الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سيتحقق مشروع الدولة الوطنية في العراق يوما ما؟

ثائر كريم

2004 / 10 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تعرض مشروع اقامة دولة وطنية "فعليا" في العراق منذ الاعلان عن تأسيسها "رسميا" عام 1921 إلى ضغوطات ، داخلية وخارجية، ثقافيا وسياسيا واقتصاديا. فمشروع الدولة الوطنية بما يعنيه من اقامة مؤسسات الدولة كمؤسسات موضوعية لا شخصية واساس ايديولوجي ثقافي ينتظم في هوية عراقية وطنية موحدة لم يكتمل في أي عهد مضى.
ان أي حديث عن اشكالية المشروع الوطني في العراق ينبغي ان تنطلق من رؤية تاريخية نقدية.
فان مشكلة البلاد السياسية رقم واحد هي مشكلة عدم الاتفاق على العيش المشترك في بيت واحد. مشكلة عدم امساك النظام السياسي العراقي لفرصة الاندماج السياسي سلميا. والمقصود بالنظام السياسي العراقي هو الحكومات المتعاقبة المسيطرة على السلطة المركزية والقوى السياسية داخل المجتمع وخارج السلطة. فكلها فرّطت بفرصة تثبيت اركان البيت العراقي الواحد والعيش المشترك والحكم الجماعي المسؤول. وكلها قطعت، بدرجات مختلفة، ظهر اندماج المكونات الاجتماعية المتنوعة التي دخلت في البيت الجديد. دخل بعضها عفويا في الكيان المركزي الجديد (مثل بغداد وتكريت وكركوك والرمادي والكوت والعمارة والبصرة). وادخل البعض الآخر فيه بالقسر (مثل السليمانية والفرات الاوسط). وادمج مكونات اخرى بالاحتلال والتفاوض (مثل الموصل).
من هنا فان الكيان المركزي، اداريا وسياسيا الذي تأسس ارتباطا بالاحتلال البريطاني للبلاد سنة 1917 ظل كيانا فوقيا. تعوزه نقطة الانطلاق الاولى: الاتفاق على السكنى في البيت الجديد. فقد ادير البيت الجديد بطريقة مائعة وغير مسؤولة ابان العهد الملكي. وتعرض لانتكاسة كبرى بعد الانقلاب العسكري في 14 تموز 1958. وخطفته لصالحها قوى شمولية طائفية بعد الانقلاب البعثي في عام 1968.
ان السبب الرئيس لانتكاس الدولة والاندماج في العراق ينبع من إخضاع البيت العراقي الى منطق الصراع على الهيمنة على موارده الاقتصادية والسياسية الواسعة. والانفراد بها من قبل نخب عسكرية ومدنية مختلفة. وبالتدريج سرق المشروع برمته واخضع كليا الى سيطرة العشيرة والطائفة. ووقع سكان البلاد في مأسى لا تحصى.
اظهر النظام السياسي ابان العهد الملكي، ببلاطه وطبقته السياسية السائدة وقواه المحلية ترددا واستخفافا واضحا في توسيع القاعدة الاجتماعية للهوية الوطنية العراقية. واعطي المجال لقوى الجيش والعسكر- من فوق ومن تحت، من قبل الحكومات ومن قبل القوى السياسية المعارضة- ان تتزعم حركة تأسيس الهوية الجديدة وان تضع مضامينها.
اما انظمة ما بعد 1958 التي ابتدأت بانقلاب عسكري نقل السلطة السياسية كليا الى احضان ضباط الجيش فانها حققت تأمين الدعم الجماهيري الواسع عبر المزيد من التسييس الاجتماعي. وبدءا من 1963 وضعت السلطات المركزية الاساس المتطاول لتصفية اسس التعددية عبر تكريس نظام الطائفية السياسية رغم ادانته خطابيا. وعبر اقامة اسس المجتمع المسيس الذي تموت فيه بذور التعددية. واختزل اهل البيت الى رعايا لا حول لهم ولا قوة.
