وهي تتدفق يوميا على المقابر.
تذكرت هذه الحكاية في هذه اللحظات العصيبة والتاريخية التي تمر على ليبيا وشعبها, وهو يجابه مأساة واقعية عبر إصرار الدكتاتور وأعوانه على التشبث بالسلطة وبأي ثمن, والذي جرت رعونته العالم لاستخدام القوة وأسلحة الدمار.
ليبيا التي انفق دكتاتورها وسلطته مليارات الدولارات وربما يزيد, على شراء السلاح, ومن مشارق العالم ومغاربه. والحجة في كل مرة أن الوطن بحاجة للسلاح للدفاع عنه, والتصدي للأعداء الوهميين.
الجميع يعلم أن دكتاتور ليبيا وجلادها لم يطلق رصاصة واحدة ضد هؤلاء الأعداء. نعم لقد استخدم السلاح ويستخدم اليوم بفظاعة وكوارث ضد صدور الشعب الليبي الأعزل,وضد الأشقاء العرب والأفارقة,وهو اليوم سيصبح خردة مرة أخرى, وعلى يد أولئك الذين صنعوه يوما, والذين باعوه بالمليارات التي قبضوها من الأموال التي سرقها القذافي وغيره من قوت الشعب.

لقد دفع الشعب العراقي الثمن باهظا, يوم دمرته الدكتاتورية والحروب والحصار والفقر والجوع,ويوم أهدرت الدكتاتورية المليارات من الدولارات على تشييد هيئات التصنيع العسكري ,وعلى شراء أسلحة الدمار والرعب من طائرات ومدافع وبوارج,وعبر الحجة والمكر المعتادة بأن هذا السلاح هو للتصدي لأعداء الوطن,والذي تبين بعدها أن هؤلاء الأعداء هم أبناء الأهوار وكردستان العراق والمعارضين لنهج الدكتاتور.
لقد كان بالإمكان بناء دولة مدنية عصرية متحضرة في العراق من تلك الأموال الباهظة التي تم هدرها في شراء السلاح وفي تطوير ماكينة الحرب.
لقد فوت الطغاة فرصة تاريخية, ودفع الناس ثمنها باهظا ,يوم استفاقوا ليجدوا الكذبة الكبيرة وهي تكشف عن وجهها القبيح حين يصبح الجيران أعداء وأهل الوطن عملاء وخونة ويجب إبادتهم . وهذه الوقائع شهد دهشتها الجنود الذين اجبروا على قتال الجارتين الكويت وإيران,والذين سيقوا لنحر شباب انتفاضة آذار المجيدة 1991,ولتهجير وقمع الناس في كردستان العراق.
المهزلة أن مليارات الدولارات, تلك التي أنفقت على اقتناء السلاح, قد ضاعت هدرا في الحروب التي حولت هذا السلاح إلى خردة وسكراب تنبعث منه الإشعاعات وأخطار السرطان والأمراض الخبيثة. وهذه المأساة والمهزلة تتكرر في كل مرة ,حين تتكرر الصورة نفسها ,والتي تتجلى مرة في شكل تجار ومصنعي سلاح,وآخري في صورة جيوش لتدمر هذا السلاح,ولتعود الصورة مرة آخري جديدة قديمة, وعبر الكذبة الكبرى في حاجة هذه البلدان للسلاح للتصدي للأعداء(الوهمين) .
عن أي مبادئ وقيم يدافع الطغاة في ليبيا اليوم وهم يتطلعون للملايين من الناس وهي ترفضهم وتطالب برحيلهم ؟؟
من المسئول عن هدر هذه المليارات التي أنفقت لشراء السلاح في ليبيا ,والتي كان بأمكانها أن تجعل من ليبيا دولة عظيمة وليست دولة خرائب وتخلف ؟؟
من المسئول عن الخراب والدمار الذي سيحول هذه الأسلحة إلى أنقاض وخردة وأمراض وويلات وأوبئة ؟؟؟
في هذا المساء الثقيل يلفني الحزن وأنا اقبع وسط الثلج البهيم, قريبا من القطب, وسط بلاد الأغراب, متطلعا للحظات الأليمة التي ستدمر فيها أموال الشعب الليبي, التي سرقها الدكتاتور واقتنى بواسطتها تلك الترسانة من السلاح والعتاد.
السؤال الذي يحيرني دون أن أجد اجابة له وهو يعذبني ويعذب الجيل والجموع الذين شردتهم رعونة الدكتاتورية وعبث الدكتاتوريين :
لماذا يحدث كل هذا ؟ ولماذا نجوع ونتشرد ونحن من أوطان فيها كل درر الدنيا وتيجانها ؟؟
ولماذا يستمر تجار السلاح في استنزاف أموالنا في كل مرة ؟؟؟
لقد صدق نبؤهم أولئك أصحابي في الجبل,فليس من أحد تفرحه الحروب سوى حفاري القبور وتجار السلاح,وليس من أحد يحزنه السلام سوى تجار السلاح وحفاري القبور المتكرشين من توابيت قتلى الحروب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة


.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 




.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط