الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منغصات سخيفة لا تفسد العرس الديمقراطي.. لكنها تستوجب المساءلة استفتاء السبت.. أول خطوة علي طريق الألف ميل

سعد هجرس

2011 / 3 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أكتب هذه الكلمات يوم السبت الموافق 19 مارس، أي يوم الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، وعلي الأرجح فإن نتيجة هذا الاستفتاء ستكون قد ظهرت قبل أن تقع عين القارئ علي هذا المقال.
وليست النتيجة هي بيت القصيد في هذا المقام، رغم أنها ستسهم بلاشك في تحديد المسار الذي ستمضي عليه البلاد في هذه المرحلة البالغة الأهمية، كما أنها ستعكس آثارها علي الخطوات اللاحقة التي سيحتدم الجدل حولها في سياق البحث عن أفضل السبل، وأيسرها، للانتهاء من الفترة الانتقالية التي أعقبت ثورة 25 يناير.
وبما أن نتيجة الاستفتاء لاتزال في علم الغيب (حتي لحظة كتابة هذه الكلمات) فإن هناك الكثير الذي يمكن قوله عن هذا الحدث الاستثنائي.
صحيح أن هذا الاستفتاء ليس هو الأول من نوعه في مصر، لأن البلاد عرفت العديد من الاستفتاءات منذ 23 يولية ،1952 لكن هذا هو الاستفتاء الأول الذي يمكن القول بثقة إن نتيجته ـ أياً كانت ـ تعبر عن إرادة أغلبية المصريين بالفعل.
وهو الاستفتاء الأول الذي يقبل المصريون علي المشاركة فيه بكامل إرادتهم وبتصميم شديد، علي عكس كل الاستفتاءات السابقة التي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها أكثر من 1 ـ 2% في أحسن الأحوال، رغم أن الأرقام الرسمية كانت تتحدث بطبيعة الحال عن نسب خيالية لا علاقة لها بالواقع.
وهو الاستفتاء الأول الذي يشعر المصريون بأن أصواتهم موضع احترام، وأن الصوت الواحد يمكن أن يمثل فارقاً.
وهو الاستفتاء الأول الذي من المرجح أن تكون نتيجته متقاربة جداً، حيث من المتوقع أن يكون الفارق بين عدد المؤيدين وعدد المعارضين للتعديلات الدستورية فارقاً ضئيلاً، علي عكس كل الاستفتاءات السابقة التي كانت نتيجتها معروفة سلفاً، وتحقق مشيئة الحكومة بنسبة 99%.
وهو الاستفتاء الأول الذي يجري في أجواء من الحرية والشفافية دون تدخل من الإدارة والحزب الحاكم وأجهزة الأمن التي أدمنت »تقفيل« صناديق الاقتراع و»طبخ« النتائج مقدماً.
وهو الاستفتاء الأول الذي يجري فيه الاقتراع اعتماداً علي بطاقة الرقم القومي، الأمر الذي من شأنه تسهيل التصويت، والأهم هو استبعاد أصوات الموتي في ظل »الكشوف« الانتخابية »المضروبة« مع سبق الاصرار والترصد.
وهو الاستفتاء الأول الذي أتاح الفرصة لرقابة المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية الوطنية.
***
وكل هذه »السوابق« جعلت من استفتاء السبت عيداً ديمقراطياً حقيقياً، حيث تحولت الطوابير الطويلة أمام المقار الانتخابية إلي تجمعات حضارية بالغة الحميمية بين المصريين الذين توافدوا منذ الصباح الباكر حتي وقت متأخر اضطرت معه الجهات المسئولة عن الاستفتاء مد موعد التصويت إلي التاسعة مساء. وكان المشهد الذي يبعث علي الفرح هو منظر الأب الذي يصطحب معه أسرته والوقوف فترة ليست قصيرة انتظاراً للإدلاء بصوته، والحديث الودود ـ أثناء ذلك ـ مع باقي الناخبين والناخبات حول حيثيات التصويت بـ »نعم« أو التصويت بـ »لا«.
وكانت النتيجة.. هذا »العرس الديمقراطي«.
***
بيد أن هناك منغصات شابت هذا الحدث الديمقراطي غير المسبوق، يجدر رصدها ليس من باب هواية »النكد القومي« وافساد الفرحة الجماعية، وإنما من باب الاستفادة والتحسب لعدم تكرار الوقوع في ذات الأخطاء مستقبلاً.
أولي هذه المنغصات أن الاستفتاء كان غير ديمقراطي في حد ذاته، وبصرف النظر عن نتيجته، لأنه جري في ظل غياب آليات محددة في حالة إذا ما جاءت النتيجة لصالح الرافضين للتعديلات الدستورية، وهو ما يعني أن المصممين لهذا الاستفتاء يفترضون ضمنا أن النتيجة ستكون لصالح المؤيدين لهذه التعديلات بالضرورة وهذا افتراض غير ديمقراطي في أحسن الأحوال.
فضلا عن استمارة الاستفتاء تم تصميمها علي النحو الذي يضع المواطن المصري أمام أمرين لا ثالث لهما: إما أن يؤيد التعديل لكل المواد المطروحة للتعديل، وإما أن يرفضها جملة وتفصيلا، دون أن يكون أمامه خيار الموافقة علي بعض المواد ورفض بعضها الآخر، وهذا أمر بعيد عن روح الديمقراطية بكل تأكيد.
ناهيك عن أن بعض المواد المطروحة للاقتراع هي ذاتها منافية للديمقراطية شكلا وموضوعا، وبالذات تلك المادة المتعلقة بجنسية المرشح لمنصب الرئيس هو وزوجته ووالده ووالدته، حيث تتضمن هذه المادة نوعا من الحجر أو العزل السياسي بلا مسوغ معقول.
***
أما إذا تركنا هذه التحفظات علي الاستفتاء في حد ذاته ومنافاته من بعض الأوجه المشار إليها مع الروح الديمقراطية، فإننا نجد في التطبيق منغصات أخري.
من بينها لجوء بعض الأطراف إلي اشهار سلاح الدين لابتزاز تصويت الناخبين لصالح تأييد التعديلات الدستورية، فلجأ البعض إلي »الفتوي« بأن التصويت بـ »نعم« واجب شرعي، بما يعني »تكفير« من يصوت بـ »لا«.
وهذا ارهاب وابتزاز يتنافي مع مبدأ الاستفتاء ذاته، الذي هو اختيار من بين »اجتهادات« سياسية محددة لا دخل للدين بها ولا دخل لها بالدين.
ومن بينها أيضا ترويج بعض هذه الأطراف لادعاءات كاذبة - خاصة بين البسطاء من المواطنين - تزعم أن التصويت بـ »لا« ورفض التعديلات الدستورية يعني الموافقة علي إلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
رغم أن هؤلاء الذين يروجون تلك الادعاءات يعلمون علم اليقين أن المادة الثانية ليست مطروحة للتعديل أو الالغاء،وأن تأييد التعديلات الدستورية أو رفضها لا علاقة له بالمادة المشار إليها.
ولجأ هؤلاء إلي نغمة سخيفة أخري زعمت ان رفض التعديلات الدستورية يعني الموافقة علي أن يكون لمصر رئيس قبطي.
ورغم أن كاتب هذه السطور - وغيره الكثير من المسلمين المصريين - ليست لديه مشكلة من حيث المبدأ مع تولي قبطي مصري منصب الرئاسة طالما كان الأكفأ للقيام بواجبات هذا المنصب الرفيع، فإن الزج بهذا الأمر في غير موضعه يمثل خلطاً متعمداً للأوراق وتضليلا مقصودا للناخبين يحاول التأثير علي اتجاهاتهم التصويتية، فضلا عن أنه مسلك كريه يصر علي الترويج لنعرات تمييزية وطائفية تتنافي في جوهرها مع روح ثورة 25 يناير الديمقراطية.
ولم يكتف نافخو رياح الفتنة بهذه المواقف غير الديمقراطية، بل ذهب بعضهم إلي اعطاء »الرشاوي« لفقراء الناخبين في بعض الدوائر الانتخابية، حيث رصدت منظمات حقوق الانسان وغيرها من الجمعيات الحقوقية حالات لتوزيع سكر وسمن وغير ذلك من »العطايا« في بعض اللجان الانتخابية، من أجل حث المواطنين الفقراء علي تأييد التعديلات الدستورية.
وهذا أسلوب مرفوض علي جميع المستويات يجب محاكمة من قام به، ويمكن لجهات التحقيق طلب المعلومات الخاصة بهذه الجريمة من الجمعيات الحقوقية التي رصدت تفاصيلها.
***
هذه منغصات يجب التنبه لها والمحاسبة عليها بحسم حتي لا تتكرر وحتي لا يفلت المجرم بجريمته.
ومع ذلك.. فإن هذه التجاوزات والسخافات لا تغير من حقيقة الأمر.. التي تؤكد أن استفتاء السبت هو أولي خطوات الممارسة الديمقراطية التي دشنتها ثورة 25 يناير بهدمها واحدا من أقدم النظم الاستبدادية في العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التزوير في عقل الشعب
محمد بن عبد الله ( 2011 / 3 / 21 - 12:07 )
أستطاع الاسلاميون من إخوانجية وسلفجية وتكفيريين أن يضربوا شباب الثورة ضربة في الصميم..فإنهم وبكل بساطة حوّلوا حالة العداء من عداء لمبارك ولنظامه وللمجرمين الذين نهبوا البلاد ... إلى المسيحيين !!

اليوم أصبح التصويت ضد الأقباط وليس ضد فلول النظام السابق

ولا أظن أن هذا جاء صدفة بل انه جريمة مع سبق اصرار وترصد اقترفها جيش الساجدين باختياره لجنة فيها اخوانيان و رئيسها متعصب لتمرير تغييرات مشبوهة في الدستور

قرأنا في الصحف الأمريكية عن نصيب قيادات الجيش من عمولات في صفقات السلاح الأمريكي وها تصرفاتهم تؤكد كل ما كتب فهم يحاولون طي صفحة ماضيهم الأسود بسرعة حتى لا يحاسبهم أحد

النظام القادم أسوأ بمراحل من نظام مبارك الفاسد وكل هوجة وأنتم بخير


2 - المبدع سعد هجرس
حسنين قيراط ( 2011 / 3 / 21 - 16:31 )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي أمرنا بالعلم والتعلم والأدب والتأدب والحلم والتحلم والصلاة والسلام علي رسول الله خير من علم وأدب..... وبعد
أستاذنا المبدع سعد هجرس تحياتي لشخصك المحترم
ما حدث ( أن كان قد حدث بالفعل ) فلا قيمة له ولا تأثير في مسيرة الحرية التي شعر بها كل مصري وعن نفسي لاأصدق ما ذكرت إلا لو أن استاذنا سعد هجرس قد رأي ذلك بأم عينيه فهو صادق وشريف أما إن كان قد سمع فالأمر مشكوك في صحته
أخي الكريم
هذه أول مرة في حياتي أشارك في إنتخاب وقد سعدت وحمدت الله علي هذه الروح المصرية الخلاقة، لقد رأيت حب ومودة ونظام ونظرة أمل لمستقبل باهر بإذن الله حفظ
مصر والمصريين ورحم الله شهداء الثورة ورزقهم رضاه والجنة آمين


3 - المنغصات بالفعل أفسدت الحلم الديمقراطي
سامي المصري ( 2011 / 3 / 21 - 21:49 )
سيدي الفاضل المنغصات بالفعل أفسدت علينا الحلم الديمقراطي، المضللون والمنتفعون بفساد الدستور القديم شوهوا الصورة لحساب مكاسبهم الغير مشروعة ضد الديمقراطية وضد الكرامة الإنسانية وضد المساواة المجتمعية تحت شعارات دينية مضللة ومفسدة . النتيجة هي ضياع كل مكتسبات الثورة وإهدار دم الشهداء لحساب مجموعة من التسلقيين المفسدين لكرامة الوطن وحريته. لقد استجاب الشعب للاستفتاء بكل حماس وبروح ديمقراطية عالية، بينما كانت الحكومة بقيادة الجيش تنصب هذا الاستفتاء كفخ ابتلع كل مكاسب الشعب الذي تحقق بالثورة العظيمة وميدان التحرير. لقد رجعنا إلى المربع الأول بعد أن أثبت حول رقبتنا دستور فاسد أقامه السادات، وبه أحكم مبارك قبضة الفساد ليسحق الشعب المصري، وقامت القوات المسلحة بترقيعه وبكل سذاجة يصوت عليه الشعب بكل تحت تأثير شعارات دينية فاسدة وإشاعات مغرضة استخفت بالعقول التعبانة. لقد باعدت نتائج الدستور أي أمل في حياة ديمقراطية سليمة للشعب المصري إلى أن تقوم ثورة جديدة؛
مع تحياتي؛

اخر الافلام

.. السفينة -بيليم- حاملة الشعلة الأولمبية تقترب من شواطئ مرسيلي


.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على احتمال إرسال -جنود م




.. السيارات الكهربائية : حرب تجارية بين الصين و أوروبا.. لكن هل


.. ماذا رشح عن اجتماع رئيسة المفوضية الأوروبية مع الرئيسين الصي




.. جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و