الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو اعادة تقييم المجالس التمثيلية في العهد الملكي

ثائر كريم

2004 / 10 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


شكلت المجالس التمثيلية مكونا رئيسيا من مكونات الكيان العراقي الجديد بعد تأسيسه عام 1921. بيد ان اغلبية من كتب عنها، خصوصا بعد انقلاب 14 تموز 1958، وضعها في خانة المظاهر المزيفة للمارسة الديمقراطية في ذلك العهد. أهذا هو حكم الادانة الفاصل عن هذه المجالس؟ ام ان فيها دلالات عميقة لنا فيها عبر معاصرة.
كان الدخول في مجلسي الاعيان والنواب يعني بالنسبة للملك والنخبة الاستراتيجية المحيطة به وايضا بالنسبة للبريطانيين اولا وقبل كل شيء توفير فسحة مناسبة لتمثيل المكونات المحلية وبالذات القبائل والعشائر. كان القصد ضمان انخراط اكبر عدد ممكن من الزعماء المحليين في سياقات الاندماج بالكيان الجديد. اما بالنسبة لهؤلاء الزعماء فانها كانت، اولا وقبل كل، شيء مصدر شرعية ايضا. يعلن حامل بطاقة دخول المجلسين عن اكتسابه مكانة سياسية هيبوية محددة. انه قريب من مراكز القرارات المركزية السياسية الحاسمة. وفّر الانخارط في المجلسين، ايضا، مصدرا ثابتا للدخل والمنافع الاقتصادية المختلفة.
ولعل انخراط عدد اكبر من الساسة الشيعة في السياسات العراقية، في الوزرات والمجالس النيابية والاجهزة الادارية يعبر عن احدى تجليات نمو هوية عراقية جديدة. عكس نموا في فكرة الانتماء لوطن واحد. ففي السنوات الاخيرة من حياة الدولة الملكية انحدر اكثر من نصف المسؤولين من اصل شيعي او كردي. كان مثل هذا الامر في عداد المستحيلات قبل بضعة عقود. وفي غضون عقدين منذ تأسيس الكيان الجديد ارتفع الى رئاسة الوزارة اربعة أشخاص من اصل شيعي، اضافة الى اثنين من اصل كردي.
ورغم ان وتائر اندماج النخب الكردية اتسمت بتباطؤ وتعقد منذ البدء قياسا الى وتائر اندماج النخب الشيعية فان المصالح الاقتصادية الكبرى التي كان يجنيها رؤساء العشائر والقبائل وسواهم من ملكياتهم الزراعية والحيوانية كانت تخفف تماما من أي احتكاكات عنفية بين المناطق الكردية والمركز السياسي. وفي الحقيقة فان الاكراد وبعد فترة قصيرة من تأسيس الكيان الجديد لم يرفعوا إلا جدول اعمال متناغم كليا مع روح الهوية العراقية وفي اطار الدولة الوطنية. وفيما عدا تكوين احزاب سياسية كردية وخصوصا اثناء الاربعينيات وحركة البرازاني الثانية بين 1945-1946 فان فترة 1935-1958 لم تكشف عن حركات محلية كردية عنفية منابذة للمركزية الجديدة.
ان النقد اللاذع، واحيانا غير العادل الذي وجهه كثيرون للمجالس التمثيلية في العراق والتركيز فقط على اعتبارها مؤسسات شكلية فحسب يؤدي الى اغماط معناها العميق في العراق. يتمثل هذا المعنى، بتقديري، بان تلك المجالس كانت خطوة ضرورية ، جديدة كليا، على طريق التعددية الحزبية والسياسية في أطار خلق دولة نيابية ودستورية.
ثمة أعتباران اساسيان لذلك. الاعتبار الاول ان تاريخ هذه البلاد برمته لم يعرف مثل هكذا مؤسسات وطنية تتجلى فيها قوة المكونات المحلية المتباينة عن قوة السلطة السياسية.
الاعتبار الثاني ان المجلسين، النواب والاعيان كانا ذا تاثير واضح صريح على قيام، واحيانا كثيرة على عمل السلطة السياسية بوزاراتها المتعاقبة. ويمكن ان نستمد معنى معين حتى مساعي ومحاولات الغاء مجلس النواب واجراء انتخابات جديدة له كل مرة تقوم فيها وزارة جديدة.فرغم الثمن الايديولوجي الباهض الذي دفعه نظام الحكم بسبب هذه الممارسات المضرة وأثرها السيىء على سيرورة تعزيز اسس التعددية الفعلية الا انها كانت يؤشر بقوة على ان المجلسين كانا يتمتعان حقا بدور مرجعي دقيق الاهمية واحيانا بدور تشريعي، حتى.
عكست تلك المجالس التمثيلية بدايات نظام الدعم البرلماني للحكومة. وهو النظام الذي يشكل الاساس لقيام نمط الحكومة المنتخبة حزبياً وبرلمانياً. والمعنى العميق هنا الذي يتناساه كثرون ان السلطة المركزية اضحت ملزمة بالاعترف بوجود قوى اجتماعية سياسية تقوم خارجها ، قوى المجتمع المدني. لذا فقد صار المجلس التمثيلي في العهد الملكي منبرا شرعيا فرضت فيه المكونات المحلية وجودها ومطالبها. وجود معترف به من قبل السلطة السياسية وقائم في صلب شرعية الدولة. لقد كان هذا تطورا جديدا على صعيد العلاقات الاندماجية بين المركز والمحيطات لم يحصل سابقا على امتداد تاريخ المركزيات السابقة في العراق.
بيد ان المعنى العميق الاهمية للمؤسسات النيابية والدستورية كان مقيدا ومثقلا بالمضمون الاجتماعي للقوى السياسية السائدة. فلا يخفى ان اكثر من ثلث اعضاء مجلس النواب، مثلا، كان يتكون من الشيوخ والاغوات الذين تزايدت سطوتهم المالية والسياسية إبان الثلاثينات والاربعينيات خصوصا. وغالبا ما استثمرت هذه الطبقة المتنوعة، الكثير من مزايا وضعها التمثيلي لتوسيع قاعدة منافعها الشخصية وشبكة علاقاتها الزبائنية بدون ان تشعر بضغط الحاجة لأدلجة مصالحها في برامج ومبادىء وتوسع قاعدتها الاجتماعية وفقا لذلك.
هذا صحيح تمام. ولكن صحيح ايضا ان المجالس التمثيلية كان تحمل اكثر من وجودا شكليا. كانت تعبر عن حقيقة اخرى، ايضا. فالعهد الملكي عبرعن فترة انتقالية من نظام سياسي تقليدي او من عصر اللانظام السياسي الى عصر الحداثة السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الرياض.. إلى أين وصل مسار التطبيع بين إسرائيل والس


.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين يرفضون إخلاء خيمهم في جامعة كولومبيا




.. واشنطن تحذر من -مذبحة- وشيكة في مدينة الفاشر السودانية


.. مصر: -خليها تعفن-.. حملة لمقاطعة شراء الأسماك في بور سعيد




.. مصر متفائلة وتنتظر الرد على النسخة المعدلة لاقتراح الهدنة في