اما نظام صدام حسين بخاصة، فكان يسّخر كل الأساطير للقول بان البيت العراقي الجيد هو وطن موحد بشعبه وحكومته. هذا في الوقت الذي كان الحكم يعتمد مليا على سيطرة العشرنة الكلية للدولة وللسلطة السياسية والإدارة الحكومية. وسوية مع مشروعات تأميم الثقافة والحكم والاقتصاد التي فرضها النظام على الناس يوميا فان الواقع يبقى مواصلة احتكار القلة لموارد البلاد المادية وغير المادية.
وهكذا، كان مشروع الدولة ان العهد الملكي يقوده بلاط ملكي ضعيف. وطبقة سياسية فوقية. وقوى سياسية معارضة تحكمت بسياسات معظمها اجندة اجنبية (سوفياتية او مصرية او سعودية او ايرانية الخ).
وصار المشروع بعد 1958 عبارة عن صالة عسكرية يتربع على صدرها حكام منفردون محاطون بنخبة عسكرية امنية استراتيجية. وانتهى بعد 1968 الى ارادة قائد اوحد يتزعم عائلة وعشيرة تحكم.
في ظروف العراق، كما تبين التجربة ويقول المنطق، لا يمكن إقامة دولة بدون تحقق فكرة الوطن للجميع. ألدولة التي لا تقبل فكرة أحتمالية التعاقب على سلطتها السياسية وادارتها قوى متباينة الايديولوجيات والمبادىء وتعتمد على قانون اساسي ينتظم فيه نشاط الجميع هي بلا ادنى شك دولة لا وطنية.
كما ان الجماعة التي تنبذ فكرة العيش المشترك على قاعدة قانون اساسي واحد يحكم الجميع تنبذ، بالضرورة، هذه الوطنية. فهي اما ان تريد ان تؤسس بيتها الخاص او ان تهدم البيت العراقي من اساسه.
ثمة في العمق مبدأن جوهريان يحكمان ويحتمان دولة القانون في العراق وهما: العدل والشرعية. العدل يتجلى، عمليا، عبر منطق المساواة السياسية كما يمكن ان يسود في دستور البلاد. اما الشرعية فتتجلى، عمليا، عبر التطبيق المؤسساتي والممارسة الفعلية لمبدأ المساواة السياسية.
السلام الوطني في العراق هو الصيغة العراقية المحلية لفكرة المساواة السياسية الكونية. وهذا السلام اذ يكون مصحوبا بتأسيس شرعية التعاقب على السلطة سلميا هو شرط أي حياة سياسية انسانية متخيلة لما بعد عصر الطغيان.
الدولة في العراق اذا اريد لها ان تتكون فهي لابد، مصيريا، ان تتشكل مرجعيا وشرعيا بالاستقلال عن النظام السياسي.
لابد ان تكون مركزا لهذا النظام لا مطية له. ولابد ان تكون لها جوهرها ووظائفها المستقلة ليست فقط عن شخص الحاكم بل ايضا عن شخص المحكوم. ان تكون مستقلة عن المجتمع وتابعة له في آن واحد. لها مؤسساتها القائمة على تخصصها الموضوعي كمرجعية مستقلة ولها معاييرها والياتها لحل المشاكل والازمات. بهذا المعنى فقط يمكن ان تتاح الفرصة للفرد والجماعة في العراق ان يحظيا بالاحترام الناجز وان يتخلصا تدريجيا من سلطة الولاءات والتضامنات الطائفية المذهبية والاثنية والقبلية وسواها.
بهذا المعنى لابد من اقامة مشروع الدولة الوطنية في العراق باعتبارها مبنى للشرعية الوطنية ومؤسسة القانون الاساسي للبلاد ومرجعية دستورية وبنية لادوار سياسية متخصصة.
اذا لم تعمل الحكومة القائمة واللاحقة والقوى السياسية الحية في العراق في هذا الافق فكيف يمكن، اذن، ادارة هذا المشروع وانجاحه؟
ما رأيك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء الاسرائيلي يستبق رد حماس على مقترح الهدنة | الأ


.. فرنسا : أي علاقة بين الأطفال والشاشات • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد مقتل -أم فهد-.. جدل حول مصير البلوغرز في العراق | #منصات


.. كيف تصف علاقتك بـمأكولات -الديلفري- وتطبيقات طلبات الطعام؟




.. الصين والولايات المتحدة.. مقارنة بين الجيشين| #التاسعة