الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضد الاستبداد والتدخل الخارجي

بدر الدين شنن

2011 / 3 / 21
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


طلائع الثورة الشعبية السورية انطلقت من دشق ودرعا ، لتشمل لاحقاً حمص وبانياس . وبدأ السوريون يقدمون الشهداء والجرحى والمعتقلين عربوناً لثمن الحرية ، واستعادة انسانيتهم وكرامتهم ، وحقهم في المساواة ، والعيش الكريم . وأصبح من حقهم أن يرفعوا رؤوسهم عالياً افتخاراً أ سوة بأشقائهم ، ثوار مصر وتونس واليمن ولبيا والبحرين ، أنهم شركاء في ثورة النهضة العربية الثالثة .

وبذا دخلت سوريا في مرحلة سياسية جديدة ، تتطلب ، متابعة حركة مفاعيلها الميدانية ، واتخاذ القرارات والمواقف المطابقة لاستحقاقات هذه المرحلة ، على ضوء تجارب الثورات الشعبية في مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين ، لاسيما ، آليات حشودها .. مضامينها .. صعوباتها .. وسبل انتصار بعضها .. ووسائل صمود بعضها الآخر ، والإجابة على السؤال ، أي مسار ستسلكه الثورة الشعبية السورية ؟ .. أي خيار سيتبعه النظام للتعامل مع هذه الثورة ، وهو الذي بحوزته أجهزة أمنية قمعية عريقة في مواجهة وتصفية المعارضين للنظام في ثمانينات القرن الماضي ؟ .

لقد اعلن الثوار السوريون ، أن ثورتهم من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية هي ، " سلمية .. سلمية " وتكرر كافة التعبيرات السياسية المعارضة ، بكل مناسبة وبيان ومقال ، أن أسلوبها لتحقيق التغيير الديمقراطي هو " سلمي .. تدرجي " . أما النظام فقد أجاب على السؤال الذي يعنيه ، بأن مارس إزاء المتظاهرين المحتجين في دمشق ودرعا القمع العاري وأحياناً الرصاص الحي ، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى ، وزج بالمئات منهم في زنازين الأجهزة الأمنية والسجون السياسية ، بتهم ( النيل من هيبة الدولة وتعكير العلاقات بين ابناء الأمة ) . وذلك دون أن ينظر بإمعان إلى تجارب ونهايات عدد من الأنظمة الديكتاتورية العربية ، نتيجة خياراتها الخطأ .. القمعية .. في التعامل مع الاحتجاجات والمطالب الشعبية المشروعة ، وفي مقدمتها ، ا ستعادة الحرية وحق تقرير المصير السياسي . وعلى سبيل التذكير ، تجربة " حسني مبارك " في مصر ، و" بن علي " في تونس " و " معمر القذافي " في ليبيا " الدموية . وقبلهم تجربة " صدام حسين " الكارثية في العراق . وعلى الطريق تجربة " علي عبد الله صالح " القمعية الدموي الشرسة ، الذي بدأ نظامه يتفكك وقوى الجيش تنقل ولاءها إلى الثورة الشعبية . وتجربة " حمد آل خليفة " الذي ا ستدعى علناً التدخل العسكري الخارجي لمساعدته في قمع شعبه ، وجعل من مملكته دمية بين أيادي دول القبائل الخليجية . والتي " أي هذه التجارب " جرت وتجر البلاد إلى مخاطر التدخل السياسي والعسكري الخارجي ، وتقوض السيادة الوطنية ، وتدفع إلى الانزلاق نحو المستقبل المجهول على المستويات كافة .

لقد بذل " بن علي " كل طاقاته القمعية لتقويض الثورة .. قتل المئات من الثوار .. وفشل . ولم يجد ، أمام إصرار آلاف المتظاهرين ، وأمام حياد الجيش التونسي ، لم يجد من مخرج سوى الهرب مذعوراً مذموما .

وقام " حسني مبارك " بممارسة كل أشكال القمع والكذب والتزوير ضد شعبه .. قتل نحو ألف من الثوار المعتصمين والمتظاهرين .. وفشل .. وأمام الملايين الشعبية الهاردة " ارحل " . وأمام اختيار الجيش المصري الحياد لصالح الثورة ، اختار " التنحي " عن الحكم . وانزوى معزولاً مرذولا .

معمر القذافي الآن ، يدفع ثمن أربعين عاماً ونيف من الحكم الديكتاتوري الدموي .. ثمن ا ستهتاره بالقيم الوطنية والإنسانية .. الذي جعل من شعبه عدواً له .. والذي اختار إفناء المعارضين له من شعبه ليبقى ، من خلال حرب إبادة أعلنها على الثورة وكل من يوالي أهداف الثورة في الحرية . ما استدعى التدخل العسكري الخارجي الدولي فوق التدخل السياسي السابق ، تحت غطاء حماية المدنيين من بطشه الدموي السافر . وجعل من طرابلس الغرب العظيمة الجميلة عاصمة عمر المختار الخالد .. بعد بغداد .. العاصمة العربية الثانية ، التي يعلن عليها المعسكر الامبريالي الدولي الحرب عليها ، باستدعاء أفعال الاستبداد ، تحت مظلة وقف حرب الاستبداد ضد الشعب . وتتساقط فوق مواقعها الحيوية والعسكرية الصواريخ والقنابل المدمرة .

كانت الذريعة الأميركية الاستعمارية لاحتلال العراق ، هي تجريد نظام صدام من أسلحة الدمار الشامل ، ثم تحولت إلى ذريعة تحرير الشعب العراقي من الاستبداد . سقط نظام صدام .. وأعدم صدام .. وسقطت أكذوبة ذريعة أسلحة الدمار الشامل .. وسقطت اكذوبة الحرية التي تأتي على ظهر دبابات الاحتلال . وصار العراق موضوع نهب ا ستعماري إ سرائيلي مكشوف لتراثه الحضاري العريق وثرواته البترولية الهائلة . وصار العراق اقطاعيات سياسية .. طائفية .. وعرقية . وألقي إليه بأسوا أشكال الديمقراطيات ، ديمقراطية المحاصصة الطائفية والعرقية . ودفع العراق ثمن هذا الانحدار الكارثي ، مليون قتيل ، وأربعة ملالايين طفل يتيم ، وأمن مفقود ، ورغيف ذليل . وعند البحث عن المسؤول الأول عن هذا المصير العراقي ، فإن أصبع الاتهام توجه أولاً وثانياً وثالثاً إلى صدام حسين ونظامه الديكتاتوري الدموي ، الذي بمصادرته الحريات العامة للشعب ، وربط السياسة بالولاء لحزب البعث الحاكم وللديكتاتور شخصياً ، وبفرض أقسى أشكال القمع ضد المعارضة ، ووبقيامه بعمليات إبادة وحشية ضد الانتفاضات الشعبية في شمال العراق وجنوبه ، وبجره العراق إلى مغامرات حربية عدوانية ضد إيران والكويت ، ا ستدعى الحصار على العراق ، حصار العقوبات الدولية ، وحصار التفتيش الدولي عن أسلحة الدمار الشامل ، وحصار الحظر الجوي ، وبامتناعه عن القيام بأي إجراء إيجابي ، يؤدي إلى إنهاء سياسة القمع ، وإلى الانفتاح على قوى المعارضة العراقية ، التي كانت تتزايد عدداً وتجذراً وتنوعاً ، بل أمعن في الاستبداد والقمع ، ا ستدعى التدخل العسكري . وخاض معركته وحيداً . وكان ملجأه الأخير بائساً ، ومصيره أكثر بؤساً .. بإيجاز شديد .. كل ما فعله صدام خلال حكمه الديكتاتوري الدموي ، حقيقة ، هو إعداد حيثيات ا ستدعاء التدخل العسكري الخارجي ، الذي نقل العراق إلى الأسوأ ..

والذريعة الأميركية الدولية لقصف ليبيا جواً وبحراً مقدمة لاحتلالها المكشوف أو المبطن ، في هذه الأيام ، التي نعيشها بقلق بالغ ، هي في الشكل تجريد نظام القذافي من أ سلحته الهجومية ، التي يستخدمها بوحشية تجاه مواطنيه الثائرين ضده . سوف يسقط الديكتاتور في ليبيا .. وسوف تسقط أيضاً الذريعة الدولية للهيمنة على ليبيا .. وسيبرز بشكل سافر أن الهدف الحقيقي لتدمير القوات المسلحة الليبية " القذافية " هو البترول الليبي والجيوسياسية الليبية .
لن يكون مصير القذافي ، الذي صودرت أمواله في الخارج ، ومطلوب من المحكمة الجنائية الدولية ، لن يكون اقل بؤساً من مصير زميله الراحل صدام حسين . لكن الشعب الليبي هو الذي سيدفع الثمن . حيث ’وضع أمام مصير بالغ الصعوبة والتكلفة ، عليه أن يبدأ ببناء قواه من جديد ، ليتمكن من احتواء الاحتلال المباشر وغير المباشر ومن التخلص منه ، وبناء الوطن من جديد ، الأمر الذي سيستغرق عشرات السنين .

وعند البحث هنا أيضاً عن المسؤول الأول عن الحال الليبي الدموي الراهن والمستقبل المجهول القادم ، فإن أصبع الاتهام تتوجه أولاً وثانياً وثالثاً إلى الديكتاتور معمر القذافي ، الذي بمصادرته الحريات العامة للشعب ، وتعميم أحكام كتابه الأخضر التي تحدد وتوجه كل الأنشطة " السياسية " بالالتزام بتوجيهات ورغبات " القائد " الديكتاتور ، وبتحويله ليبيا الوطن إلى مليكة تابعة لشخصه ولأفراد اسرته ، وبتبديده عوائد البترول الليبي على أنشطة ، توهم أنها ستحول ليبيا إلى دولة عظمى ، وتجعل من شخصه قائداً تاريخياً عملاقاً ، وبممارسته القمع المتواصل ضد معارضيه أفراداً وجماعات في الداخل والخارج ، وبسرقته وأولاده ثروات ليبيا ، التي تقدر حتى الآن ب ( 130 ) ملياردولار . وبأسلوب تعامله مؤخراً مع الثورة الشعبية في بلاده ، الذي تميز ، على خلفية الإحساس بالعظمة ، بالوحشية والسادية المطلقة ، وأبى الخضوع لمطلب الشعب الليبي إنهاء الاستبداد ، وأعلنها حرباً ديكتاتورية فاشية على شعبه وقتل فعلاً وجرح الآلاف من أبناء وطنه ، كتب أيضاً بأفعاله " بخط يده " ا ستدعاء التدخل العسكري الدولي .. وبذلك صار باب العزيزية .. قلعة الديكتاتور .. جحراً .. وصار الديكتاتور .. ملك الملوك .. جرذاً .. فاتحاً الباب للتدخل الخارجي الدولي في تقويض الثورات الشعبية العربية ، وواضعاً ليبيا أرضاً وشعباً وثروات أمام مصير مجهول .. وصارت طرابلس ترتبط بزمالة المصير الاحتلالي مع بغداد بواسطة الاستبداد . وقد كان يمكن أن يكون البديل ، أن يأخذ الشعب حقه بالحرية وبتقرير المصير ، ويأخذ النظام الحاكم طريقه إلى حيث ما تقرره المصلحة الوطنية العليا والعدالة .

التاريخ يعلمنا .. كما للاستبداد بداية .. فإن له نهاية .. ولابد للاستبداد في سوريا أيضاً من نهاية .. شاء من شاء وأبى من ابى .. وكيفية وثمن انتهاء الاستبداد في سوريا ، لن يكون بعيداً عن الكيفية والثمن لنهايات الاستبداد في بلدان عربية أخرى . حتى الآن لاتزال المبادرة ، موضوعياً ، بيد أهل النظام ، لملاقاة مطلب التغيير الديمقراطي دون آلام كبيرة وخسائر باهظة . لاسيما وأن الثوار في الشارع لم يطلقوا حتى الآن شعار " الشعب يريد إ سقاط النظام " وما تزال التعبيرات السياسية الأساسية المعارضة تمارس لعبة شعرة معاوية مع النظام ، وتتوسل التغيير " الديمقراطي السلمي التدرجي " , والسؤال المطروح الآن في المشهد السوري هو ، هل سيمعن النظام في سياساته القمعية بمواجهة ثورة التغيير ، ويستدعي بذلك التفاعلات الصدامية الدموية الخطيرة .. وربما يجري ا ستغلال ذلك من داخل النظام لزج البلاد في صراعات واسعة تستدعي التدخل السياسي والعسكري الدوليين ؟ .. أم يخالف المعايير التي اعتمدها الديكتاتوريان الساقطان في مصر وتونس ، والديكتاتوريون المرشحون للسقوط في بلدان أخرى لاسيما في ليبيا واليمن ، ويخطو نحو ما يجنب البلاد مخاطر صراع خطير ، قد يكون بائس النهايات بالنسبة لأهل النظام ، وباهظ الثمن بالنسبة لأهل الوطن جميعاً ؟ ..

لم يعد ا ستخدام " درع الممانعة " في مواجهة المخططات الأجنبية الخارجية صالحاً ، لتحصين وتلميع الاستبداد الداخلي ، ولم تعد تشفع هذه " الممانعة " للجرائم القمعية والدوس على حقوق المواطن الإنسانية الأساسية ، بل بات حضور هذا الدرع هو لصالح الثورة الشعبية ، فهو يضيف مسوغات أساسية وهامة لمطالبها المشروعة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، لأنها وحدها قادرة على منح هذا الدرع صلاحياته الوطنية الفعالة ، ولأنها وحدها أيضاً قادرة على توحيد الصف الوطني وتوفير مواجهة جادة لهذه المخططات ، التي لم تكف يوماً عن مطامها في البلاد منذ الاستقلال حتى الآن ، وستستمر طالما العالم بقي تحت سيطرة القوى الامبريالية الدولية ..
وتبقى حقيقة ثابتة في المشهد السوري وهي .. أنه فقط بالثورة الشعبية أو تحت ضغوها .. سيتم التغيير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تصد متظاهرين يطالبون الحكومة بعودة المحتج


.. اشتباكات عنيفة بين قوات من الجيش الإسرائيلي وعناصر من الفصائ




.. اقتصاد فرنسا رهين نتائج الانتخابات.. و-اليمين المتطرف- يتصدر


.. كيف نجح اليمين المتطرف في أن يصبح لاعبا أساسيا في الحياة الس




.. الشرطة الكينية تطلق الغاز المسيل للدموع على مجموعات صغيرة من